آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

السوريون وجحيم النظام الطائفي

يتعدى الحدث السوري كل معقول. يفقدك القدرة على الكتابة وتفلت من بين أصابعك كل ‏ممكنات التعبير.‏

‏ هل يعقل ان يبقى العالم كله ، أوله وثالثه ، متحضريه ومتخلفيه ؛ يتفرجون على ذبح ‏الأطفال واغتصاب النساء وهدم المساكن على رؤوس ساكنيها وقصف المدن والأحياء السكنية ‏عشوائيا فوق المدنيين كإجراء عقابي على كل السكان دون تمييز كونهم تجرأوا ورفعوا ‏أصواتهم مطالبين برحيل الوريث الغاشم لكرسي السلطة الطائفية هناك.‏

‏ تتحول دماء السوريين وأجسادهم الممزقة ومأساة أطفالهم إلى ما يشبه مهرجان فرجة يومية ‏أمام عالم فقد جُل روابطه الإنسانية.‏

تتوسع وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي على المستويين الواقعي والافتراضي فيما ‏تبهُت وتتوارى قيم التضامن الإنساني ، وتتفكك حتى القيم والقواعد الأخلاقية والقانونية التي ‏صاغها البشر في عهود يفترض أنها كانت أكثر همجية وتخلفاً مقارنة بسمات العصر الذي ‏نعيشه الآن ويوصف - زوراً وبهتاناً - بالتحضر والتطور.‏

حتى الحروب المعلنة بين الدول والجيوش سَنت لها الامم أخلاقا وضوابط ؛ لا تقتل أسيرا ، ‏ولا تقصف المدن ، ولا يستهدف المدنيين ، وتجريم قتل الأطفال والنساء ، ولا ولا ولا حتى ‏نصل إلى جذور الأخلاق التي بدأها العرب والمسلمين بتوصية رسولهم وقائدهم لجيوش الفتح ‏ان لا تقطع شجرة!!‏

ماحدث في البوسنة والهرسك أقل بكثير مما يحدث في سوريا الآن فلماذا لم يتحرك الغرب ‏وأمريكا؟!

‏ هل لأن السياسة القذرة وحساباتها تغمض أعين الطبقة السياسية هناك لمقتضيات تدمير ‏ضلع آخر للعرب بعد تكسير عظامهم الذي ابتدأ من العراق في بداية عقد التسعينات من القرن ‏الماضي وأم يتوقف حتى الآن!!‏

نتحدث عن العالم وفضاءاته المفتوحة وليس فقط العرب لان كل سكان الأرض معنيون بما ‏يحدث في سوريا.‏

‏ المجازر والقتل الشامل في دمشق وحلب وحمص وأدلب والرقة وبانياس وكل شبر في ‏سوريا إدانة للبشرية كلها التي تتفرج على مجنون السلطة وبنية نظامه الطائفي الهمجي الغاشم ‏تقصف المدن وتسوي الأحياء السكنية بالأرض وتهدم البيوت فوق ساكنيها.‏

‏****‏
بقي ياسين الحاج صالح نافذة مضيئة على بلده سوريا طوال السنوات الماضية ، واستمر ‏طوال سنوات الثورة وما تلاها من عنف وحرب يكتب من مكان مجهول في سوريا إلى ان ‏توقف نسبيا بداية الشهر الجاري عن كتابة مقاله الأسبوعي في صحيفتي الحياة والنهار مكتفيا ‏بكتابة سير ذاتية للمقاتلين في الميدان بين صفوف الجيش الحر والتواصل عبر صفحته على ‏الفيسبوك. ‏

الأحد الفائت دون ياسين الحاج صالح في صفحته ملخصاً بلوحات عالمية وأشعار متنوعة ‏لمأساة أطفال سوريا التي هي جوهر المأساة السورية: "

‏" هذه رحلة خيالية رمزية إلى الجحيم السوري الذي خلقه النظام السوري للسوريين بمساعدة ‏العالم. ان سكان هذا الجحيم معظمهم من الاطفال، ولهذا فهو جحيم لا يكاد له مثيل. ففي هذه ‏الجهنم يعذب الابرياء، لا اصحاب الخطيئة، لا القتلة، لا السفاحون، لا المجرمون، لا ‏المغتصبون، لا الجيوسياسيون، لا امراء الحرب الاقليميين وحتما ليس مجلس الامن. وجدتني ‏اضطر للاحتماء بجهنم اخرى لكي استطيع خلق هذه االجهنم التي تعكس الجحيم السوري ‏الارضي. وبناء عليه وكما هو متوقع سعيت لنشدان بعض العزاء في صحبة دانتي مؤلف ‏جحيم الكوميديا الإلهية . لدانتي حضور دائم، حتى ولو كان مختفيا في رحلتي هذه، ومملكة ‏العذاب والويل التي خلقها تطل علينا بين الحين والاخر."‏

‏****‏
ثمن الكرسي ثمن فادح ندفعه من دمنا وحياتنا ومستقبلنا ومصير بلداننا في كل موضع من ‏خارطة الثورة العربية. أما إذا كان الكرسي ممزوجاً بالطائفة والمذهب فالفاتورة مائة ألف قتيل ‏في "ضيعة " النظام الطائفي العلوي في سوريا،ومفتوحة على كل الاحتمالات وقابلة للزيادة.‏

أما وقد اكتمل مثلث القبح بالنفوذ الإقليمي فالجحيم يفتح أبوابه أمام الشعب الثائر في سوريا ‏وبدعم ومباركة إيران وفرقتها في لبنان وميليشياتها في اليمن ونظامها العميل في العراق ، ‏وبينهم عصبويون برداءات ثقافية وصحافية وعلمانية ينشطون بدأب للتمويه وخلط الأوراق ‏والتحريض على توسيع الجحيم السوري ليشمل المنطقة العربية كلها ابتدائاً من سوريا مرورا ‏بلبنان والعراق وصولا إلى اليمن. ‏

‏***‏
إضاءة من صفحة ياسين الحاج صالح :‏
لدى الطبيب السبعيني 3 شهادات شكر من حسن نصر الله، ودعوة واحدة لزيارة إيران. كان ‏استضاف 6 أسر من جنوب لبنان في مزرعة له في الغوطة الشرقية في صيف 2006، وداوم ‏حتى بعد بداية الثورة السورية على إرسال 4 ألاف ليرة شهريا لصندوق دعم شهداء حزب الله.‏
لا يحتقر الرجل اليوم أحدا أكثر من حسن نصر الله وحزبه.‏

زر الذهاب إلى الأعلى