أرشيف الرأي

حينما يصبح المثقف تحت التهديد

بما أننا من عشّاق الماضي والباكين على الأطلال والمرددين(قفا نبكِ من ذكرى(أديب) ‏ومنزل)، دعونا نذهب للبلاد الجميلة ونقف على مكانة الأدباء، فقد صار الأديب ذا مكانة عالية ‏في العالم، إلا هنا في اليمن بلد المليون شيخ والمليون عمامة فقد صار ذا مكانة قريبة من ‏الموت .‏

فالأحداث التي تدور في رحاب الجامعات اليمنية والتي تخص العلاقة بين الطالب وأستاذه ‏وبين الأستاذ والمجتمع تنذر بكوارث كبرى وربما مدمرة وقد تقضي على العملية التعليمية ‏والتربوية برمتها في ظل صمت الدولة بل ربما أنها (أي الدولة ممثلة بالتعليم العالي) تشارك ‏الطالب والمجتمع هذه المنهجية القمعية نحو المعلم والأكاديمي والأديب .‏

حينما نعلم أن أكاديميا يُضرب ويعنَّف في جامعة صنعاء من قبل طلابه في ظل تَفَرّج ‏زملائه وصمتهم المطبق وصمت المؤسسة التعليمة وتخاذلها نحو احد أعضاء هيئة التدريس، ‏وحينما نجد التطاول من قبل الطالب ومن قبل أصحاب البيادات الثقيلة، وأصحاب العمائم ‏السوداء والشبلان والبندقية والعقول المتحجرة نحو أكاديمي أو معلم يؤدي رسالته التربوية ‏والاجتماعية فهذا ليس بمقبول أو معقول أن يصير مثل هذا .‏

إننا نراقب ما يحدث لكل أكاديمي ومعلم وأديب ومثقف في اليمن من تهديدات وفصل تعسفي ‏من قبل السلطات القمعية القبلية الموجودة داخل القرية والمدينة أو التي تربعت على السلطة ‏الأكاديمية بعقليتها التقليدية، ونجد أن هذا خطر داهم على مجتمع أعلن ويعلن ويناشد ويتوق ‏لدولة مدنية .لا لا عجب فهو كما يزعم يريدها مدنية بثوب مفصّل عليه فقط .‏

كما نعلم أنه لم ترتبط الكتابة والإبداع مع العنف إلا حينما تكون السلطة القبلية والسياسية ‏غير مستوعبة لقدرة الانسان على الاختلاف والتغيير لما موجود حوله من انساق اجتماعية ‏وثقافية وسياسية، ولان السلطة-بمختلف أنواعها - تعتمد على توجيه الكتابة وجعلها وسيلة أو ‏مؤسسة لخدمتها وخدمة بقائها، وجدت علاقة الكتابة بالترهيب، فصارت تمارس على الأديب ‏والكاتب والمبدع والمثقف كل أنواع التعنيف والترهيب والتهديد، وتساندها القبيلة المنغلقة ‏على ذاتها وعلى العالم، فالكاتب والمفكر والراوئي والمؤرخ وكل من ينتمي إلى نموذج ‏الكتابة والإبداع والنقد للمجتمع وعاداته السائدة، صاروا لقمة سائغة لمجتمع تقليدي لا يعترف ‏بالتغيير والحداثة والتطور إلا بما يفيده في الهنجمة واللعب بالنار، ومجتمعنا اليمني أكبر ‏نموذج لهذه المجتمعات، لقد مارس ومازال يمارس الترهيب على كل قلم وعقل مستنير، ‏والأمثلة كثيرة وأهمها ما حدث للروائي اليمني وجدي الأهدل، وكذلك ما حدث للرواية اليمنية ‏‏(مصحف أحمر) وكاتبها، وخالد سلمان، وصحيفة الأيام .وغيرها.‏

حينما نرجع إلى التاريخ نجد علاقة الكتابة مع العنف لا يمكن ان ينقطع أو يزول مادامت ‏السلطة تتحدد من خلال اتجاهات المصالح والغايات التي في النهاية تتبع اساليب القمع ‏والترهيب والإلغاء بين البشر انفسهم، فتصبح السلطة القبلية والاجتماعية في حقيقتها موجهة ‏لنمط معين دون سواه وهذا ما هو سائد لدينا ضمن طبيعة اقصائية بشكل مطلق وما هو ‏موجود لدينا يحمل الاقصاء والموت المطلق للأديب والمعلم والناقد والمثقف والعالم ‏والأكاديمي.‏

ما حدث للأديب والشاعر والأكاديمي أحمد الطرس العرامي من فصل تعسفي من عمله في ‏جامعة البيضاء أمر غير مقبول إطلاقا، ولا يمكن السكوت عنه، وعلى الأحرار أن يسعوا إلى ‏إيقاف وكبح جُماح هذه التيارات القبلية القادمة إلى الجامعات والتي تمارس ابتزاز الأكاديميين ‏الأحرار،ولا بد من الوقوف بجدية وبحزم أمام العقول القبلية المتحجرة التي تسعى إلى تجفيف ‏منبع الأقلام وطي صفحات الفكر والتنوير والبناء .ونحَّمل الجامعة والدولة والمجتمع في رداع ‏مسؤولية حياته المهنية والجسدية .‏

أحمد الطرس العرامي النموذج الراقي للكتابة والإبداع يواجه مصيرا مجهولا في حياته ‏المهنية والأكاديمية والجسدية، لماذا؟!! لأنه رجل حر وشريف لم يقبل يوما بمدح وثناء ‏المتسلطين، لم يسكت عن غباء العقول المتحجرة !لأنه خرج عن نسق العقل القبلي المتحجر! ‏لماذا؟! لأنه يؤدي عمله بشرف ومهنية عالية! لأنه يعلَّم طلابه أبجديات الكتابة والإبداع،وكشف ‏وفضح الزيف المجتمعي المنغلق على ذاته وعلى العالم في عصر التكنولوجيا والتطور.‏

ماذا عن مكانة الأديب في هذه الأيام؟!! إنه يدفع ضريبة المدنية والحضارة، وقول الحق ‏وفضح النسق القبلي والسياسي المزيف، والذي يحاول جاهداً تحريره وإخراجه من براثن ‏الجهل والتخلف، لدرجة أنه يدفع غالي الأثمان. مع الأسف لا يمرّ يوم إلا ونسمع أو نقرأ في ‏الصحف أو النت عن اعتداء إما بالضرب المبرح أو الشتم النابي أو التهديد بعبارات يتفنن ‏صاحبها في اختيارها، من قِبل بعض العقول المتحجرة، ومع علمي أن الحال سيظل على ما ‏هو عليه وعلى الأديب والكاتب والمعلم أن يسعى جاهدا لتأسيس جمعية مناهضة العنف ضد ‏الأدباء والكتَّاب والمعلمين.‏

إذا استمر هذا النهج اللَّامقبول من قبل المجتمع والسلطات التعليمية والقبلية في ترهيب ‏وتهديد وتخويف وتخوين وتدمير حياة المتعلمين والأدباء والكتاب والأكاديميين،فأنصح معشر ‏الأدباء والكتاب والمعلمين والأكاديميين بالانخراط في دورات تعليم فنون القتال، والتسلح ‏ببعض الأدوات القتالية للدفاع عن أنفسهم في مجتمع لا يعترف إلا بلغة الموت والإرهاب ‏والقتل بدم بارد والتهديد والترهيب، حتى يحكم الله بيننا وبينهم .‏

في الأخير وليعلم القاصي والداني نقول لكل متطاول : كلنا أحمد الطرس العرامي.‏

زر الذهاب إلى الأعلى