آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الجنوب عشية الوحدة (2)

أدت الأحداث الدموية المفجعة بين تيارات الحزب المتصارعة في يناير 1986 إلى إزالة القشور التي تخفي الأخطاء والقصور في جنوب الوطن، وأضعفت هيبة الدولة في النفوس، وانكشف المستور عندما سمحت الدولة بهامش من النقد في الصحافة المحلية وخاصة في السنتين الأخيرتين اللتين سبقتا الوحدة.

وفي بطون مجلدات الصحف الرسمية في الجنوب («14 أكتوبر»، و«صوت العمال»، و«الثوري») توجد الأدلة والوثائق على حالة الأوضاع العامة في الجنوب عشية الوحدة.. فكما قلنا خفت القبضة الفولاذية للدولة، وبدأت الصحافة المحلية تنشر شكاوى المواطنين من ممارسات أجهزة الدولة، ومعاناتهم من سياستها، والمشاكل التي يعانون منها في حياتهم اليومية وفي مختلف المجالات. ونظن أن ما نشر في تلك السنوات واحتفظت به صفحات الصحف هو أفضل مؤشر متوفر -باستثناء الشهادات الفردية للمواطنين- على حقيقة الأوضاع السيئة في الدولة التي كان الناس يظنونها خالية من الفوضى والفساد والمحسوبية واضطهاد المواطن.. إلخ ما يريدوننا الآن أن نظن أنه لم يكن معروفا في الجنوب حتى جاء «الشمال والشماليون» بكل سيئاتهم ففرضوه على الجنوبيين والجنوب!

قطعا يصعب نشر كل ما جاء في تلك الصحف.. ونؤمن أن الحديث عنها لم يكن لازما لولا أن البعض يتعمد تزييف وعي الناس، وتزييف الحقائق لتحقيق أغراض سياسية صغيرة، وخدمة لمشاريع سياسية متخلفة، وخدمة لزعامات أكل الدهر عليها وشرب.

دورنا هنا سيكون فقط إيراد نماذج عن الحالة السيئة التي كان الجنوب قد وصل إليها عشية الوحدة.. وهي نماذج مختارة عشوائيا تكفي للتذكير فقط.. فما زال الذين عاشوا تلك السنوات وعانوا منها يتذكرون ما هو أسوأ منها وأشد وأنكر.. وإن كانت المشاكل الحالية غلبت على ذكريات الماضي كما هو معهود في الطبيعة الإنسانية التي تعيش حاضرها لحظة بلحظة وتنسى معاناة الماضي.

مختارات صحفية
(بدون تعليق!)

أولا: «صوت العمال»:
رصد لبعض عناوين التحقيقات الصحفية:
*يناير 1990:
حالة وكالة أنباء عدن:
- إضراب العاملين في وكالة أنباء «عدن» بسبب انهيار الطابق العلوي للوكالة ووصول كامل المبنى إلى حالة يرثى لها من الانهيار.

- نزل الوزير.. وتقرر:
1- نقل الوكالة إلى متحف الآثار في التواهي.
- المتحف بذاته يحتاج إلى ترميم!
· أحمد الحبيشي رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء عدن في حوار مع الثوري 6/1/1990:
- انقطعت صلاتنا بأربع وكالات عالمية كبيرة.
- الحمامات حولّناها إلى مكاتب.
- لا نستقبل سوى وكالة تاس فقط.
- الإرشيف الصحفي في الوكالة هو إرشيف متخلف ومعمول وفق نظام بدائي.
- بثنا يتوقف لأننا نبث بالراديو لاسلكي والآن الوكالات لا تستخدم هذا الأسلوب.
- نحن الوكالة الوحيدة التي لا تملك شبكة راديو للتصوير.

(1/2/1990):
في البريقة هكذا يعيشون.. بقلم: عبد الرحمن أحمد.
- «تستيقظ البريقة باكرا بحركة رشيقة معتادة.. ليتسابق أهلها في مسافات قصيرة للتسوق، وسعيد الحظ منهم من يكون ضمن العشرة الأوائل ويضمن الحصول على اللحم والسمك وأفضل الخضار.. أما البقية فعليهم العوض».
- «لم تدخل الحكومة وخاصة وزارة الإسكان منطقة البريقة من يوم ما خرج الاستعمار يعني منذ 1967.. وحتى الآن لم تعمل الإسكان على رفع شقة واحدة».
-«عدم وجود أستديو تصوير منذ سنين في هذه المنطقة المنسية».
-«في البريقة يوجد تلفون عمومي واحد ووحيد ولا يعمل منذ فترة طويلة.. وعمر طلبات المواطنين لإدخال أجهزة التلفونات يتجاوز السبع سنوات وأكثر».
-«تمردت الأغنام في منطقة البريقة على قرار منع التنقل الحر.. وعادت للتجول في المنطقة بحرية بعد حريق الزريبة».
- «توجد في البريقة بقايا أو أطلال حدائق أطفال لم يلتفت إليها أحد منذ تآكلها بفعل عوامل الزمن والقوارض من البشر».

قرية «أمقليته»..موديا- أبين:
«صدرت أوامر في السبعينات بإدخال التيار الكهربائي لهذه القرية.. وفرض على كل منزل أن يدفع خمسين دينارا فدفعوا.. ولم يُمد التيار! وفي 1980-1985 جاءت تعليمات بدفع خمسين دينارا عن كل منزل لمد التيار ودفع المواطنون ولم يتم مد التيار.. وبعد 13يناير نزل البيض لافتتاح مشروع فتاح الكهربائي وزار القرية واستغرب أنها بدون كهرباء وأعطى تعليمات بمد التيار إليها.. ولم يحدث.. ومنذ فترة فوجئنا بالمسؤولين يطلبون من المواطنين دفع 50 دينارا حق التيار و31 دينارا رسوم العداد.. حتى يمد التيار إلى القرية».

(سالم عبد الله القاضي- عمر محمد الرماني - سالم علي محمد)
عيادة دار سعد:
«منذ فترة انهار آخر جدران هذه العيادة مما أدى إلى انسداد المجاري التابعة للمساكن المجاورة للعيادة.. فصارت مستودعا للروائح الكريهة والذباب والحشرات. وكأنها مستنقع.. وها هو الجدار الآخر المطل على الطريق الرئيسي في طريقه للانهيار!».

عبده عبد الله علوي - عدن.

بيوت بلا سقف:
«أصبحت هذه الظاهرة منتشرة في كل أنحاء البلاد.. والسبب انعدام الخشب والإسمنت.. ولكن لا يوجد بيت مسؤول أو قريب مسؤول بدون سقف خاصة الذين بنوا بيوتهم في الآونة الأخيرة!».

ملازم: منصر مثنى سعيد.
إصرار على عدم تنفيذ القانون من حماة القانون
ملخص شكوى: «المواطن قاسم العوذلي صدر له حكم قبل سبع شهور ولا يزال ينتظر التنفيذ.. والسبب أن الشرطة في مركز الحصين بالضالع تنتظر التعليمات من قائد أمن المديرية بالتنفيذ، وهؤلاء كما يبدو لا يرون مبررا للتنفيذ فقد اعتادوا على أن يتقاتل المواطنون فيما بينهم بدلا من تنفيذهم للقانون».

شكاوى طلاب المعاهد:
- طلاب المعهد التقني الصناعي يشكون صعوبة المناهج وكثافتها، والمعاملة التي تتسم بالقسوة والعنف من المدرسين.
- طلاب المعهد الصحي -لحج- يشكون سوء التغذية، ونقص الكمية المحددة للطالب وتحكم الطباخين بها.
- طلاب معهد التدريب المهني بالمنصورة: يشكون من سوء التغذية، وغياب الإشراف الصحي والإداري في المطابخ، ووضعية الحمامات القذرة وانفجار البلاليع.. يستلمون ثلاثة دنانير إعانة مع أن المدير قال لهم إنها خمسة دنانير!

*****

شكوى ضد استعلامات الداخلية:
- ملخص شكوى المواطن سليمان عبد الله سالم- أبين: قدم قضيته إلى وزير الداخلية، أُحيلت إلى دائرة الكادر - رسالة إلى قسم الإحصاء- استمارة للتعبئة - سلمت للإحصاء - رسالة للمباحث المركزية قالوا: عُد بعد أسبوع.. عاد، قالوا: عُد بعد أسبوع.. قالوا: عُد بعد أسبوع.. قالوا: عُد بداية العام القادم.. عاد فرفضوا وأنكروا ما قالوه له... وحتى الآن ما زال في حيرة!.
*****
هموم طلابنا في بلغاريا:
- تخلف المنهج الدراسي المحلي عن مواكبة المناهج العلمية في بلغاريا.
- عدم وجود المدرس المؤهل لتدريس المنهج الحديث.
- الابتعاث في تخصصات غير موجودة في اليمن (هندسة أنهار- هندسة سكك حديد).
- الموقف السلبي للسفارة وعدم حل مشاكل الطلاب.
- علاقة المجلس الطلابي سلبية ورديئة مع الطلاب.
- عدم كفاية المنحة المالية المخصصة للطلاب (20 دولاراً).

*****
خصم أثمان مجلات على الموظفين قسراً:
- 75 فلساً على موظفي أبين مقابل مجلة الجديد منذ خمس سنوات.
- في لحج: خصم 100 فلس شهريا مقابل مجلة «إلى الأمام» منذ ست سنوات.. الغريب أن المجلة متوقف منذ 1985. ومازال الخصم مستمرا على الموظفين!
علي محمد حسين
*****
شكاوى مواطنين
«من ينقذ الأشجار من العمليات التعسفية والإعدامات الجماعية التي تتعرض لها في الأرياف لاستخدامها حطباً للنار.. ومن ينقذ النحل من الموت بسبب رش المزارعين المبيدات السامة في الزراعة».
*****
-«مازلنا في انتظار الحل من دائرة رعاية أسر الشهداء ومناضلي حرب التحرير.. للمناضلين الذين لم يتم تقديم أي مساعدة لهم من الدائرة ولم يكرموا وخاصة أبناء جبهة عدن (!).. أم أننا سنظل ننظر إلى الأمر بنظرة: منطقة كذا.. ومحافظة كذا».
عابد علي محمد- عدن
- متى يتم بناء الوحدة الصحية الخاصة بحيد ردفان والتي وُعد السكان بها منذ فترة؟
*****
- يشكو مواطنو قرية المريال لودر من عدم وصول التيار الكهربائي إلى قريتهم رغم أنهم دفعوا المبالغ المطلوبة 50 ديناراً عن كل عقد!
محمد عبد الله حنشل
*****
أين الإصلاح؟
مقال بقلم: محمد قاسم نعمان
«قال لي مواطن إنه أوقف عن العمل قسرا، وأوقف راتبه لفترة شهور تقترب من العام ولم يجد حلا لمشكلته، رغم أنه يمتلك الحق وبحوزته توصيات مسؤولين ومع ذلك لم يستطع معالجة قضيته لأن المعني بأمر التنفيذ يصر على رأيه بالرفض!
وآخر يُفصل من عمله ويوقف راتبه ولم يجد من يستمع القضية لمعالجتها وظل شهوراً يعاني من الجوع مع أطفاله!
وأكثر من شخص يثير قضية د.فاروق حمزة (مهندس طيار) الذي يتسلم إعانة رمزية وهو في منزله ولم تستطع كل الجهات المسؤولة معالجة قضيته رغم مرور أكثر من عامين.
وجاء آخر يثير قضية مهندس طيار آخر فصل من القوى الجوية واسمه أبو بكر أحمد وأوقف راتبه وظل وأطفاله بدون راتب وبدون عمل.
كما أن هناك قضية سبق أن تناولتها قبل أسبوعين في نفس هذه الزاوية وهي ما يتعلق بالأراضي حيث طالبت بإعادة النظر بقرار صرف الأراضي بطريقة المزاد العلني وصرفها لمن يحتاج من العمال والموظفين وأصحاب الدخل المحدود.. ما يدور أمامنا اليوم وما يثار حوله الجدل إن الأراضي توزع لمن يدفع أكثر».
*****

«قام أحد الموظفين في وزارة الثقافة والإعلام (8/1989) بالإبلاغ عن حادث فقدان دفتر كوبونات بترول يحوي (26 ورقة) تسدد قيمتها بالأجل بعد صرفها.. تم إبلاغ شرطة التواهي بالأمر وبدأت إجراءاتها باحتجاز الموظف المبلغ لمدة 13 يوما.. منعت عنه أية زيارة خلال الاحتجاز.. تم تفتيش منزله وأخذ بصماته.. احتجز الموظف بعد إطلاقه يوما كاملا..».

صوت العمال..8/2/ 1990:
عمال المصافي يضربون مرة أخرى

حوار مع صالح بن حسينون:
- المصفاة تعمل بنسبة 40% من طاقتها.
- كثير من العمال وخاصة الجدد.. يعانون من عدم وجود مساكن وعدم استيعابهم في الهيكل الجديد

*****

واقعة غير إنسانية:
بقلم: محمد قاسم نعمان
«حجز امرأة وطفلتها الصغيرة (4 سنوات) في شرطة الشيخ عثمان بسبب خلافات مع الجيران.. فشلت محاولات إخراجها لأنه لم يمكن التواصل مع ممثل الادعاء لعدم وجود تلفون في منزله».
*****

15/2/1990:
الإضرابات تجتاح عدن:
1- الهيئة العامة للقوى الكهربائية:
«لا توجد علاوة خطورة ولا تقييم - عمال منذ 15 عاماً ورواتبهم متدنية.. ناقشنا دون فائدة.. كلها مبررات وضياع وقت».
- نعمة عبد الكريم: «أعمل منذ 20 سنة وراتبي ضئيل جدا.. وعلاوة النيابة تمنح بالمزاج - التوظيف في هذا المرفق يتم بالمزاج والوساطة»..
- «المساكن التابعة للهيئة توزع لمن يريدوا»..
2- مطالب العمال في المحطة الكهروحرارية.. (الحسوة):
- تعديل الرواتب - تحسين معيشة العمال- حل مشاكل السكن.. مطالب بالدرجات المستحقة ومنح كل المظلومين درجاتهم.. علاوة الغذاء أثناء العمل الإضافي.
- الملابس الوقائية الصالحة لقسم اللحام.

3- دار الهمداني:
- العمال محرومون من الميزات الأساسية التي تمنح للفنيين فقط.. الهياكل لم تشمل العمال مثل عمال النظافة - المحاسبين - الحرس - السواقين والكتبة والمشرفين..
- الوزير أعفى المسؤول الأمني في الدار فهتف العمال«لا شللية لا قبلية كلنا طبقة عمالية».
- اللجنة النقابية العامة منذ انتخابها لم تجتمع بنا ولا اجتماع موسع واحد..
- جرى تزوير في الدار وأحضرت الوثائق التي تدين الناس الذين زوروا وسحبت القضية من الادعاء العام.
- النساء مظلومات في الدار.. الاحترام هنا للرجل فقط له المسؤوليات..
4- مطالب العمال في وزارة الإسكان:
- إعادة النظر في الأجور.
- التقييم الشامل لكل العمال والمهندسين.
- علاوة الخطورة.
- تقديم وجبات للعمال (اللبن).
- المساكن.
5- المؤسسة المحلية للبناء:
- عاملة تشكو: رئيسة قسم لكنها محرومة من الدرجة لأنها محجوزة لسكرتير المدير العام.
- لا يوجد هيكل للإداريين.
- حالة المبنى: نعمل في مبنى مع الفئران حتى الطلاء غير متوفر.
- الحوافز تصرف للناس من خارج المؤسسة.
- السيارة حق المؤسسة تروح مشاوير خاصة في الأرياف في طور الباحة ويافع وكل مناطق الريف وتصطدم بدون محاسبة والنساء يعانون من المواصلات.
6- مطالب عمال مصنع الغزل والنسيج:
- رفع المستوى المعيشي للعاملين.
- تحسين آلات المؤسسة.
- عدم إقفال البوابة على المتأخرين ويستقطع الوقت الغائب.
- إعادة تعيين رؤساء الأقسام ومسؤولي الشعب على أساس اختيار الكفاءات والمؤهلات العلمية وليس على أساس الانتماء السياسي والتأطير الحزبي.. بعض المرؤوسين يحملون مؤهلات علمية أعلى من الرؤساء.
- استخدام سيارات المؤسسة للأغراض الشخصية.. سيارة مشروع التطوير بحوزة سكرتير المنظمة القاعدية للحزب دائما.
- وجوب احترام التقارير الصحية.
- علاوات الخطورة
- صرف رواتب لموظفين معارين لمنظمات جماهيرية.
- توزيع اللبن على الجميع.

مواضيع متعلقة:
الجنوب عشية الوحدة (1)

زر الذهاب إلى الأعلى