الفدرالية صيغة وحدوية. والدولة الاتحادية (الفدرالية) هي مخرج عملية وحدوية بين عدة كيانات سياسية مستقلة قائمة ومجسمة على الأرض لا كيانات مستقبلية أفتراضية متخيلة من قبل نخب سياسية.
الدولة الفدرالية تنشأ عن تطلع عدة دول للتوحد والاندماج في كيان واحد، إنها فعل إيجابي يستهدف مصلحة جميع مواطني الكيان الاتحادي الجديد بحيث ينعم كل مواطن بالعيش في كل من: وطن صغير وسعيد (الدولة- الاقليم التي تشكل وجدانه فيها قبل أن تتخلى عن بعض مظاهر السيادة لصالح الدولة الجديدة) ووطن كبير ومهاب وهو الدولة الاتحادية (الفدرالية) التي صار أحد مواطنيها. بالطبيعة وبالتاريخ وبالتنظير السياسي، لا توجد- على الأقل فيما أعرف أنا- دولة بسيطة تحولت إلى دولة فدرالية لأن هذه بالتعريف تعني تلك الدولة التي تنشأ من اتحاد عدة دول (وليس من تفكيك دولة بسيطة).
بعد الحزب الاشتراكي وبعض مكونات الحراك الجنوبي وجماعات من المثقفين والناشطين السياسيين، انضمت أمس الزميلة توكل كرمان إلى قافلة المطالبين بدولة فدرالية لحل الأزمة الوطنية، ما يفيد بأن الفدرالية صارت شعارا جذابا لدى عديدين بصرف النظر عن واقعية هذا الشعار من عدمها. وأعرف حتى الآن أن الفدرالية لدى بعض القوى السياسية والاجتماعية هي "منفذ النجاة الاضطراري" من هاجس انفصال الجنوب.. ولذلك يُقال لنمنح الجنوبيين إقليما كي يسقطوا خيار الانفصال (من يمنح من؟). وهي أيضا انفكاك من "مطلع" ومن "الزيود" ومن حاشد وبكيل، ولذلك يقول بعض دعاة الفدرالية: "لننفك عن هؤلاء بالفدرالية، وليكن لهم اقليمهم الخاص ولنا اقليمنا (أو اقاليمنا)، ولنراهن بعد ذلك على امكانية تطورهم من خلال التنافس بين الأقاليم الذي سيحفز الأقاليم المتأخرة (المتخلفة) على اللحاق بالعصر المتجسد في الأقاليم المتقدمة (المتحضرة)".
وفي الحالتين (جنوبا انفصاليا وشمالا قبليا متأخرا ليس جاهزا ولا يظهر الاستعداد للانخراط في دولة عصرية) يتبدى الخيار الفدرالي كحيار هروبي انفكاكي أكثر منه خيارا اتحاديا، إنه زفرة يأس أكثر منه نفحة أمل، وهذا يتسق ومضمون الفقرة الأولى من هذا المنشور.
تقوم الفدرالية اليمنية على حزمة افتراضات ووعود لكأنها فكرة تجريدية. ولسوف يتعين على كل داعية فدرالي (حزبا أو جماعة أو مثقفا أو اكاديميا) أن ينزل الفدرالية من عليائها (بما هي محض شعار يحلق في عالم التجريد) إلى الأرض كيما نرى ماذا لديه من خوارق تعطل العلم والتنظير السياسي والتجارب الماثلة للفدراليات في عالمنا المعاصر، وتسمح بانتقال اليمن بسلاسة ويسر وسلام من كيان واحد إلى كيانات سياسية متعددة داخل دولة فدرالية. ليكن نقاش في التفاصيل قبل أن نقرر الهبوط الاضطراري دون مظلات من منفذ النجاة الوحيد المعروض علينا.
* من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك. 28 أبريل.