أرشيف الرأي

ربيع بغداد يوحي بشتاء لطهران!‏

الراصد للتطورات الاحداث المأساوية الاخيرة في العراق وتفاعلات الاعتداء على ‏المعتصمين والتعامل بلغة القوة من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق المعتمدة على نظام ‏المحاصصة المقيتة وغير المنصفة بتهميش قطاعات واسعة من الشعب العراقي الذي اصبح ‏مطارد حتى خارج بلاده، فقرأة سريعة لاحداث الايام الاخيرة والتي تركت اعداد غير معتاده ‏في الضحايا مابين قتيل أو جريح، في اشتباكات من جيش المالكي ومتظاهرين بين عشائر ‏من معتصمي بلدة الحويجة القريبة من كركوك الغنية بالنفط، متزامناً بتوتر وضحايا في ‏مناطق اخرى في محافظة صلاح الدين والانبار والموصل وتكريت وغيرها، وغدا موضوع ‏التدهور الأمني الملحوظ في العراق يطغي على اخبار سيل الدماء في جارتها سوريا، تكمن ‏مأساة العراق السياسية بتجذر الخلاف الذي كرسه دستور بريمر الملئ بالالغام، وهناك ‏اختلاف في منظومة الحكم في العراق منذ رحيل صدام، هناك ارادة للانفراد بالحكم سواء ‏لشخص في العراق أو لطائفة..‏

‏ فعلاً ربيع العراق قد حل في بلاد الرافدين متأخراً ومتزامنا لربيعها الطبيعي انعكس نيروز ‏الورود الفارسي على مزاج العراقيين الذين لم يرون إلى الان نظاما أفضل من النظام السابق، ‏بعد المجازر الاخيرة تعالت الاصوات لإسقاط حكومة المالكي حتى بين الشيعة انفسهم.! ‏ابرزهم تيار مقتدى الصدر الذي هدد بحجب الثقة عن الحكومة.‏

لقد بداء العد التنازلي في الفشل الفعلي للعلمية السياسية بأقصاء قيادات سنية بدأت حلقاتها ‏بأبعاد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية.. ومنذ اسابيع انعكس منحى الانهيار الأمني على ‏استقالة شخصيات فاعلة تتو إلى الواحد بعد الأخر ابتداء من العيساوي وغيره فقد استقال ثلاثة ‏آخرون ممن يسمون في العراق الجديد المكون السني خلال الايام الماضية الثلاثة، وقد ‏انعكست تلك التطورات داخل منظومة الحكم الممسوخة من المكونات الأخرى فبدأت ‏الاستقالات تتو إلى بدأ من الوزراء الكُرد وشخصيات من القائمة العراقية التي يقودها اياد ‏علاوي، وكان آخرها استقالة صالح المطلق التي رفضها المالكي بتكليفه بالتحقيق في قضية ‏الحويجة والتي قد لاتزيح المالكي نفسه فحسب بل التركيبة السياسية العجيبة في العراق والتي ‏تستند لدستور غدا مرفوضا من اغلب فئات الشعب من الطائفة السنية والتي هى الأكثرية اذا ‏جمعنا سكانه عربا وكردا ولكن الدستور المسخ قسم المجتمع العراق إلى سنة وشيعة وكرد ‏فالتقسيم اذا كان ولابد اما عرب وأكراد أو شيعة وسنة..!‏

والراصد لما تطرحه وسائل الاعلام العراقية مؤخرا يلاحظ تدوال بضع كلمات اكثر من ‏غيرها الكلمات (الفتنة، الطائفية، إيران، بعد اقليمي، الخ)، واقع الحال بأن العراق يعيش ‏مخاضا عسيرا متزامنا مع حلول الذكرى العاشرة للسقوط المدوي اشعلت ناراً لايمكن اطفائها ‏بل تزداد توهجاً على ايقاع حريق جارتها سوريا التي تؤججها نيران فارسية معروفة.‏

ويخشى مراقبون من تصاعد مسار الأحداث، لدرجة استحالة السيطرة عليه، حيث أعلنت ‏العشائر العربية في الحويجة النفير العام، وشكلت جيشاً عشائريا وهو مايعني البداء بأنحسار ‏الاحتجاجات السلمية لتأخذ منحى آخر، فقد تعرضت نقاط تفتيش تابعة لقوات الشرطة والجيش ‏للهجوم، وقتل وأصيب عدد من أفرادها، وسيطر رجال العشائر على عدد من سيارات الجيش، ‏كما تضاربت الأنباء بشأن إسقاط مروحية للجيش بين تأكيد رجال العشائر ونفي وزارة الدفاع ‏العراقية.‏

ولعل ابرز الجهات السياسية العراقية التي تراقب الوضع باهتمام بالغ هى هيئة العلماء ‏المسلمين برئاسة الدكتور حارث الضاري والتي تدير قناة الرافدين ذات التأثير القوي في ‏الاعلام العراقي وهى خارج العملية السياسية كما هو معلوم وفي هذا السياق فقد قالت هيئة ‏علماء المسلمين إن المالكي وجنوده ماضون في تنفيذ ما سمتها أجندة الولي الفقيه القائمة على ‏التطهير الطائفي والعرقي، وأضافت الهيئة أن على العراقيين أن يعلموا أن المالكي أعلن ‏الحرب عليهم، وأنه لن يتوقف، ما لم يردعه رادع.‏

وتدرك الجامعة العربية والامم المتحدة خطورة الاحداث الاخيرة رغم عدم تعويل العراقيين ‏والعرب على جامعتهم التي اثبتت السنين بأنها تمثل انظمة قمعية شطلية ولا تعكس ‏بالضرورة اهات وأمال شعوبها ...‏

‏ في سبعينيات القرن الماضي حدثني زميل عراقي من اهالي كركوك من الأكراد بقولة تذكر ‏يا اخي قد يأتي يوما تصبح هذه المنطقة محور نزاع يزلزل العراق.. وأضاف بأن القيامة اذا ‏قامت ستنطلق من كركوك ..! فأجبته : بأن القيامة ليست زلزال أو سيل جارف تبداء من مكان ‏وتنتهى بأخر، فهي حدث الهي يأتي في لمح البصر يجهل الانسان تفاصيل حدوثة ... فأجاب ‏اعلم ذلك ولكن من باب التعبير المجازي وكنية عن اهمية هذا المكان سياسيا وأقتصاديا، ‏ومؤخرا يتداول قادة العراق من الاكراد بأن كركوك هي قدس كردستان!‏

وهو ماحدث فعلا بعد ثلث قرن من ذلك اللقاء وهاهى كركوك وجوارها تعيش اجواء عنف ‏وتناحر بين قومياتها وطوائفها تغذيه السلطات في بغداد، في الوقت الذي يؤكد الأكراد في ‏اكثر من مناسبة بأن وضع كركوك الطبيعي هو في حضن اقليم كردستان العراق، بينما ‏لتركيا رؤية خاصة منطلقة من مبدءا دعم اخوانهم تركمان العراق! بينما اوراق اللعبة ‏الأساسية هي في يد لاعبين إقليميين اهمها طهران وواشنطن..!‏

لعبة الامم في مطلع الألفية الثالثة حققت غاياتها بجر المنطقة لحروب مذهبية، وإلا فماذا ‏يفسر مايجري في أكثر البؤر سخونة وأعني الصراع في سوريا، وإرهاصات حرب اهلية في ‏العراق، وتهديد لنووي إيران بعد تقارب انقرة مع تل ابيب مؤخراً متزامنا بزيارات قيادات ‏من الادراة الأمريكية مكوكية لأنقره وغيرها،وغنى عن البيان بأن تركيا شأنها شأن إيران لها ‏رؤيتها ومطامعها في العراق بتدخلاتها بحجة حماية الاقلية التركمانية في كركوك وغيرها، ‏والراصد لكل ما يجري يتوقع بداهة صيفاً ساخنا ولا يستبعد أكثر من سيناريو في أكثر من ‏نقطة من بؤر التوتر.!‏

زر الذهاب إلى الأعلى