خاض الناس وأفاضوا وما زالوا يخوضون في دراسة وتحليل تطورات الأحداث على الساحة اليمنية.
بعض هؤلاء عزا أوجاع اليمن للتخلف، بمؤثراته وموروثاته وعوامله المختلفة، وقال آخرون: إن مشكلة اليمن تكمن في غياب هيبة الدولة، وشح الموارد وضعف الإدارة وفساد النخب..وفي سياق التحليل، وفدت منظمات دولية مهتمة بالديموقراطية ورعاية الحريات والحقوق أو متخصصة بمساعدة الحكومات على إقامة الحكم الرشيد.
وكان من بين الأصدقاء، ناصح صادق حريص يبذل وسعه دون جدوى!! ومنهم الموارب المتخصص في تشريح البلدان الأقل نموا، واستغلال ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأغراض جيوسياسية، تتعلق بصراع النفوذ الإقليمي والدولي ورؤية كل حدود مصالحه من حطام المراكب المتهالكة، ولكل اشتراطاته لإصلاح الوضع وتحقيق المستوى المطلوب من الاستقرار والتنمية وبناء مؤسسات الحكم.
وحين تعدى الاضطراب حدود المسموح به بمقاييس الفوضى الخلاقة، هرع القريب والغريب لتدارك الخطب، وهبت عربات الإطفاء وسط دهشة اليمنيين المعتادين على رؤية مثل هذه العربات تذهب أو تجيء وليس في أحمالها مادة تصلح لإخماد الحرائق إنما إشعالها.
وبمنطق المتاح لا المثالي من الحلول، تم إلحاق ثورة التغيير بقاطرة قوى الصراع التقليدي المزمن، وغدت التسوية السياسية المرتكزة على المبادرة الخليجية أساسا لمصالحات توافقية أدت إلى خروج صالح من سدة الحكم، دون المساس بجذور الصراع وأدواته، وبمحصلة ذلك تمضي الأمور بوتيرتين متضادتين، سياسية ميدانها الحوار الوطني والتئام حكومة وفاق هي غاية في الضعف تتداركها من السقوط قرارات رئاسية تحاول دحرجة الصخور الجاثمة على كاهل الدولة.. أما على صعيد الواقع العملي فيستشري الفساد وتتحرك آليات الهدم بسرعة الضوء مطلقة اليد والراحلة واللسان ذائعة الصيت في نهب الموارد وفرض المعايير الحزبية للاستحواذ على الوظيفة العامة، واستهداف الاقتصاد الوطني بعملياتها التخريبية ضد محطات الكهرباء وأنابيب النفط والنيل من أمن وسكينة المجتمع.
نعود إلى علة التخلف كشماعة يستخدمها الجميع ضد الجميع على سبيل الإفلات من المسؤولية، لكن لا أحد يتذكر أن أحوال اليمن في النصف الأول من القرن الماضي كانت أكثر سوءا بكل المعايير، ومع هذا لم يكن الاضطراب بمستواه الراهن لا في مضمار الأداء الحكومي فحسب، وإنما على مستوى منظومات القيم الموجهة لسلوكيات الأفراد والجماعات.
ثمة معضلة أخرى غير التخلف تلقي ظلالها الداكنة على تفاعلات الواقع، وتهدد بفقدان الحساسية الوطنية أمام تياراتها السياسية والاجتماعية ذات الارتباط المباشر بموجهات خارجية ومصادر تمويل غير مشروع.
لقد كان الاستخفاف بمحددات الولاء الوطني، والتهاون مع الممارسات والأنشطة الفردية المنتهكة لضوابط المواطنة النزيهة ضمن خصائص النظام السابق، فيما استجد التغيير وشهدنا انضمام أحزاب سياسية وقوى اجتماعية وفعاليات مدنية وعسكرية إلى خط انتهاك السيادة واقتحام المشهد السياسي بفاعلية المال السائب من محدث نعمة أو ناعق وصاية، وهو الأمر الذي يتهدد المبادرة الخليجية ويحول دون بناء الدولة الضامنة، ويشل قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الوطنية والإقليمية والدولية.
إنه لأمر مقلق، أن تقف دول ومنظمات العالم إلى جانب اليمن، وتتعهد بالحفاظ على أمنه ووحدته، وتلتزم بدعم الرئيس عبدربه منصور هادي، ثم لا تحرك ساكنا إزاء التمويلات الخارجية المتسربة بسخاء خارج القنوات الدستورية.
ولئن كان استقرار هذه البلد متطلبا إقليميا ودوليا، فإن الخارج مطالب بالكف عن خلق موازين نفوذ تقوض فرص نجاح التسوية السياسية، وتضع العصي في دولاب الشرعية الشعبية، وتلقي المزيد من الصعوبات أمام القيادة السياسية، وذلك ما لا يستحسن التغاضي عنه لمصلحة اليمن والعالم.