[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

إشكالية اليمن الأساسية دولة مدنية وليست الفدرالية

من ثمرة الربيع العربي في نسخته اليمنية مفردات سياسية أهمها التئام ألوان الطيف ‏السياسي ‏على طاولة واحدة وهذا بحد ذاته ما يميز التجربة اليمنية ... وفي رصد ومتابعة ‏سير فعاليات ‏الحوار الوطني الذي انطلق منذ شهور مضت حيث اقترب من نهايته ‏المفترضة بعد بضعة ‏أسابيع ، إلا إننا على ارض الواقع لا نرى نتائج ملموسة في إتفاق ‏النُخب المتحاورة على أهم ‏القضايا ولاسيما التشريعات الدستورية ومفهوم شكل الدولة ‏لصالح تراجع الدور المركزي ‏للدولة والبحث عن توافقات لأنماط اللامركزية بأي شكل ‏يُتفق عليها ، مع اخذ في الاعتبار ‏فشل تجارب مماثلة في هذا السياق كالعراق الذي ‏مضى في الفدرالية حسب دستوره الذي ينُصُ ‏ان لكل محافظة أو أكثر تشكيل إقليم ‏ورغم ذلك فالمشاكل تتزايد بين الأقاليم وحكومة المركز ‏لدرجة تهديد الأكراد بالاستقلال ‏وكذا التوتر المتزايد مع اخوانهم العرب السنة منذ بضعة ‏شهور ، وهو الأمر نفسه في ‏السودان الذي فضل جنوبه الإنفصال ورغم ذلك دخل السودان مع ‏الدولة الوليدة في ‏مسلسل من التوتر لدرجة قطع مصالح اقتصادية والتهديد بالحرب !‏

قضية اليمن ليست في شكل الحكم والدولة أو شكل النظام ، إنها باختصار إيجاد دولة ‏‏المؤسسات والقانون والمواطنة المتساوية فالعدل أساس الحكم ، ولعل من بعض ‏إشكالات ‏الحكم في اليمن التي استوجبت الوقوف عندها تكمن في اللامركزية ولكن ليس ‏بالضرورة ‏الهرولة لأي صيغة فدرالية إلا بعد دراسة نتائجها من جهة أخرى فأن ‏إشكالات اليمن تكمن في ‏عدم وجود دولة النظام القانون ومنح الحريات والعدالة ‏والمواطنة المتساوية بكل ما تعنيه ‏الكلمة من معنى وليس مجرد نصوص على الورق.‏

لقد غدا بالفعل الرأي العام اليمني يسئم من حالات التجاذبات السياسية المقرونة بمعاناة ‏‏مفردات الحياة القاسية من نقص في الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي ونحو ذلك ولهذا ‏فيدهُ ‏على قلبهِ ، لأن اليمن على مفترق طرق ويبدو أن الفترة المتبقية سواء للحوار أو ‏للمرحلة ‏الانتقالية نفسها تكاد تنحشر فيها كل آمال اليمنيين الذين يعولون لجني ثمار ‏ثورتهم والحال ان ‏الضبابية والمماحاكات السياسية تفرض نفسها متجاهلة دور الحركة ‏الشبابية التي كانت وقود ‏الثورة وطبيعة المرحلة التواقة لوجوه ودما جديدة .‏

لقد كان من ضمن اهتمامات عدد من البلدان التي خرجت من عباءة الاحتلال في ‏منتصف ‏القرن الماضي إلى جانب الاهتمامات التنموية هو حل الإشكال السياسي وبلورة ‏مفهوم الدولة ، ‏وقد نجح بعضها في تحقيق بعض منها ، ورغم ان اليمن شهد أربع ‏ثورات منذ نحو مئة عام ‏مضت بدأت بالثورة على الأتراك وانتهت بثورة التغيير وما ‏بينهما ثورتين الشمال والجنوب ، ‏وكل تلك الثورات تحمل قيم ومفاهيم ورؤى ألا أنها لا ‏ترقى في ارض الواقع تطبيقا مستمراً ‏فالنخب الاجتماعية والمثقفة تحديداً لم تكن في ‏غالبه بموقع القرار السياسي وهى بهذا لم تشارك ‏فعليا في وضع رؤى افتراضية وبهذا ‏فقد تعقدت إشكالية العبور إلى الدولة المدنية من فترة ‏لأخرى ولعل تبعات ثورة التغيير ‏قبل نحو عامين والتي تمخضت لاستحقاقات سياسية تجرى ‏بعض مفرداتها على طاولة ‏الحوار الوطني فأنها بداهة أمام جملة من العقبات التي أثقل بها ‏المجتمع اليمني حيناً من ‏الدهر.‏

وسعت السلطات منذ مطلع الستينيات لاحتواء المؤسسة القبلية ضمان ولاءها بأي شكل ‏‏لخدمة الولاء لتلك الأنظمة ، ورغم ذلك كانت المؤسسة القبلية ليست بهذه القوة ‏الاقتصادية ‏والسياسية عما هو عليه اليوم حتى في العهد الملكي لم يكن للمشايخ هذه ‏الهالة التي أصبحوا ‏يتمتعون بها فكان الفاقة والعوز ملازمهم والولاء والطاعة تجبرهم ، ‏ولم يكن الارتهان للخارج ‏يراودهم ، إضافة إلى أنهم كانوا مقيدين بما عرف بنظام ‏الرهائن حيث يحتجز الإمام أطفال ‏بعض المشايخ الذي يشك في احتمال التمرد والخروج ‏عليه ، فكان يحجزهم أشبه بإقامة جبرية ‏في احد قصوره المجاورة ويغدق عليهم بل ‏ويدرسهم.!‏

ستضل الحركة الوطنية على مدى أجيال تتذكر وبإعجاب محاولات الدولة في منتصف ‏‏سبعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي الذي حاول سحب ‏البساط ‏من تحت اقدام المؤسسة القبلية ويحسب له بأنه حاول في خلال فترة قصيرة من ‏‏1974م إلى ‏‏1977م التأسيس للمجتمع المدني والتحرر من سلطة القبيلة، التي كانت ‏تبسط نفوذها من ‏أقصى الشمال في قبائل حاشد وبكيل، مرورا بقبائل مذحج ومراد، ‏وصولا إلى القبائل التي ‏تقطن قريبا من الربع الخالي، لكنهم أيضا يدركون جيدا كيف ‏انتهت هذه المحاولة مع سقوط ‏الرئيس إبراهيم الحمدي شهيدا ثمن لتلك الطموحات، ‏مخلفا وراءه تجربة نظام حكم ناجح ‏أطاحت به سلطة القبيلة.لقد عمدت القبيلة في اليمن ‏ إلى عقد تحالفات خارج إطار مؤسسة الدولة ‏العسكرية والمدنية بغرض ممارسة ‏الضغوط على الدولة وبهدف الإبقاء على مصالحها ‏ونفوذها وهذا ما حصل للأسف في ‏العقود الثلاثة الماضية ، وهانحن نجني ثمار ذلك التخبط ‏والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.‏

اعتمدت الحكومات المتعاقبة خلال أكثر من نصف قرن على أساليب ومفاهيم تقليدية ‏ولم ‏يكن لها مشروعا نهضوياً طموحاً يحاكي تجارب بلدان تزامنت في نضالها الوطني ‏مع اليمن ‏ومقاربه لها جغرافيا واجتماعياً ، إلا ماندر وذلك في منتصف السبيعينيات ، ‏ومفهوم الولاء ‏الوطني وبناء الدولة ليس فقط سن قوانين ويصعب تنفيذها بناء على ‏قاعدة مؤسسات هشة ‏ولكنه بنا متكامل يبداء من التعليم ومناهج المدرسة إلى الإعلام ‏دور المؤسسة الدينية الموحدة ، ‏ولكن الذي حدث العكس هو تقوية دور المؤسسة ‏العسكرية على البناء المؤسسي المدني للدولة ‏وتمجيد دور القبيلة طغى على دور الولاء ‏الوطني ودور النخب المثقفة ، واللعب على ‏التناقضات الاجتماعية المذهبية دون دور ‏علماء الدين الذين يحضون بإجماع وقبول وكان همّ ‏النُخبّ الحاكِمة هى ديمومة حكمها ‏بعيدا عن من ينافسها دون الاهتمام بتبعات أخطائها.‏

زر الذهاب إلى الأعلى