كلما اقتربنا من فبراير 2014 تنوعت الاختلالات الأمنية وعاد الخطر من جديد كأننا في بداية المرحلة الانتقالية.. افتتح هذا الأسبوع بسقوط ثالث طائرة سوخواي ، غير أنها كانت الأولى في فك طلاسم لغز سقوط الطائرات فوق العاصمة صنعاء.
كان بيان القوات الجوية واضحاً هذه المرة إذ ربط بين سقوط الطائرات ومواقف أفراد وضباط الجوية المساند للثورة الشبابية السلمية.. البيان والتصريحات المنسوبة للجهة المعنية أكدت ان سقوط الطائرات جزء من استهداف واضح وممنهج للقوات الجوية والدفاع الجوي لتصفية كوادرها وتدمير معداتها.
الواضح انه كلما اختلف الرئيس والسلطة الانتقالية مع المراكز المعيقة وتصادمت مصلحة البلد مع طرف من هذه الأطراف عادت العبوات الناسفة وسقوط الطائرات وقطع الكهرباء وأنبوب النفط والتقطعات والمسلحين في المدن وغيرها من مظاهر الانفلات الامني الممنهج.
العبوات الناسفة كانت إضافة إبداعية ضمن منهج التدمير وإشاعة الفوضى ، غير أنها أخفقت في تحقيق أهدافها مع إبطال مفعولها في كهرباء تعز وحقل صافر النفطي وشارع الستين.
الاختطافات ايضاً بند أساسي في برنامج العرقلة والتدمير الممنهج إذ اختطف ثلاثة سويسريون عشية إطلاق المختطف النمساوي دومينيك والفنلنديين.
وزير الداخلية يبدو روتينيا وسافئاً ، وحتى لو احترقت اليمن بمن فيها فلن يكون ذلك كافيا لانفعال الوزير المتجمد الشمالي.
الرجل روتيني وسقفه الأعلى كان ادارة الانتربول الدولي ، وما يبدو على وجهه من علامات امتعاض ليس سببها غضبه من حالة الانفلات الامني ، بل من إقلاقها لسكينته ، وضيقه من الضغوط النفسية التي تلح عليه بتحمل مسؤوليته إزاء أرواح اليمنيين التي اؤتمن عليها باعتباره المسؤول الأول عن الأمن في اليمن.
الانفلات الامني الممنهج الذي شمل مؤخراً محافظات تعز وإب ومارب وتنوع بين انتشار المسلحين والاحترابات وتمرد المعسكرات واحتجاز قاطرات النفط وسقوط الطائرات في العاصمة والاختطافات والعبوات الناسفة يستثمر فراغا صنعه ضعف الحكومة وتحديدا موات وغفلة وزارة الداخلية ووزيرها السافئ.
ويبقى دور مؤسسة الجيش ملحاً ومطلوبا ، فكل المناطق العسكرية لها دور في الحفاظ على الكيان اليمني آمنا مستقرا، وليس أكثر من هذه الظروف مدعاة لممارسة الدور وحفظ الأمن حيث ان الوضع استثنائي ولا مجال فيه للاسترخاء والتنصل عن المسؤولية.
في مأرب مثلا وصل الحال إلى مستوى متدني من الاختلالات والتمردات تؤثر على كل الوضع اليمني ومع ذلك لم تستفز قيادة المنطقة العسكرية وبدت مشلولة عاجزة عن اي رد فعل لما يحدث هناك.
وحدها المنطقة العسكرية الثانية " الجنوبية " كان لها رد فعل مختلف ومنسجم مع حساسية المرحلة وطبيعة الاختلالات الامنية الممنهجة والاستثنائية ، حيث تعاملت مع اغتيال ثلاثة من أكفأ الطيارين بحزم وتمكنت من اعتقال احد المنفذين " مالك الدراجة النارية " التي نفذت الجريمة القذرة.
لقد اختلفت أشكال العرقلة وأصبحت أكثر احترافية ، وتحتاج إلى رد فعل مختلف وغير اعتيادي. مالم سنجد انفسنا وجها لوجه مع نفس الوضع ونفس الأسماء ونفس مراكز القوى التي تحملنا كل هذه الأوضاع طوال الثلاث سنوات الفائتة من اجل تجاوزها.
****
هاني الأغبري
مابين هاني الأغبري وصائدي السوخواي مسافة شاسعة هي نفس البعد الفاصل بين الآدمية وسلوك الضباع.
في البرهة الفاصلة بين الحياة والموت كان الطيار المتميز إنسانا شهما وفدائيا ينتمي لكل اليمن.
على حافة الموت لم يخطر في ذهن هاني أبناءه الثلاثة بل السكان المحتمل ان تهوي الطائرة فوق رؤوسهم وحياتهم وأسرهم.
في لحظات المصير الأخير بعد إصابة الطائرة تكلم الرجل النبيل مع برج المراقبة ؛ قال لهم بأن إضاءة لمبة الخطر تنبئ بحدوث خلل وان ماساً كهربائيا أدى إلى حريق قرب خزان الوقود ، وأبلغهم بأنه سيضطر للإمساك بعصا القيادة وعدم إطلاق القاذف كي يهبط بالطائرة في مكان خال من السكان.
ضحى هاني الأغبري بنفسه من أجل إنقاذ حياة سكان مدنيين كانوا سيقعون ضحايا لسقوط الطائرة.
" هم " لا يأبهون إن دمر اليمن بمن فيه طالما لا يجلسون على كراسي السلطة ، وهاني الأغبري يقرر الموت من أجل سكان مجهولين لا يعرفهم ولن يكون حتى سبباً في موتهم لو قرر أن يطلق القاذف وينجو بحياته.
"هم " يتوقون لإطباق السماء فوق الأرض في بلد قذف بهم إلى المزبلة ولم يعودوا في واجهته ، وهو الطيار اليمني ابن ماوية الأصيل يعيد لنا ثقتنا بأنفسنا وان بيننا بشر يأبهون للآخرين.
هاني الأغبري استشهد من أجل اليمن يا رئيس الجمهورية اليمنية.
والتعزية باستشهاده وتمجيده ورعاية أبناءه ليست منة أو صدقة بل واجب اليمن ودولتها واستحقاق ينبغي أن يتم بهدوء ودونما كلام أو ضجيج فارغ.