قال احمد شوقي في قصيدة له واصفا صاحبة الجلالة الصحافة:
لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف
لعله كان في قرارة نفسه يصف هذه الطاقة الخفية والقوة المشعة لروح الصحافة والتي حازت بجدارة سلطة في اعتقادي اقوى من أخواتها الثلاث وتكمن قوتها شاء الحكام أو ابوا من كونها سلطة مجتمعية شعبية جارفة قادرة على قلب الامور وخلطها وفرزها .
هي دفة القيادة الخفية للمجتمعات المثقفة والجاهلة على السواء فهي تسير العقول وتتلهي بالافئدة .تتطاير اخبارها قراءة ومشافهة وتتحول تدريجيا إلى حقائق مسلم بها دون انتظار لمصدر موثوق أو او مصدر مسئول الاضمائر الكتاب والصحفيين .تبقى ويرحل اصحابها وكتابها وتظل سطورها شاهدا على العصر والبشر واحداثهما .
وصحافتنا اليوم تعيش زمنها الاجمل من حيث انتشارها واختلاف صورها وكثرتها وتعدد اتجاهاتها بين الغث والسمين والنافع والمهين . ولكنها تعيش ايضا زمنها الاسود فسجلها عامر بمرارة السنوات العجاف لنظام اكل الاخضر واليابس وحفر ندوبا عميقة في ذاكرة الكاتب والصحفي اليمني يظل يسكبها على وريقات الصحف ألما واحباطا وجرعا متفاوتة بين اليأس والتفاؤل .
لقد حاولت الصحافة اليمنية الامينة على مصلحة الشعب لفترة من الزمن اضاءة الطريق بفضح الفساد ورتق الجراح وزرع الامل بدلا من غرز الدبابيس في فقاعة الامان الوهمي الا انها مالبثت ان استحالت إلى ثورة تقود الثورة وحاملة لراية جهاد الكلمة الصادقة بعد ان دفعت ضريبة قاسية من الانتهاكات ومصادرة الحريات ومحاربة في الموارد و تقليص النفقات .
وليكون الانفتاح الكبير في إبداء الرأي ونشر الخبر بابا آخر لفساد جديد من نوع قديم لطالما استخدمه ما كان يسمى بالاعلام الرسمي وصحف الحزب الحاكم والآن قنوات تلفزيونية كل هذه تمارس نوع من الدجل والشعوذة الذهنية على القارئ والمشاهد وتقوده برجليه إلى هاوية صراع داخلي بأخبار وفبركات اعلامية مغرضة و مضحكة ومبكية .
فمن كان بالامس يقود حملة العمى والصمم والإقصاء والإلغاء ضد هذا الوطن وابنائه اصبح اليوم يرفع راية التبصير والتنوير والتفقيه بالحقوق والحريات .
وانه لمن المضحك ان يلجاء اعلام وصحافة النظام البائد وحلفاؤه من الانفصاليين والحوثيين إلى تجهير مثالب وعيوب المجتمع والبنى التحتية من طرق وخدمات وصحة وغيرها والتي صنعها النظام العفاشي وافسدها على انها من منجزات الدولة الوليدة ومن ثم التباكي على هذا الشعب المسكين كيف يصبر على حكومة مشلولة نصفيا .
لقد اصبحت الصحافة ونقل الخبر عرضة لتخاريف المنهزمين ومرتعا فسيحا للتأويل والتدليس وكل من امسى على رؤيا اصبح عليها خبرا في صحف المغرضين .
انها حرب ازلية بين النظافة والقذارة ولكن سلاحها من ورق ورماحها كلمات حق .
وهي حرب محتدمة وعلنية بين صاحبة الجلالة وانقلابيين على طهارة المهنة ونزاهتها يأبون الا ان يفسدوا جمال كل شيء و يحولون مسارات الطبيعة بما لا تشتهي النفوس السليمة .
لذا تقود صحافتنا الامينة حربا صامتة وشريفة وثورة تطهيرية تحترم العقول وتنمي القدرات وتشد على ايدي العقلاء حربا عنيفة تسيل خلالها الاحبار لا الدماء مسجلة انتصارات خالدة على زيف الكلمة وتدليس الحقيقة وفضح الموبوئين والمرضى نفسيا .