في رسالته التي بعث بها إلى الرئيس الإيراني الجديد روحاني بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، دعا الرئيس هادي إيران إلى احترام السيادة اليمنية، وبما يجسد روح الأخوة الإسلامية والتعايش المشترك بين البلدين ، وقبلها جاءت تصريحات وزير الخارجية د.ابوبكر ألقربي بشأن التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني بعد صمت طويل ومستغرب، جاء هذان الحدثان كتطور جديد في السياسة الخارجية اليمنية لتحرك المياه الراكدة في دهاليز الخارجية اليمنية !! بعد أن شابها الكثير من الغموض وعدم الوضوح إزاء عدد من القضايا،
وعلى سبيل المثال الغموض الذي يكتنف حقيقة الموقف اليمني من غزو دولة الكويت الشقيقة عام 1990م، وأتذكر ندوة عقدتها وزارة الخارجية في مطلع أكتوبر من العام الماضي في الذكرى الخمسين لقيام الثورة اليمنية، أكد وزير الخارجية أن هناك ملابسات وحقائق لا يستطيع الكشف عنها في الوقت الراهن فيما يخص حقيقة الموقف اليمني من غزو الكويت كون أن هناك من سيتضرر من نشر هذه الحقائق وأنه سيأتي الوقت المناسب للكشف عنها، ولا ندري متى يكون الوقت المناسب رغم مرور أكثر من عشرين عاما على الغزو، لكن بعد أن سمعت الرئيس السابق في قناة العربية وهو يتهم علي سالم البيض بأنه من وجه السفير الاشطل مندوب اليمن في الأمم المتحدة آنذاك بالانسحاب من التصويت على قرار يدين العراق على احتلال الكويت، عرفت حينها أن هناك من الكثير من الحقائق لاتحتاج إلى وقت بل تحتاج إلى شجاعة للإفصاح عنها، كذلك تأتي قضية أوضاع المغتربين في السعودية، والطائرات الأمريكية بدون طيار، ومعتقلي جوانتناموا، وعلاقتنا مع دول القرن الأفريقي، وغيرها من القضايا التي تثير الكثير من التسأولات والاستفسارات عن موقف السياسة الخارجية اليمنية وصناعتها ودورها الذي ينبغي أن تقوم به .
من هذه التسأولات التي تفرض نفسها اليوم ..من كان يصنع قرار السياسة الخارجية اليمنية خلال 23 عاما الماضية منذ قيام الوحدة اليمنية ؟هل هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح ؟ أم الوزراء المتعاقبون على وزارة الخارجية ؟ أم وزارة الخارجية بقطاعاتها ودوائرها وإداراتها المختلفة ؟ أم مجموع كل هؤلاء ؟أم هناك أطراف آخرين غير هؤلاء؟
والحقيقة من السهولة جدا القول لدى البعض أن الذي كان يصنع السياسة الخارجية اليمنية هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بحكم أنه كان يتخذ القرار السياسي الخارجي بما يراه مناسبا من وجهة نظره !فصناعة القرار السياسي الخارجي هي في رأس الرئيس !! واتخاذ القرار السياسي الخارجي هو في يد الرئيس !وكان الرئيس السابق هو محور كل شئ كما هي الحال في السياسة الداخلية !! وما وزارة الخارجية بقطاعاتها ودوائرها وإداراتها المختلفة إلا ديكور شكلي .
وبكل تأكيد فإن ثورة الشباب السلمية في 11 فبراير 2011م والتي جاءت من اجل التغيير نحو الأفضل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات التي يتطلع إليها كل أبناء الشعب اليمني لن تكون قد حققت أهدافها بتغيير الأشخاص أو القيادات بل يجب أن تشمل عملية التغيير إصلاح السياسات الداخلية والخارجية للدولة، ولذا يجب أن تعد عملية إصلاح السياسة الخارجية اليمنية من أهم مفرزات ونتائج هذه الثورة لأن بقاء هذه السياسة بالياتها وتوجهاتها وسلبياتها الحالية سيؤدي إلى حرمان اليمن وشعبه من مكاسب وأوضاع وفرص أكثر إيجابية مما هو حاصل الآن من حيث تنمية وتحقيق المصالح الوطنية مع استمرار الإختلالات والأخطاء التي يتحمل نتائجها الشعب اليمني في المقام الأول.
إن عملية صناعة السياسة الخارجية إنما يقصد بها أساساً صناعة اتخاذ القرار، وهي عملية معقدة تنطوي على عدة خطوات ومهام ضرورية، لذا فإن عملية إصلاح السياسة الخارجية اليمنية تتطلب رؤية واضحة وإرادة قوية وإجراءات سريعة ومدروسة تجاه مختلف القضايا وعلى جميع المسارات المحلية والخليجية، والعربية، والإقليمية، والدولية، وأعتقد أن كل ذلك لن يجد وقت وظرف أنسب لتحقيقه أفضل من الوقت الراهن حيث تعيش اليمن زخم الحوار الوطني، الذي تسير فعالياته بوتيرة وإصرار واضح وعالي، فيجب أن لا تمر هذه الفرصة وهذه الأجواء إلا وقد تركت لنا سياسة خارجية قوية مبنية على أسس مدروسة وآليات علمية وحديثة وفي إطار مؤسسي بعيد عن الأهداف والمزاجيات الشخصية، أو لنخبة معينة، وفق أهداف وتوجهات تضمن تحقيق حماية أمن واستقرار اليمن وتحقيق مصالحه بأفضل البدائل المتاحة بما يحقق أمن ورفاهية الشعب اليمني، فهل يعي الإخوة أعضاء مؤتمر الحوار الوطني أهمية مثل هذا الأمر.