[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

فضيلة الرؤى إذ تعقلن الخلافات

دفع الأحزاب والتيارات السياسية برؤاها المكتوبة حول قضايا الحوار الوطني إلى سوق ‏التداول السياسي في الصحافة السيارة والمنتديات وفضاءات النقاش حول الشأن العام سيكون له ‏تأثيرات إيجابية على أكثر من مستوى أياً كانت مضامين هذه الرؤى وزوايا تناقضاتها أو ‏تطابقاتها.‏

الإعلان المكتوب عن الرؤى الموضوعية لهذا الحزب أو ذاك من هذه القضية أو تلك يحرر ‏السجالات العامة من الاصطفافات التعصبية القائمة على رفض طرف معين وكراهيته دونما ‏تحديد لحيثيات الخلاف والرفض أو التأييد. ‏

من هنا يكون بإمكان الرأي العام ومكوناته وأفراده وناشطيه وعموم الناخبين والمتابعين أن ‏يحددوا مدى اقترابهم من هذا الطرف أو ذاك بالمسافة التي تفصل رؤيته عن رؤية المواطن ‏الناخب اقتراباً وابتعاداً .‏

‏ وهذا يحدد سياق السجالات السياسية ومزاج الرأي العام ابتداءً، ناهيك عن كونه سيحدد ‏نتيجة الاستفتاء العام من قبل الهيئة الناخبة التي بيدها إقرار نتائج الحوار المنعكسة في ‏الدستور الجديد المزمع صياغته عقب انتهاء مؤتمر الحوار وبناء على توصياته.‏

ومن شأن مداومة الأحزاب والتيارات السياسية على بلورة رؤاها حول القضايا وإعلامها ‏للجمهور بشكل دائم ومنتظم أن يحرر النقاش العام والسجالات السياسية من الاصطفافات ‏الديماغوجية والحملات التحريضية والكراهيات المتبادلة.‏

حتى على مستوى التكوينات الحزبية ذاتها سيسهل ذلك من رقابة المنتمين لهذه التكوينات ‏من مساءلة القيادات الحزبية الدائمة عن أداءاتها، وهي قيادات أصبحت تشكل إقطاعيات ‏احتكارية صادرت السلطة في القرار الحزبي واحتكرته بأيدي الشلة أو العصبة الصغيرة.‏

أتذكر هنا نقاشاً حول ضرورة تغيير النخب الحزبية الاحتكارية دار قبل الثورة الشعبية ‏بسنوات، وسمعت حينها رأياً سديداً من الصديق والسياسي المثقف عبده سالم، فحواه ومضمونه ‏أن النخب المسيطرة على الأحزاب انعكاس موضوعي للسيطرة والاحتكار السائد على السلطة ‏والنظام السياسي والدولة، وأن انفراجاً في ضفة الحكم نحو التغيير سيؤدي إلى انفراج مماثل ‏في ضفة المعارضة آنذاك .... وها نحن ننتظر الثورة داخل الأحزاب.‏

إذا قلبنا على عجالة الرؤى المقدمة من الأحزاب حول بناء الدولة والقضية الجنوبية تبرز ‏الرؤية التي قدمها الحزب الاشتراكي اليمني كرؤية متكاملة وواضحة واستثنائية، تنعش ‏الصورة الباهية لهذا الحزب العريق في الذاكرة الجمعية لدى أعضائه وأنصاره، واليمنيين ‏عموماً، باعتباره خلاصة الحركة الوطنية اليمنية، ومخزونها الفكري والسياسي المتمثل ‏بغزارة من ارتبطوا به من السياسيين والمثقفين والمفكرين.‏

وتحديداً كانت رؤية الاشتراكي لشكل الدولة وبنيانها الدستوري متطابقة مع المصلحة ‏الوطنية العامة كما يراها أغلبية كبيرة في المزاج العام، إذ حافظت الرؤية على توازنها بين ‏شرطي الحل الجامع المحقق للمصلحة الوطنية العامة، إذ إن المعادلة تكونت هكذا : البحث ‏عن رؤية لبناء الدولة تخلصنا من الهيمنة التاريخية للمركز العصبوي من جهة وتحافظ على ‏الوحدة اليمنية في نفس الوقت.‏

‏ إفراغ موقع الرئيس من تراكماته السلطوية النظرية والتاريخية وخلق الارتباط والانسجام ‏بين جذر السلطة الجديدة بأساسه الوطني المتمثل بمجلس نيابي ينتخب وطنياً بالقائمة النسبية ‏وفي نفس الوقت تأثير الأقاليم في الضلع الآخر للمجلس الوطني « مجلس الشورى والمجلس ‏الأعلى للدولة».‏

في رؤية الاشتراكي تبدو السمة الفيدرالية للأقاليم أقرب إلى فيدرالية بسيطة، والأهم من ذلك ‏أن المشروع أشار إلى فترة فاصلة خمس سنوات مابين الشكل القائم للدولة والشكل الجديد ‏تكون مسافة زمنية لبناء الأسس الجديدة للدولة.‏

‏ وهذه الفترة ذات أهمية استثنائية من أجل تفادي الفخاخ التي يمكن أن يحملها نظام حكم ‏برلماني في بلد خرج لتوه من نظام حكم مستبد، وليس فقط رئاسياً، ذلك أن سمات عدم ‏الاستقرار في ظل نظام حكم برلماني يتسم بتوزع الأصوات وندرة وجود الأغلبية الواضحة ‏لتشكيل الحكومة، سيؤدي إذا ما تضافر مع عوامل عدم الاستقرار في بلد يمر بمرحلة انتقالية ‏كاليمن إلى مخاطر جمة أبرزها ضعف الدولة وربما انهيارها.‏

وتبقى بعض الثغرات في مشروع الاشتراكي منها الإشارة إلى «ممارسة هيئات الأقاليم ‏الأعضاء السيادة على أراضيها ومياهها الإقليمية»، وهي فقرة تبدو مقحمة كونها تتناقض مع ‏السياق الأساسي للمشروع في مجمل أبوابه وفقراته.‏

رؤية الاشتراكي الأخرى للقضية الجنوبية كانت جيدة في مجملها وإن طغت عليها سمات ‏المقال السياسي على الرؤية الحزبية المحددة، غير أنها تبقى الأكثر شمولاً ووضوحاً للقضية ‏الجنوبية من بقية الرؤى بما فيها رؤية فصيل الحراك «مؤتمر شعب الجنوب» الذي تاهت ‏رؤيته في التنقيب عن الهويات في أدغال التاريخ، وذهب لمسايرة المزاج الغاضب في الشارع ‏الجنوبي وأسقف تيار فك الارتباط العالية. ‏

وكان الأجدى أن يترك الحراك المشارك في الحوار الأسقف العالية للحراك الرافض للحوار ‏ويذهب نحو لعب دور حصد نتائج الحراك بالتعاطي مع الحلول الممكنة، ذلك أن المزايدة ‏بالسقف العالي في قاعات موفمبيك سيحجم دوره ويضاعف عوائق مضيه في الحل الذي يلوح ‏في الأفق كلما تقدمنا في الفترة الزمنية المحددة للمؤتمر.‏

الاشتراكي وضع القضية الجنوبية في جذورها الحقيقية التي نتجت عن حرب 94 وما تلاها ‏من سياسات الإقصاء والاجتثاث للاشتراكي والجنوب، ولو قال غير ذلك وذهب للبحث عن ‏الهويات في أدغال ما قبل الوحدة وما قبل الاستقلال وما قبل التاريخ يكون قد أدان تاريخه ‏ومشروعية وجوده.‏

الوقت من ذهب، وهذا يقتضي البحث في تشكيل اللجنة الخاصة بصياغة الدستور من الآن ‏لتبدأ عملها بمواكبة نقاشات الأطراف المعنية في الحوار، واستناداً لتوصياتها النهائية.‏

زر الذهاب إلى الأعلى