[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

‏صعدة.. تراتيب القدر ‏

‏عندما تتعمق في التفكير وسط كم هائل من التناقضات ، تجد نفسك تتخبط في ‏الحيرة وأقرب ‏ إلى الجنون من العقل ، ويصل بك الإبحار في هذا النفق إلى حدود ‏الاعتقاد أن للسماء يد بما ‏يجري هنا من دراما صادمة من يرتب الأقدار في صعدة من ‏يتحكم بالإيقاع ويضبط ‏الزمن؟!!‏الذي يستوقفك لتقصي حقيقة ما يجري مجهولة رغم ظهورها شيئاً فشيئاً .‏

‏ من ‏يدير هذا العمل الخفي واللامرئي؟! ومن الذي يتحكم في دوران صعدة في فلك الأحداث ‏‏المثيرة قولا وفعلا...معنا ودلالة اسما ومكانا.. تتوقف كل الكلمات ‏الحديثة والقديمة، المستهلكة ‏والمتبقية في قواميس ومفردات اللغة عاجزة عن توظيف ‏الأحداث الماثلة أمام عينيك وقد لفها ‏الغموض وبدت غريبة مبهمة لا علاقة لها ببني ‏البشر، ربما يد الله التي لا نراها هي وحدها ‏من تسطر مجريات الأمور وتتخطى إدراك ‏عقولنا وهي تتابع في تناسق عجيب فوق خارطة ‏صعده كجزء من أسرار الغيب،دون ‏أن تخطر في حسبان أحد،بما فيهم الحوثيون أنفسهم. إذ لا ‏يمكن للصدفة وحدها مهما ‏بالغنا أن تلعب هذه الأحداث الذي يتدخل في ترتيبها القدر.‏

‏ قبل بضعة أشهر ونيف تسلمت حركة الحوثي من صنعاء رفاة زعيمها،نبش ‏القبر بعد عقد ‏من الزمن لتبدا رفاة (الشهيد القائد)كما سماه أصحابه، رحلة تستغرق ‏شهرين من التجول في ‏مستشفيات المانيا ريثما تستكمل الحركة وسط مران تجهيزات ‏دفن زعيمها الذي عاد من ‏رحلته الطويلة رفاة إلى غرب صعدة كرماد الموتى الشائع ‏الصيت وسط الأفلام الهندية وفي ‏الوقت الذي كانت تدوي فيه هنا صرخات الموت ‏لأمريكا واللعنة لليهود كانت أيادي النصارى ‏تعبث في رفاة حسين، وتدرك أن ‏شعار الموت ظاهره النصارى وباطنه اليمن ، وبعد شهرين ‏من تسلم الرفاة كان شرق ‏صعدة مع موعد جديد من حكايات القدر التي أربكت صعده مدينة ‏التناقضات الكبرى ‏التي لم تجمهر(من الجمهورية) قط ومازالت إمامية المبدأ حتى هذه ‏اللحظة.. عندما ‏هطلت أمطار غزيرة أخرجت قتلى دماج من مقابرهم،،،وما بين هذا وذاك ‏عجائب ‏سنتطرق لها في حدثين متضادين يسيران وفقآ لقانون نيوتن الفيزيائي الثالث(لكل فعل ‏‏رد فعل...)‏

‏ من غرب صعدة سنبدأ الحكاية
‏ عندما تتسارع الأحداث ويدفعك الفضول نحو المغامرة مسافات طويله، لتحط ‏بك الرحال ‏وسط منطقة تتجاوز لكيلومتر يقال لها الجميمة، حاضنة الحوثي ومسقط ‏رأسه وتعود بك ‏الذاكرة نحو عقد من الزمن وعيناك تمشط المكان الذي بدأت فيه أولى ‏حروب علي عفاش على ‏شمال الوطن وتجد نفسك لأول مرة أمام أصعب سلسلة جبلية ‏شاهدتها في حياتك تعانق السماء ‏وتتساءل: أين ذهب ذلك الجيش الذي قهر هذه الجبال؟ ‏وتدرك والألم يعصر قلبك أن من قدر ‏لهم أن يكونوا وقود الحروب ذنبهم الوحيد أن ‏الأحمر (معاوية) حينذاك كان يترأس الفرقة "وقد ‏شنت السلطات حرب على رجل ‏تتهمه بادعاء النبوة عندما كان يتلقى الوحي الخميني في ‏جرف سلمان لكن هاهنا رغم ‏الحروب الست مازال الوضع كما هو كأن شيئا لم يكن، حيثما ‏تتحرك تستوقفك النقاط ‏التي تقطع الطريق وتتحكم في مداخل كل قريه والشعار مازال هو ‏الشعار، والصرخة ‏تتردد إلى مسامع أذنيك تارة تلو أخرى والمليشيات في كل مكان والأسلحة ‏تتدفق من ‏جديد والناس منهمكون في صنع مزار(قبة)لا نظير لها إلا في كربلاء وتتساءل :من ‏أين ‏أتى هؤلاء وأين كانوا؟وتدرك...أنهم قبلوا بالأسر كي يموت زعيمهم فخرج من بين ‏أيديهم ‏قتيل وعاد اليهم بعد عقد رفاة وحين تظهر أمام عينيك ملامح الحقيقة فستنطقها من ‏دموع ‏التماسيح واستعراضات الرجولة، وتتكرر أمامك الأحداث ولا يجوز لك المقارنة ‏فشتان بين ‏هذا وذاك،عندما أضحى الصليب شعارا لمن قتل المسيح،ودموع شيعة ‏كربلاء وقد قتلوا ‏الحسين حسب شهادة التاريخ الذي يكتبه المنتصر..‏

غير أنني هنا لن ‏أتحدث عن مراسم التشيع وحشودها البشرية وترتيباتها الأمنية التي ‏شوهدت في وسائل ‏الإعلام،ولا عن دلالة الحدث ورسائله السياسية وتوقيته الزمني فما تهمني ‏هنا سوى ‏أمور كان يصنعها القدر في رفاة زعيم لم تشغله السياسة عن نشر فكره الخاطئ ، ‏وأحد ‏شركاء عفاش في لعبة الشطرنج وأشواطها الستة وأن نال مبكرا نصيبه من كأسها ‏‏المرير وقد أضحت حشوده تفرض نفسها في الواقع السياسي ككيان لا يستهان به فوق ‏خارطة ‏وطني الممزق كمولود تعددت أسماؤه ، خرج ذات يوم من رحم لغز حروب ‏صعده(مملكة أية ‏الله الحوثي ) الذي سيظل القدر بطلها الوحيد فترى ما بين حين وآخر ‏أعجوبة من أعاجيبه ‏المذهلة..‏

ففي الوقت الذي كانت الحركة تتغنى في انتصارها المزعوم عبر إخراج رفاة ‏قبر له حرمته ‏التي لا يجوز انتهاكها في كل الشرائع السماوية بدون سبب وجيه سوى ‏تحقيقها لأرباح سياسية ‏تبدوا مقززة أكثر من حقيقة التمجيد الذي ينشدوه ناهيك عن ‏تحويل قبره إلى مزار هو الأول ‏من نوعه في جزيرة العرب،وعلى بعد أميال من أهم ‏رمزين في ديننا الحنيف وثاني طعنة ‏تضرب الإسلام في الصميم، لتكتمل الإهانة من ‏كربلاء الشمال وجميمة الجنوب، وقبر ‏الرسول وبيت الله في الوسط ولكن أي تشريف ‏ناله الحوثي من حركة أسسها حين تستثمر ‏رفاته الباقية كبورصة في سوق السياسة ‏الرخيص لو لم يكن القدر هو من يرتب أحداثها اللافتة ‏للنظر، فيسطر من جديد في ‏تدخله المثير كيف يهان حسين الحوثي على يد أتباعه للمرة الثانية ‏وقد أضحى رفاة حين ‏تم التعزير به وسط تلك الحشود وأمام أنظار العالم وعندما تتقارب ‏الأشياء وتغرق في ‏ذهول المقارنة فترى في الحشود صورة قريبة مماثلة من رصاص الجيش ‏التي كادت ‏تحرق سماء مران لحظة مقتله وحين تتدفق الحشود نحو ميدان الجنازة لكن السماء ‏‏كانت غاضبة أذ تقصف المنطقة منذ الفجر رياح هوجاء تحمل الالف الذرات من ‏الأتربة ‏وتتساءل: من أين جاءت هذه الرياح العاتية اللافحة للوجوه بالغبار وبالحصى ‏مغلقة كل العيون ‏وكأنها تريد إيقاف الحشود وتنكسر الأحزاب ولا خندق هناك ولا ‏رسول ولا تملك إلا أن ‏تقول(علمها عند ربي )؟؟

وتستنتج أن إقامة فعاليات كهذه بند مهم لدى حركة تحافظ على معنويات أتباعها ‏كلما تكبدت ‏الخسائر من باب منع التساقط وتتابع الأحداث لحظة خروج الجثمان محمول ‏على أكتاف جنود ‏تستعرض عسكريا ، وتندهش حينذاك كيف يتدخل القدر وأن بدا لك ‏الأمر طبيعي من غير ‏قصد أو تعمد لكنه الإلهام كيف يوضع جثمان(الشهيد القائد)فوق ‏منصة مرتفعة خلفها تقبع ‏لوحة كبرى مكتوب فيها قاطعوا البضائع الأمريكية ، يمكن ‏العودة اليها من مشاهد البث ‏المباشر حينذاك لتستنتج ما توحي به اليك وما دلالة ذلك لكن ‏الغريب في الأمر ظهور ‏عبدالملك علنا للمرة الأولى كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة متأرجح ‏الخطوات فوق أثاث المنصة ‏صامت يتلفت يمينا ويسار أمام الميك وهو ينظر إلى حشود ‏حجبها عنه غبار الغضب قبل أن ‏يتكلم وسط أحدى معسكرات الجيش الحكومي بمنطقة ‏الطلح(قهرة النص)ساحة الشهيد العميد ‏الركن عمرالعيسي قائد اللواء103مدرع وتنتهي ‏المراسم وينقل الجثمان في موكب طويل...‏

لست أدري ما الذي منع المسيرة من نقل مراسم الدفن الأخيرة في مزار خصص ‏له قرب ‏منزله وسط الجميمة وتتساءل: أين توارت وسائل أعلام الحركة المطبلة في ‏المراسم وقد ‏أنصرف الجميع عقب الصلاة على الرفاة كأن شيء" لم يكن وهل دفن ‏الصندوق أم مازال ‏‏...!!ينتظر مناقصة جديدة.‏

لكن الرحلة لم تنتهي بعد وتقرر العودة إلى شرق صعده عبر قافلة الشغف القاتل ‏كما يبدوا في ‏أخطر رحلة تعرفها عن قرب بحثا عن حل لطلاسم لغز صعده المحيرالتي ‏تزداد غموضا ‏صعبة الأدراك مهما تتذاكى في هذا الزمن فربما تسمع هنا حكاية جديده ‏من حكايات القدر ‏وهاهي دماج مرتع الوهابية واضحة في حركه دؤوبة تبدو كعظم ‏يصعب ابتلاعه في حنجرة ‏السيادة الحوثية لصعدة مالم تخضع لعمليه قيصريه ضئيلة ‏النجاح فتراها ترتدي ثوبا مطرزا ‏أجادت في حياكته الجارة الكبرى في زمن أضحى فيه ‏الإسلام مجرد ثوب يرتدى (الإ من رحم ‏ربي) ودينا لم يعد يفهم معناه سوى تكفيرك ‏الأخرولاتفرق بين هذا وذاك إلا في العقيدة لكن ‏فهمها مغلوط وأن بدت صحيحه ‏تشاهدها هذه الأيام مشغولة تستقبل وفود زائرة ذي مواكب ‏طويله تأتيها من كل مكان ‏من داخل اليمن وخارجه فما كادت تتوقف حركة الحوثيين عن ‏توديع المواكب الزائرة ‏الا وبدت دماج تستقبل الوفود التي تتدفق اليها الأن بشكل لافت للنظر ‏ولدى حركتين ‏متعاكستين قدر لهما أن تكونان في محافظة واحدة..‏

عندما تتعمق في هذه الحشود المتدفقة هذه الأيام إلى دماج والتي تأتي بعد حشد ‏الحوثي ‏الأخير تقرا رسائل عديده أبرزها نحن هنا أننا أكثر منكم لكن الغريب في الأمر ‏أن هذه ‏المواكب تدخل إلى دماج برفقة حمايه من أطقم حوثية أثارت استغراب في ‏صفوف المواطنين ‏غير أن الذاكرة تعيدك للوراء أشهر عديده عندما كانت المنطقة تشهد ‏أمطار غزيره تبدوا لأول ‏مره أخرجت قتلى دماج من مقابرهم بعد أن دفنوا على عجل ‏بمقبره شبه جماعيه العام الماضي ‏أثناء حربهم الأخيرة مع الحوثيين وتتحدث عنهم ‏صعده بأكملها كأنهم كانوا نيام أو دفنوا في ‏تلك اللحظة، وماتزال دماؤهم تسيل وسط ‏حدث كان القدر هو وحده من يصنعه..‏

‏ قصة غريبة ما تبدوا كالخيال لكنها هزت صعده مئات المرات حيث أكدها ‏مواطنون من ‏محافظات شتى وتم نشر بعض الصور في صفحة الشيخة أسماء الزنداني ‏في الفيسبوك لكنني ‏هنا ما زلت أبحث عن الحقيقة وأتساءل :لماذا حدث كهذا حجب عن ‏وسائل الأعلام فنحن في ‏زمن التلفاز لم نعد نصدق ما نسمع الا ما نراه وستكذب في هذا ‏الزمن مالم يكن لديك شريط ‏فيديو يشهد لك بذلك فتسمع هنا ما فقدته هناك عن حرمة ‏الموتى وتتساءل: لماذا تدخل القدر ‏حين أخرجهم دون فعل فاعل و لم تكن لديه رسائله ‏التي يريد إيصالها لجهة معينه فحدث كهذا ‏لو روج له لأصاب الحوثيين في مقتل.‏

‏ وحين تبحث عن فيديو أو صور تسمع مجرد وعود لا تأتي مهما انتظرت لها ‏ويهمس أخر ‏في أذنك أن زمن المعجزات قد ولى إلى غير رجعه لأن أمثالنا ما عادوا ‏يحسنون التصرف ‏لكن الغريب أن حركة الحوثي لم تقف مكتوفة الأيدي أمام أقاصيص ‏دماج المزلزلة التي من ‏الواضح أنها أربكت صفوفهم فاختلقوا المبررات المفبركة ‏كرويات عبده الجندي أبان الثورة ‏عن جثث يؤتى بها من ثلاجات الموتى،فتسمع في ‏أوساط الحوثيين حكاية يتداولونها فيما بينهم ‏عن قتلى لدماج في سوريا وجيء بهم إلى ‏هنا وحين تتساءل في أوساطهم كيف أخرجوا من ‏سوريا وكيف دخلوا بها إلى صعده ‏وأنتم من تسيطرون على المنافذ،فلا جواب تجد وقد أرجع ‏مراقبون أن تضخيم حركة ‏الحوثي لجنازة زعيمها تعد محاولة لاستعادة ثقتها التي هزتها تلك ‏الواقعة غير أن ‏الحقيقة ستبقى عند الله فهو وحده الذي يدير هذا القدراللافت للنظر في مدينة ‏السلام .‏

زر الذهاب إلى الأعلى