القفز الأهوج من الحديث عن المهام المطلوب إنجازها فيما تبقى من المرحلة الانتقالية إلى الكلام المرسل على عواهنه عن التمديد يؤدي إلى تشتيت الانتباه عما ينبغي أن يكون وتحويله إلى ما لا ينبغي أن يكون.
حتى التمديد إذا توافق عليه الجميع لن يكون بناءًً على مزاج سياسي لهذا الطرف أو ذاك وإنما كنتيجة لاحقة لإنجاز سابق اقتضى ضمن ما أفرزه من مخرجات وجود فترة زمنية لترجمة ماخرج به الإجماع الوطني الواضح للعيان- وليس المدعى نيابة عن الشعب - إلى أرض الواقع.
الفرق بين التمديد المنطلق من هدف الاستئثار بالسلطة ، والتمديد وفق فترة زمنية لإنجاز مهام وطنية واضحة وغير ملتبسة ومحل إجماع سياسي وشعبي هو الفرق مابين النظام السابق بما يتضمنه من تمديد وتوريث ، والنظام الذي ينبغي أن يبنيه اليمنيون ويكون موضع رقابة شعبية ونابعاً من الإرادة المجتمعية والمصلحة العامة أولاً وأخيراً.
وفي كل الأحوال فإن الهدف هو استكمال التغيير السلمي ، وأن يطوي اليمنيون في 21 فبراير صفحة النظام السابق وأساليبه لا أن يعيدوا إنتاجه بأساليبه ومراكز قواه ومنظومته المتغولة.
كما أن تغيير طبيعة النظام كما يتبين من السياق العام للرؤى المقدمة إلى مؤتمر الحوار يفرغ موقع الرئيس الواحد الأحد المهيمن بسلطانه على كل السلطات ، فما الداعي للضجيج الفارغ من ضفتي أحمد علي وحميد الأحمر أن من حقهما المنافسة على موقع الرئيس .. إلا إذا كان الشابان المتضخمان من حصاد النظام السابق بمرحلتيه الثانية والثالثة يتفقان على إبقاء نفس النظام وأسسه وشكله مع تغيير البيدق الذي يلعب في رقعته الشطرنجية.
وليس بالضرورة أن يكون كل من يرفع شعار لا للتمديد منحازاً للديمقراطية والتغيير ، فمن يرفع الشعار الآن ويستميت على أرض الواقع لعرقلة إنجاز بقية مهام المرحلة الانتقالية لا تعنيه الانتخابات وليس حريصاً عليها ولكن هدفه هو ابتزاز الشعب اليمني أولاً ، والرئيس الانتقالي ثانياً، والحيلولة دون إقرار التوافق الوطني في نهاية المرحلة الانتقالية وتالياً غلق الباب في وجه المرحلة اللاحقة المهيئة لها.
وخيارهم البديل هو رفع شعار لا للتمديد من أجل التمديد بالتفاوض بين الرئيس ومراكز القوى وفي صدارتها الرئيس السابق ومنظومة المصالح المرتبطة به ، وهو مسار نتيجته هي التمديد لحالة عجز الدولة والمحاصصة والهيمنة والاختلالات ، وقطع الطريق على التوافق الوطني والمنظومة الدستورية والقانونية الجديدة.
ومن أجل الضغط لتحقيق هذا الالتفاف على التغيير واستحقاقات المرحلة الانتقالية تقوم قوى العرقلة بتصعيد الاختلالات الأمنية،وأهم تطور في الآونة الأخيرة هو التركيز على الكهرباء التي تصاعدت خبطاتها إلى مستوى ينذر بإعادتنا إلى وضع أسوأ من بداية المرحلة الانتقالية.
على اليمنيين أن يفترضوا أسوأ التوقعات للعرقلة ومحاولات إعادة البلاد إلى نقطة الصفر خلال الأشهر القليلة القادمة من قبل الطرف الذي فقد السلطة أولاً ، ومن يلتقي معه من الأطراف التي لا مصلحة لها في وجود دولة قادرة على فرض سلطتها على كل اليمن أولاً وإنجاز أهداف التغيير التي رفعتها الثورة السلمية.
من هنا كان التركيز على القوات الجوية يحمل في طياته احتمالات عدة أهمها استعداد قوى مصنفة بالعرقلة لحرب قادمة وترى أن تحييد سلاح الجو سيمكنها من القدرة على إدارة معارك لمدى زمني طويل في ظل امتلاكها للمخزونات التسليحية من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ، بعضها من قبل الثورة مثل جماعة الحوثي وبعضها نهبته من مخازن الدولة « علي صالح وأتباعه » بالإضافة إلى ما يشي به مؤشر شحنات الأسلحة المهربة لليمن بشكل منتظم ومتواتر حيث يتم استغلال حالة الانتقال وضعف الدولة عبر تهريب شحنات الأسلحة من الخارج والتزود به من سوق محلية مزدهرة في ظل ضعف الدولة وانخفاض فاعليتها أمام التدمير المنظم الذي قامت به منظومة القوى المتضررة من انهيار نظامها.
بعض القوى لا تجد مصلحتها في بقاء الدولة واستعادتها لعافيتها بل بانهيار الدولة أو على الأقل إضعافها إلى أدنى مستوى ممكن، ذلك أن قوة الدولة وعودة فاعليتها تحديداً يصيب هذه القوى في مقتل ويفشل كل مخططاتها.
ولا مجال أمام هكذا تحديات سوى التسريع أولاً باستكمال بقية برنامج المرحلة وفي مقدمتها هيكلة القوى الأمنية وإجراء تعديل حكومي مستعجل لإصلاح ما خربته المحاصصة والعجز الأمني ، وحل مجلس النواب المتقادم والمزمن ، وهذا بإمكانه أن يهيئ مناخا ملائماً للتوافق الوطني في مؤتمر الحوار. أما انتظار الخارج فلا جدوى منه فلا المساعدات من الدول المانحة وصلت ولا تحرك مجلس الأمن خطوة إلى الأمام تتجاوز التلويح بالعقوبات ... وحدها جرأة الرئيس وإقدامه ستفرض استنفار الداخل والخارج لكنس حطام النظام الذي أهلك الحرث والنسل في اليمن.