أرشيف الرأي

دول الجوار العربي والهلالان الشيعي والسني!‏

قبل نحو عقد من الزمن حذر العاهل الأردني الملك عبدا لله الثاني من خطورة الهلال الشيعي ‏على بلاده ، وتعود بنا هذه الخاطرة بعد زيارة لوزيري خارجية إيران وتركيا للأردن مؤخرا ‏فغدت عاصمته محوراً للاتصالات الإقليمية والدولية..‏

وقُدِر لهذا البلد الفقيرأن يحُضى بأهمية وحضورا رغم قلة موارده بعبقرية المكان لكونه وسط ‏عواصف الشرق الأوسط فجواره العراق وسوريا اللتان تغليان جراء غياب الديمقراطية ‏الحقيقية والطائفية المقيتة التي تُغذى بأطماع وطموحات بلدان الجوار العربي ، ومن جهة ‏الغرب القضية المزمنة وطموحات إسرائيل المتكررة بطرح فكرة الوطن البديل ، وهو بين ‏تلك الضغوطات يقع أيضا قطبي رحى التناقضات والصراعات في جواره وبين هلالين شيعي ‏وسني فنار الطائفية في بلدان الهلال الخصيب من عاصمة العباسيين إلى حاضرة الأمويين ‏تتطاير شرارته لتطرق ابواب البطن الرخوة في الجزيرة العربية ... البحرين وشرق السعودية ‏وشمال اليمن .‏

‏ ورغم ان اليمن بدأ بمعالجة هذه القضية بمسؤولية ولكنه أتى على ركام تركة ثقيلة للتعامل ‏مع هذا الملف قسراً بدلا من التعامل معه منذ نحو عقد بواقعية مفترضة مع الإطراف الداخلية ‏المحسوبة على إيران ولم يحاول احتواء طموحات وحسابات إيران المعروفة وتحجيم دور ‏إيران التي فرضت نفسها على الملعب الإقليمي بشراسة ، ففي أبجديات العلاقات الدولية ليس ‏هناك ثوابت صارمة فالسياسة هي تليين المستحيل واللعب على كل الأوراق فوق رقعة ‏الشطرنج ، فليس من الحكمة التقوقع والتوجْسِ من الخصم ودس الرؤُس في الرمال .. والتهديد ‏من وقت لآخر بطرد السفير الإيراني من عواصم عربية ، ومن معايشتي وكتاباتي عن الحرب ‏العراقية الإيرانية منذ اندلاعها مطلع الثمانينات فقد كان كِلا البلدين يحتفظان بسفرائهما بكامل ‏طاقم السفارتين في بغداد وطهران بينما الحرب تدور رحاها في جبهات القتال ، لإدراك طرفي ‏النزاع بأن بقاء العلاقات أفضل لهما من قطعها !‏

وهذه حكمة تحسب للطرفين فمن الحماقة صب غضب أي طرف على مبعوثي الطرف ‏الأخر فهو في نهاية الأمر مجرد رسول دبلوماسي ووسيلة لاحتواء تلك الصراعات ، فنهاية ‏أي خلاف بين دولتين هو التفاهم أو الجلوس على طاولة الحوار ، وكان على اليمن وبلدان ‏الخليج ان تنفتح على إيران مع التحفظ والتوجس فهذا لا يتعارض مع ذاك . وعموما فأن ‏التعامل مع قضية ما عرف بالحوثيين في اليمن التي هى خطاء من إلفها إلى يائِها ، فقد كان ‏من السهولة بمكان احتوائها في بدايتها قبل ان تتورط حماقة النظام السابق في حروب عبثية ، ‏وهاهم ممثليهم ألان يشاركون كغيرهم في حوار الطيف السياسي في اليمن .‏

بينما تظل المناطق الشيعية في شرق السعودية والبحرين والكويت مؤجلة لبعض الوقت ، ‏وقد تهدءا حينا وتشتعل حيناً آخر.! وجوهر الخلافات اليوم في جُل بلدان المشرق العربي هى ‏الطائِفية .‏

فالنموذجان الإيراني الشيعي الثيوقراطي ، والتركي السني الليبرالي، في اكثر من منطقة ‏وليس مقصوراً على مشرقنا العربي ، فمنذ نحو عقدان من الزمن ينتقلان بظلاله خلافاتهما ‏أيضا في آسيا الوسطى في بلدان الاوزبك والطاجيك والتُركمان والأذريين والتتار وغيرها .. ‏تلك البلدان التي خرجت من رحم الاتحاد السوفيتي السابق وهى بلدان (خام) تبحث عن استعادة ‏هويتها الإسلامية والقومية فلجأت حسب الاصطفاف القومي والمذهبي أما لإيران أو لتركيا ‏وبين البلدين تنافس محموم في تلك المنطقة من العالم وليس مقصوراً على المشرق العربي ‏فحسب كما يُعتقد!‏

والراصد للتحولات السياسية في المشرق العربي بعد الحرب الباردة ، وانتهاء الصراع ‏الأيدلوجي بين المعسكرين الشرقي والغربي ليتحول في قلب الشرق الأوسط وتحت العباية ‏المذهبية ، ومن الخطأ الاعتقاد بأن هموم المشرق العربي عموما وما يعرف ببلدان الهلال ‏الخصيب بأنهما نتيجة بضع سنوات فحسب فهى بداهة ليست بآنية وتعود الخلافات المذهبية ‏بجذورها إلى الصراع بين الصفويين والعثمانيين الذي أمتد على رقعة اقاليم من ‏الامبراطوريتين من خراسان وإطراف بلاد السند شرقا بالنسبة لفارس و إلى المغرب العربي ‏التي كانت من حصة العثمانيين وشمالا من أطراف بلاد المجر وبلغراد شمالا وحتى اليمن ‏جنوباً، وبعد تركيا العثمانية إلى تركيا الحديثة وتحويل بوصلتها غرباً إلا انها أيضا وخلال ‏ثمانية عقود كانت شوكة في خاصرة الأمة العربية وهى من أوائل البلدان الإسلامية التي ‏اعترفت بالكيان الصهيوني وحتى ألان رغم سياسة اوردغان وحزب (العدالة والتنمية) إلا انها ‏اليوم على الأقل أفضل نسبيا مما كان ، وهو الأمر نفسه لدى القوة الأخرى في الشرق الأوسط ‏، فإيران ومنذ عهد الصفويين أصبح التشيع هو مذهب الدولة للشاه عباس الصفوي وحينها برز ‏تيار الشعوبية ضد ماهو عربي وتعصبت للمذهب الشيعي وكانت عائقا لوحدة إسلامية وامتداد ‏عثماني للقارة الهندية ، كما انها في عهد الشاه ناصبت البلدان العربية العداء ومنها اليمن في ‏ستينيات القرن الماضي ، وكانت عضو فعال في حلف بغداد ، وفي الثورة الاسلامية حرصت ‏إيران على تصدير ثورتها وصرح حينها الإمام الخميني بأنه سوف يصلي في القدس ولكنه ‏سيتوضأ في كربلاء!‏

ويتكرر المشهد اليوم وبصورة أكثر حِدِّة وبين أطراف يقعان في أجزاء المُجزأ وقد يصبح ‏مستقبلاً في مكونات أصغر فلربما آلت الأحداث لتقسم سوريا لدول الطوائف وهو الأمر نفسه ‏في العراق بدستورها المسخ المكتوب بإيحاء المحتل وهو من شرع ذلك فلكل محافظة أو اكثر ‏حق تشكيل اقليم مستقل ، فالعراق في ربيعه الساخن تجاوز رقة النيروز الفارسي بدماء ‏‏(الحويجة) المسفوكة بحراب المالكي ، ودماء كركوك تحت تهديدات (البشمرجه) الكردية.‏

بينما في سوريا لازال الموقف أكثر غموضا فلن يصلوا لما وصله العراق من ذروة الفوضى ‏الخلاقة إلا بعد عقد من الزمان! ، فعند سقوط بغداد المدوي في التاسع من ابريل قبل نحو عقد ‏من الزمن .. كان البسطاء من العراقيين والعرب وأنا منهم نعتقد بأنه نهاية حقبة وبداية حقبة ‏فإذا به فصل آخر من الدموع والآهات جسدت مأساة كربلاء مجددا مع حداثة وهمية لأبناء ‏الرافدين ، ويفترض من أبناء الشام أن يستفيدون من دروس العراق التي اولها أن إذكاء هذا ‏الصراع هو بإيعاز إقليمي ودولي ابتداء من حوزة قم وانتهاء بقبة الكرملين ،مرورا بعواصم ‏الخليج ، وكذلك الحال من إملاءات العثمانيين الجدد وحتى أروقة ودهاليز الأطلسي في ‏بروكسل والبيت الأبيض الذي لا ينفع في يومهم الأسود!‏

تقتضي المرحلة لما يجري في المشرق العربي ان تعمل هذه البلدان بتعاون وحسن نية في ‏المجالات السياسية والإعلامية والثقافية لكبح جِماح مفاهيم عقيمة ، ولابد من دور فعال لنخبة ‏العقلاء المثقفين والعلماء من رجال الدين المعتدلين بتوعية الرأي العام وليس لإذكاء تلك ‏الصراعات فعالمنا العربي بأعلامه المرئي اما بين قنوات التسلية أو الإخبارية المؤدلجة أو ‏الدينية المسيسة ، ومن النادر توفر تلك القنوات الهادفة من هذه التصنيفات الثلاث ، هذا فضلا ‏بأن العرب للأسف سخروا التقنية الحديثة في وسائل الاتصالات والانترنت لاعتبارات سياسية ‏ضيقة الأفق وتحيّزات مذّهبية مُقيتة .‏

كان الكثير من ابناء المشرق العربي متحمسين للجهاد في أفغانستان بتأييد غربي مطلق ، ‏تزامن ذلك بحرب ضروس بين اكبر قوتين إسلاميتين غير منحازتين للشرق والغرب بمفهوم ‏سنوات الحرب الباردة استمرت ثمان سنوات عجاف وتعتبر أطول حرب في التاريخ الحديث ‏بين دولتين مستقلتين وما ان وضعت الحرب أوزارها بنهاية الحرب الباردة حتى ولجت ‏المنطقة لحقبة جديدة من الصراعات المذهبية المُقيته غدا الصراع مذهبي بامتياز للأسف ‏واصبحنا وقودها وغدت اليمن وبلاد الشام والعراق بدلا عن أفغانستان متزامنا ذلك بانتهاء ‏الحرب العبثية بين العراق وإيران وبعدها ، طفح على السطح ملامح الصراع الذي أشعلته هذه ‏الحرب بين العرب والفرس أو بين السنة والشيعة، وهو أمر أسهمت في تغذيته أدبيات ‏الطرفين، ومحاكاة الإعلام العربي لأعدائهم بقصد أو دون قصد ، فعملت على زيادته القوى ‏الغربية بزعامة أمريكا وبالطبع الكيان الصهيوني.بينما ركّزّ الإعلام العربي على الصراع ‏المحموم الذي غدا التشيع محورا له في بلدان الهلال الخصيب أي العراق وبلدان الشام .‏

زر الذهاب إلى الأعلى