- اليمن بلد الحكمة، هكذا قالها الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، وهكذا صارت عنواناً على هذا البلد، وتحية يرددها كل عربي وكل مسلم لدى لقائه بواحد من أبناء بلد الحكمة. ورغم ذلك فما أحوج أبناء هذا البلد الحكيم أن يلتقط الحكمة المناسبة والمفيدة من أي مكان وفي أي زمان، وأن يكون على استعداد لتطبيق ما يراه صالحاً من حكمة الشعوب. وكنت منذ أيام قد قرأت الحكمة الصينية التالية فأيقظت حواسي النائمة وتمنيت أن يتمثّلها شعبنا وقياداتنا، والحكمة هي : "أن الطريق لم يكن له وجود من قبل، لكن الناس حينما ساروا في اتجاه واحد وجِد الطريق!!" وبما أننا في هذه اللحظة الفارقة من زمن التغيير في بلادنا نبحث عن طريق أو بالأصح خارطة طريق فإن المغزى الجليل من هذه الحكمة الصينية يدلنا على البداية الصحيحة ويساعدنا على الخروج السريع من المتاهة الراهنة، انطلاقاً من أن الطريق الذي ينشده الوطن لابد أن يكون عامّاً وواحداً.
قد تكون هناك طرق فرعية تبدأ من الطريق العام وتنتهي إليه، ولكنه بدون وجود هذا الطريق العام والخارطة المشتركة تتبدد القدرات وتتلاشى الطاقات، ويصبح الوصول إلى هدف معين مستحيلاً، ومهما تكن المحاولات المبذولة خارج إطار الطريق العام الذي يجمع حصاد الطاقات المشتركة فإن النتائج تبقى مخيبة للآمال، وذلك ما تؤكده الإحصائيات العالمية. وفي الصين صاحبة الحكمة التي نحن بصدد تفسيرها ما يُعد دليلاً أعظم على نجاح الطريق الواحد. وما كان لبلد يقترب تعداد أبنائه من المليار ونصف المليار أن يعيش ويستقر ويواجه التحديات الداخلية والخارجية لو لم ينجح الشعب الصيني في انتهاج الطريق الواحد العام الذي يحفظ لهذه الملايين وحدتها وكرامتها ومعاشها، ويمكّن الصين من أن تكون في طليعة القوى الكبرى في عالم اليوم.
ولنتصور الصين وقد تفتت واختار أبناؤها السير في طرق شتى، كيف سيكون حالها أو بالأصح حال هذا العدد المهول من أبنائها؟ كم دولة سوف تنشأ من أنقاض الصين الواحدة؟ وكم حروب سوف تخوضها الدويلات المفتتة مع بعضها ومع جيرانها؟ وكم سيكون ذلك التفتت كارثة على العالم الذي يعاني من النزاعات القائمة، ويشكو من عواقب انفراط بعض الدول الصغيرة وجنايتها على نفسها؟ وحقاً ما أحوج أصحاب المشاريع الصغيرة أو بالأصح الأحلام الدكاكينية إلى دراسة واقع الصين وأساليب الإدارة الحكيمة في هذا البلد، ربما يكون ذلك الواقع قادراً على أن يعطيهم درساً في الوطنية فلا يندفعون في السير على الطريق المجهول ويعتقدون في لحظة انفعال أن تفتيت الأوطان أمر سهل وأنه قد يعود عليهم وعلى من يناصرهم بشيء من المصالح المؤقتة، في حين أن المصلحة الصغرى والكبرى في توحيد الصفوف ورفع الظلم واختيار طريق العدل والمساواة.
وإذا كان الطريق الجديد، طريق العدل والمساواة غير واضح المعالم حتى الآن فإن بدء السير فيه يؤكد وجوده ثم يجعل معالمه واضحة أشد الوضوح، وذلك ما أشارت إليه الحكمة الصينية من أن الطريق العام المشترك لم يكن موجوداً إلاَّ بعد أن اختار الناس السير عليه وفي اتجاه واحد، وسيكون من الصعب فقدانه أو تجاوزه بعد أن تتضح معالمه ويكون العدل والمساواة والكرامة جزءاً لا يتجزأ من مكوناته الأساسية وتطبيقاته الواقعية، ولن تتمكن بعض الهنات أو الخروقات المحدودة من طمس معالمه الكبرى أو تشويه منجزاته التي سيتضافر على تحقيقها كل أبناء الوطن على اختلاف رؤاهم وانتماءاتهم، وسيتولى الطريق العام الواحد توحيد مشاعرهم والتخفيف من حدة اختلافاتهم.
الدكتور خالد راجح شيخ في كتابه (دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات) :
هو كتابه الخامس، والدكتور خالد راجح شيخ أستاذ ومفكر اقتصادي وسياسي مرموق، شغل أكثر من منصب رفيع كان آخرها وزيراً للتجارة والاقتصاد وسفيراً ومفوضاً فوق العادة لدى دولة الكويت. والكتاب الذي بين أيدينا على قدر كبير من الأهمية لاسيما في هذه اللحظات من تاريخ التحول في بلادنا، وفيه ما يهم المختصين وغير المختصين، كما يضم خلاصة محاضرات ألقاها الدكتور خالد على طلاب السنة الرابعة في كلية الاقتصاد بجامعة أروى. وتناول فيها كثيراً من القضايا التي تهم الاقتصاديين وغيرهم ممن يهتمون بقضايا التطور الاقتصادي والاجتماعي، ويقع الكتاب في (208) صفحات من القطع الكبير.
تأملات شعرية :
الطريق إلى الله واحدةٌ،
والطريق إلى الشعب واحدةٌ،
والطريق إلى غدنا المتوهج
واحدةٌ،
فلماذا اختفتْ شمسنا
وأضعنا جميع الطرقْ؟!
أهي أطماعنا؟
أم تَبلّدنا؟
أم هو الاختلاف
الذي سدَّ وجهَ الأفقْ؟