أريدك، أيها القارئ الكريم أن تتأمل معي في هذه الأخبار والتعليقات، التي قد يبدو أنه لا يوجد جامع يجمعها أو ناظم ينتظمها، في بداية الأمر:
* جوهر تسارنايف، الصبي الشيشاني – الأميركي، المتهم مع شقيقه تامرلان، كتب آخر تعليق له على موقع «فيس بوك» قبل أن يقبض عليه مصابا إصابات بليغة، وهو ملقى تحت قارب صيد مقلوب في بيت مواطن أميركي.
الصفحة أنشأها جوهر الخميس السابق للقبض عليه على «فيس بوك»، جاء فيها: «هذه آخر رسالة لي قبل أن يتم القبض عليّ؛ لم أقم بهذه الفعلة مطلقا». وأكد جوهر في رسالته: «هم من أوقعوا بي في هذا العمل، أبي أرجوك سامحني، أنا آسف إنها وصلت إلى هذا الحد».
* نفت قيادة مجاهدي ولاية داغستان أن تكون لها أي صلة بتفجيرات بوسطن الأخيرة، والتي وُجه الاتهام خلالها إلى شخصين من جمهورية الشيشان.
وجاء في البيان الرسمي للجماعة: «تعلن قيادة مجاهدي ولاية داغستان عدم قيام أي من أفرادها المقاتلين في القوقاز بأي أنشطة عسكرية أو إرهابية ضد الولايات المتحدة الأميركية، وأن الحركة تحارب روسيا فقط»، مضيفة أن على الإعلام الأميركي والأجهزة الأميركية ألا تقع في الفخ الروسي المنصوب من قبل «الأجهزة» الروسية.
* الزعيم السياسي الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، تناول في حديثه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» الصادرة عن حزبه، ضمن تعليقات أخرى، رأيه في «توقيت» تفجيرات ماراثون بوسطن. قائلا: «بعيدا عن نظريّة المؤامرة التي ازدهرت في العالم العربي وتم استغلالها على مدى عقود، لكنها مصادفة غير بريئة أن تحدث تفجيرات بوسطن بعد أيام من تهديد الرئيس السوري وحديثه عن تنظيم القاعدة الذي تحوّل إلى تسمية مطاطية تُستحضر عند الطلب وهي بمثابة لغز كبير، خصوصا أن طلائع هذا التنظيم ترعرعت تحت جناح النظام السوري الذي استخدمها في العراق، وتحت أجنحة أنظمة إقليمية أخرى استخدمتها في أفغانستان والعراق».
* في المعلومات الأولية عن الشابين العربيين «السنيين» اللذين قبض عليهما في كندا بتهمة التخطيط لهجمات إرهابية في كندا، تم تسليط الضوء على انغماسهما في «الجهاد» السوري، وترديد أحدهما لأنشودة المطرب اللبناني المعتزل فضل شاكر عن الجهاد.
* ذكرت وكالة رويترز الخميس الماضي أن علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، شقيق رئيس السلطة القضائية صادق، قال أثناء لقائه مع مساعد مجلس الاتحاد الروسي، إن لإيران وروسيا علاقات استراتيجية ومصالح مشتركة توجب متابعة التشاور بينهما، والعلاقة بين إيران وروسيا حسب وصفه علاقة: «تعاون مستدام وطويل الأمد».
* الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قال أثناء مقابلته لعصام الحداد مبعوث الرئيس المصري محمد مرسي إنه يخشى من نجاح المعارضة السورية لأن هذا «سيغير تاريخ المنطقة طويلا».
* في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي مقابلة أجرتها معه محطة تلفزيون (آر تي) الروسية، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانتقادات الغربية الموجهة إلى موسكو في شأن قضية الصراع في سوريا.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت موسكو ستعيد التفكير في موقفها من سوريا، بعد أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات في مجلس الأمن لتعطيل مشاريع قرارات يدعمها الغرب للضغط على سوريا، قال بوتين متسائلا: «ولماذا ينبغي لروسيا فقط أن تعيد تقييم موقفها؟ ربما يتعين على شركائنا في العملية التفاوضية إعادة تقييم مواقفهم». ولمَّح بوتين إلى أن الولايات المتحدة «تنتظر من المتشددين أن يساعدوا في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد»، قائلا إن تلك الدول «ستندم على ذلك». وقارن بوتين بين الوضع في سوريا وما حدث في أفغانستان.
* في مارس (آذار) 2012 ذكر سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي في حديث إلى إذاعة «كوميرسانت - إف إم» الروسية، كلاما هو الأكثر صراحة وتعبيرا عن بواعث الموقف الروسي تجاه المسألة السورية.. قائلا لمحاوره: «أنت قلت إن موقفنا من سوريا يختلف عما يفكرون به في الغرب مثلا. وأنت تعرف بالذات أنهم يفكرون هناك بشكل لا يختلف أبدا عما نورده في موقفنا. هناك يفكرون بالأسلوب ذاته بدقة تماما. والاختلاف هائل بين ما يناقشونه بهدوء في سكون المكاتب وهيئات الأركان العامة، وما يقال علنا في العواصم ذاتها».
* قبل أيام دعا الباحث والكاتب السياسي والمؤرخ الأميركي (دانيال بايبس) وهو من «المحافظين الجدد»، حكومة بلده والحكومات الغربية إلى تقديم الدعم للرئيس السوري بشار الأسد، قائلا في مقالة كتبها في موقع «ذا جويش برس» إن ذلك يحدث توازنا بينه وبين معارضيه ويمنع انتصارا للإسلاميين في سوريا. وكتب بايبس: «المنطق الذي دفعني لتقديم هذا الاقتراح النافر هو أن قوى الشر عندما تحارب بعضها البعض، تصبح أقل خطرا علينا، ما يجعلها أولا تركز على أوضاعها المحلية (...) القوى الغربية يجب أن تدفع الأعداء إلى طريق مسدود بينهم من خلال دعم الطرف الخاسر، لجعل الصراع بينهم يطول أكثر».
حسنا، ماذا نريد القول من إيراد هذه اللقطات السريعة؟
نريد أن نحاول رؤية مصدر الشلل والخلل في مقاربة أميركا ومعها المعسكر الغربي للأزمة السورية، وهي هنا من الوضوح بمكان، حسب تقديري، أن تجعلنا نفكر في هل تريد هذه الدول، فعلا، إسقاط نظام بشار واقتلاع «وظائفه» الإقليمية، أم هي مشغولة بمحاربة ما يسمى بجبهة النصرة، وتختزل كل المشهد السوري برمته في عدة مئات أو بضعة آلاف حتى من مقاتلي جبهة النصرة؟ بل وربما تحضر المشهد الآن لاستهدافات بطائرات (درون) لما بعد سقوط بشار، ومن هنا نفهم التحضيرات الأميركية في الأردن وتركيا.
هل هذا السلوك الاستراتيجي سلوك سطحي وارتجالي، أم هو مقصود بوعي عميق لدى القوى الغربية، ومعها إيران (بعملائها في العراق ولبنان) وروسيا؟
من هو الطرف المستفيد الأكبر من تسليط الضوء «الكامل» والوحيد على سوريا من نافذة «القاعدة»؟
هل إيران بريئة من هذا الاستخدام؟ وهل هي بريئة من التعامل مع «القاعدة»، واستخدامها سابقا؟
لا طبعا، كلنا نعرف أن قيادات «القاعدة»، من الزرقاوي إلى سيف العدل إلى سعد بن لادن، كلهم أقاموا في كنف الحرس الثوري الإيراني، وآخر هؤلاء الكويتي سليمان أبو غيث، ومن أخطر هؤلاء المقيمين في إيران، كان السعودي، صالح القرعاوي، الملقب ب«نجم»، وهو أخطر قائد لـ«القاعدة» في السعودية بعد القائد الأول يوسف العييري، الذي قال لي شخص، يعرف ما يقول تماما، إنه، أي يوسف، هو ضابط الارتباط السري بين «قاعدة السعودية» وحزب الله اللبناني.
لقد تحدث عن هذه العلاقة الغريبة و«الشاذة» بين إيران ومجاميع «القاعدة» ومشتقاتها، خبير أميركي هو دانيال بايمان (أستاذ برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون) في دراسة بعنوان «تحالف مستبعد: علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة»، وأوضح بايمان في هذه الدراسة أن إيران تضفي على هذه العلاقة نوعا من السرية حتى لا تخسر الشيعة، ولا تستفز الغرب بشكل سافر.
وكثير منا يتذكر نصيحة أيمن الظواهري لأبي مصعب الزرقاوي، قائد «القاعدة» في العراق، بعدم التركيز على استهداف «الرافضة» حسب وصفه في العراق، والمصالح الإيرانية، والأهم تذكير الظواهري للزرقاوي، بإيواء إيران لعدد من المجاهدين، وأنهم «تحت يدها».
هنا، في خاتمة القول، لا نطرح أجوبة، بل نثير أسئلة وعلامات استفهام، حول طبيعة هذه «الطبخة» التي تجري بعيدا عن الأنظار، بين مكونات تبدو مختلفة في بعض القضايا عن بعضها، بل متنافرة (إيران والغرب، روسيا والغرب، «القاعدة» وإيران، حزب الدعوة و«القاعدة»، حزب الله وإسرائيل..) لكن كلها متفقة في التحليل الأخير على منع نجاح الثورة السورية، بوعي أو من دونه، واختزالها العنيد في مقاتلي «القاعدة»، والفرح، أو شبه الفرح، بوجودهم لتأكيد الرواية القائمة بقبح «أهل السنة» واستعصاء إدماجهم في العالم والتفاهم مع الغرب. حسب نظرية الإيراني الأميركي الباحث (ولي نصر).
سؤال أخير: أين العرب، خصوصا دول الخليج بقيادة السعودية، عن كل هذا، وماذا تريد روسيا بالفعل من المنطقة؟!
لعلنا نفكر معا في هذه الأسئلة، في مناسبة مقبلة.