آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

تضافر الحقد الطائفي في مجزرة بانياس

بالتزامن مع ارتفاع وتيرة المشاركة في إبادة السوريين من قبل حسن نصر الله وحزبه وقاعدة الشيعة "نظام الملالي في إيران" انتقلت آلة القتل إلى مستوى غير مسبوق من الوحشية التي رأيناها في مشاهد الرعب لضحايا مذبحة "بانياس" الذين استُهدفوا بناءً على الهوية والمذهب، وهي إحدى مدن الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية.

أراد الأسد أن يبدأ حملة تطهير مذهبي لتهيئة المسرح لما يعتقد انه خياره الصفري البديل: إقامة دولة مذهبية على الساحل السوري ، في وقت بدأت فيه النيران بالاقتراب من قصوره المحاصرة وملاذاته السرية في دمشق.

يتحدث نصر الله عن “سوريا “ الخاصة به، سوريا النظام القاتل، دون أن يرف له جفن لمذابح السوريين الذين تقصف أعمارهم بآلة الدولة السورية المختطفة بيد النظام الطائفي ، وبمشاركة واسعة النطاق من مقاتلي حزب نصرالله وإيران.

كلاهما يشددان على عدم السماح بسقوط نظامهم الطائفي الموالي في دمشق.

ويتجاوز ولاياتي كل محذور ويقطع الشك باليقين حين يصرح أن دعم إيران هو الذي منع نظام الأسد من السقوط أمام ثورة الشعب السوري.

ولما لا يقول ذلك وقد سبقه مسؤول إيراني أكبر منه قبل أشهر بقوله: إن سوريا هي المحافظة السابع والثلاثين لإيران.

كانت مشاهد ضحايا مجزرة بانياس صادمة وبشعة. لا وحشية أقصى من هذه التي مسحت أسراً بأكملها من الوجود في موجة قتل جماعي تذكر البشرية كلها والعالم كله الذي يتواطأ الآن بصمته المريب إزاء إبادة السوريين، تذكره بمذابح راوندا والبوسنة والهرسك في عقد التسعينيات من القرن الماضي.

يتوزع مبررو مذابح النظام السوري والمشاركون معه إلى عدة مستويات استناداً إلى الدوافع الغرائزية والاصطفافات المذهبية.

حق الحياة بنظر المتعصبين الشيعة لا ينطبق على كل البشر ، بل على أبناء المذهب والرابطة العصبوية التي تعود بمعتنقيها إلى عصور الهمجية السحيقة ومراحل الجاهلية البائدة.

وفي مؤازرة نظام طائفي علوي يواجه انتفاضة شاملة من شعبه تحتشد كل الروافع الدفاعية ابتداءً من ترسانة إيران وإمكانياتها وميلشيات نصر الله في لبنان، ويتخلل هذا كله ترسانات الأقلام والأبواق التي تبرر وتغطي وتشكك وتعصف الذهنيات لتمويه المجازر وخلط الأوراق واختلاق الأسباب.

وهي في سبيل ذلك ترى كل المنظورات التي تُسَوقْ مجازر الأسد، وتعمي أبصارها وبصائرها عن رؤية المنظور الأكبر في المشهد كله: الشعب السوري ووجوده وثورته وما يتعرض له من مذابح طوال عامين من الثورة التي قابلها النظام وحلفاؤه بالإبادة الجماعية حيث يقترب حصاد الهلال الطائفي الشيعي إلى مائة ألف شهيد سوري.

الصنف الآخر من المساندين للديكتاتور الأسد والمبررين لمجازره هم الهوام البشري الذي ارتبط بالولاء والمساندة للنسخ الأسدية في البلدان العربية التي شهدت ثورات مماثلة. وهؤلاء كائنات مسختها الأنظمة ، ودمرت مخزوناتها القيمية والإنسانية بفعل عمليات الطرق والسحب التي تعرضت لها في سنوات الخدمة أو الموالاة والهتاف بحياة الزعيم الأوحد والقائد الفرد الصمد. وسقوط معبوداتها الصنمية هنا وهناك يؤجج لديها رغبات الانتقام من الربيع العربي كله والأمنيات بفشله.

وتتضافر رغبات هذه الهوام وتلتقي مع جهود بقية النظام الرسمي العربي بممالكه وسلطناته التي تعمل بدأب لتلطيخ النموذج وتعظيم التكاليف حتى لا يفكر العرب بثورة في المستقبل، وفي هذا السياق نجد "الممالك والسلطنات"يتفرجون ببرود على النظام السوري وحلفائه وهم يبيدون الشعب السوري الذي لا يتلقى منهم سوى المساندات الوهمية، وكذلك يسعون بشكل حثيث لإفشال الوضع الجديد في القاهرة وتونس واليمن.

الصنف الثالث من كائنات التبرير لمجازر نظام الأسد ضد شعبه هم فئة من "المثقفين والناشطين المدنيين" يؤمنون بالتحالف مع الأنظمة المستبدة والديكتاتوريات الوراثية بمبرر تحديث المجتمع وعلمنته، وانطلاقاً من عصبوية أيديولوجية لا تقل عن المتطرفين القاعديين وتضاهيهم في تبني الكراهية ورفض الآخر وتبرير تصفيته مع إحجامها عن الفعل الذي يوكل هنا لآلة النظام الرسمية بينما يتولى كهنة الحداثة وكرادلتها و"علمائها" الإفتاء والتبرير والتسويغ.

لا معنى هنا لأي مسوغات تستحضر القاعدة والتكفيريين وتعمى عن رؤية متن القضية وجوهرها كثورة شعبية ونظام طائفي لديه مقدرات وبنية دولة يستخدما لإحراق البلد وهدم المعبد على من فيه.

قبلهم استحضر القذافي وصالح ومبارك بعبع القاعدة وفزاعة المتطرفين لإرباك الثوار وإقلاق العالم وأمريكا المهجوسة بوسواس الارهاب ، والمستخدمة لعنوانه "المثمر" لتوسيع نفوذها وتمديد هيمنتها.

وفي كل الحالات فشلت الفزاعات لأن أصل الفعل وجوهر المشهد ليس القاعدة والإرهاب حتى وإن حضرا على هوامشه القصية وبعض نقاط أطرافه وهذا أمر متوقع.
فالقاعدة والمتطرفون سيتواجدون في أي منطقة تعيش حالة انفلات أمني غير أن ذلك لا يعني أنهم جوهر الحدث.

كما أن آلاف المقاتلين الذين يستندون إلى التدين والمعتقد الديني كملاذ ومخزون تحرري ضد الظلم والقهر والقتل لا يعني أنهم يتماثلون مع بضعة مئات من الجهاديين المتطرفين الذين يعيشون حياتهم كمعركة متواصلة إلى قيام الساعة ضد ما يرونه الكفار، بينما النوع الأول يقاتلون ضد نظام قاتل وظالم.

والاهم من ذلك أن أغلبية المقاتلين ضد نظام الأسد قد انبثقوا عن الثورة كرد فعل على العنف الشامل للنظام وتشكلوا من العسكريين المنشقين عن آلة الأسد والمتطوعين الثوريين.

غير أن عين “الحبيب” كليلة عن رؤية كل مفردات المشهد، وبصيرة وميكروسكوبية في رؤية الذرات القليلة للقاعدة ومجموعاتها التي تضخم وتكبر وتشاهد بعد مضاعفتها بالعدسات التي ترى ما لا تراه العين المجردة من اجل إخفاء ما يراه كل البشر بالعين المجردة واضحاً وحقيقياً: مذابح الأسد وثورة السوريين المستمرة والتي لن تقف حتى تسدل الستار على احد أكثر الأنظمة توحشاً التي عرفتها البشرية وتجاوزتها الامم الحرة منذ زمن بعيد.

ويبقى الموقف الأمريكي والأوروبي المتقاعس والمتواطئ مع مذابح ومجازر أقل ما توصف به أنها جرائم ضد البشرية. هذا الموقف يبدو مفهوماً من أمريكا التي تريد تدمير سوريا وترى في استمرارية المذابح وتدمير الدولة هدفاً ينبغي أن يستمر النظام الأسدي المتوحش في أدائه.

موقف مفهوم من زاوية المصلحة الأمريكية المتطابقة مع مصلحة إسرائيل، غير أنه موقف غريب وعجيب ويدعو إلى الاشمئزاز أخلاقياً وإنسانياً من دولة تدعي أنها منارة الحرية وداعية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى