أرشيف الرأي

الفدرالية صيغة وحدوية تقدمية وليست منفذ هبوط اضطراري!‏

الفدرالية صيغة وحدوية. والدولة الاتحادية (الفدرالية) هي مخرج عملية وحدوية بين عدة ‏كيانات سياسية مستقلة قائمة ومجسمة على الأرض لا كيانات مستقبلية أفتراضية متخيلة من ‏قبل نخب سياسية. ‏

الدولة الفدرالية تنشأ عن تطلع عدة دول للتوحد والاندماج في كيان واحد، إنها فعل إيجابي ‏يستهدف مصلحة جميع مواطني الكيان الاتحادي الجديد بحيث ينعم كل مواطن بالعيش في كل ‏من: وطن صغير وسعيد (الدولة- الاقليم التي تشكل وجدانه فيها قبل أن تتخلى عن بعض ‏مظاهر السيادة لصالح الدولة الجديدة) ووطن كبير ومهاب وهو الدولة الاتحادية (الفدرالية) ‏التي صار أحد مواطنيها. بالطبيعة وبالتاريخ وبالتنظير السياسي، لا توجد- على الأقل فيما ‏أعرف أنا- دولة بسيطة تحولت إلى دولة فدرالية لأن هذه بالتعريف تعني تلك الدولة التي تنشأ ‏من اتحاد عدة دول (وليس من تفكيك دولة بسيطة). ‏

بعد الحزب الاشتراكي وبعض مكونات الحراك الجنوبي وجماعات من المثقفين والناشطين ‏السياسيين، انضمت أمس الزميلة توكل كرمان إلى قافلة المطالبين بدولة فدرالية لحل الأزمة ‏الوطنية، ما يفيد بأن الفدرالية صارت شعارا جذابا لدى عديدين بصرف النظر عن واقعية هذا ‏الشعار من عدمها. وأعرف حتى الآن أن الفدرالية لدى بعض القوى السياسية والاجتماعية هي ‏‏"منفذ النجاة الاضطراري" من هاجس انفصال الجنوب.. ولذلك يُقال لنمنح الجنوبيين إقليما ‏كي يسقطوا خيار الانفصال (من يمنح من؟). وهي أيضا انفكاك من "مطلع" ومن "الزيود" ‏ومن حاشد وبكيل، ولذلك يقول بعض دعاة الفدرالية: "لننفك عن هؤلاء بالفدرالية، وليكن لهم ‏اقليمهم الخاص ولنا اقليمنا (أو اقاليمنا)، ولنراهن بعد ذلك على امكانية تطورهم من خلال ‏التنافس بين الأقاليم الذي سيحفز الأقاليم المتأخرة (المتخلفة) على اللحاق بالعصر المتجسد في ‏الأقاليم المتقدمة (المتحضرة)". ‏

وفي الحالتين (جنوبا انفصاليا وشمالا قبليا متأخرا ليس جاهزا ولا يظهر الاستعداد للانخراط ‏في دولة عصرية) يتبدى الخيار الفدرالي كحيار هروبي انفكاكي أكثر منه خيارا اتحاديا، إنه ‏زفرة يأس أكثر منه نفحة أمل، وهذا يتسق ومضمون الفقرة الأولى من هذا المنشور. ‏

تقوم الفدرالية اليمنية على حزمة افتراضات ووعود لكأنها فكرة تجريدية. ولسوف يتعين ‏على كل داعية فدرالي (حزبا أو جماعة أو مثقفا أو اكاديميا) أن ينزل الفدرالية من عليائها (بما ‏هي محض شعار يحلق في عالم التجريد) إلى الأرض كيما نرى ماذا لديه من خوارق تعطل ‏العلم والتنظير السياسي والتجارب الماثلة للفدراليات في عالمنا المعاصر، وتسمح بانتقال اليمن ‏بسلاسة ويسر وسلام من كيان واحد إلى كيانات سياسية متعددة داخل دولة فدرالية. ليكن نقاش ‏في التفاصيل قبل أن نقرر الهبوط الاضطراري دون مظلات من منفذ النجاة الوحيد المعروض ‏علينا.‏

‏* من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك. ‏28 أبريل.

زر الذهاب إلى الأعلى