منذ انطلاق مؤتمر الحوار الوطني قبل أكثر من شهر، يخوض اليمنيون حواراً هو الأهم في تاريخهم، وقد أظهر انعقاده أن الأطراف السياسية كافة اقتنعت أخيراً بأن مصير اليمن ووحدته وأمنه واستقراره بأيدي أبنائه أنفسهم، وأن صوغ مستقبله مرهون بهم وحدهم .
المؤشرات الأولية تؤكد أن مؤتمر الحوار يسجّل تقدماً مهماً لجهة القضايا التي يناقشها، مثل بناء الدولة والقضية الجنوبية وأزمة صعدة وإعادة بناء الجيش على أسس علمية وصحيحة، وهذا دليل على أن أطراف العملية السياسية باتت تدرك أن الحوار هو الطريق الوحيد والآمن لمعالجة الأزمات التي تعانيها البلاد، وأن الوقت قد حان لإعادة صياغة شكل النظام المقبل، والأهم هو مشاركة الجميع في صناعة اليمن الجديد القوي، القادر على مواجهة تحديات المستقبل .
على هذه القاعدة تبدو الحاجة ضرورية للتأكيد على أهمية أن يستمع الجميع إلى صوت العقل، وأن يبادروا إلى جعل مؤتمر الحوار محطة تضمن مشاركة الأطراف السياسية كافة في صياغة النظام المقبل، وأن يسمح للجنوبيين بمختلف مكوناتهم في الداخل والخارج التعبير عن مواقفهم بحرية كاملة، والأخذ بمختلف المشاريع التي يطرحونها طالما أنها تصب في اتجاه تعزيز أمن اليمن ووحدته واستقراره .
لقد احتاج اليمنيون إلى سنوات طويلة لإعلان دولة الوحدة في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار من العام ،1990 وحان الوقت لصيانتها وتحصينها من أية خضات يمكن أن تواجهها في المستقبل، مع تأكيد أن صيغة الوحدة الحالية لم تعد قادرة على الصمود، ناهيك عن الاستمرار، في ضوء حركة الاحتجاجات التي تشهدها المناطق الجنوبية من البلاد .
لذلك فإن مناقشة المشاكل التي يواجهها اليمن اليوم ومعالجتها تبدو ضرورية وملحة، وهذا الأمر لن يتم إلا بضمان مشاركة الأطراف السياسية كافة في الداخل والخارج، بحيث لا يتم استبعاد أي طرف من المشاركة والإسهام في صياغة النظام المقبل المتكئ على الوحدة والتنوع في آن .
لقد نجح اليمنيون في لجم المشروع الأخطر المتمثل في جر بلادهم إلى حرب أهلية طاحنة بعد قبول المبادرة الخليجية، ثم توجهوا وبشجاعة إلى محطة مهمة أخرى وهي مؤتمر الحوار الوطني، ويبقى أن يتخذوا الخطوة الأهم وهي صياغة عقد اجتماعي جديد يحفظ لليمن وحدته وأمنه واستقراره، ويمنح اليمنيين في الشمال والجنوب على السواء فرصة العيش بأمن وسلام بعيداً عن أي مشاريع تفتيتية .
وعلى المتحاورين كافة إدراك أن بيدهم وحدهم صناعة مستقبلهم بنكهة يمنية، بعيداً عن تأثيرات الخارج، ذلك بأن أي إخفاق سيكون مدعاة لتدخل خارجي يفرض أجندته، مستغلاً حالة الانقسام والتشرذم بين أبناء البلد الواحد .