آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حلب تستغيث!

تجهز قوات الأسد نفسها وهي تستعين بميليشيات حزب الله الإرهابية من لبنان وفرق مسلحة إرهابية من العراق وإيران ومأجورين آخرين من مناطق أخرى. كل ذلك لأجل «المعركة الكبرى»، كما يشار إليها من أتباع النظام في حال وصفهم لمعركة إسقاط مدينة حلب من قبضة الثوار والجيش الحر الذين حرروا حلب من «احتلال» الأسد لها.

نعم سوريا الآن محتلة ولا بد من التعامل معها على هذا الأساس.

نظام الأسد اليوم أشبه بنظام الخمير الحمر الذي كان يحكم كمبوديا اسما، وإنما واقعيا كان محتلا لها، وتحول الخمير الحمر إلى ميليشيات ضخمة تعيث في البلاد قتلا وتدميرا بقيادة زعيمها بول بوت الذي أبيد على يديه أكثر من مليوني مواطن كانت جماجمهم الشاهد الأكبر على ذلك. واستعان بميليشيات مسلحة مأجورة من فيتنام ولاوس وتايلندا ليعينوه على قمع وسحق شعبه، وها هو نفس المشهد البائس يتكرر الآن في سوريا الحزينة وشعبها الجريح.

الأسد ينفذ مخططا سلطويا بغيضا تحميه طائفية كريهة. سقط «الوجه العلماني» المصطنع والذي كان يتغنى به نظام الأسد أبا وولدا تحت عباءة حزب البعث، وإلا كيف يمكن تفسير «الصدفة» التي جمعت خامنئي والمالكي ونصر الله معا للدفاع المستميت عن نظام الأسد؟ إلا إذا اعتبرناهما بمثابة تجمع لينيني ماركسي اشتراكي شيوعي لا يمت للطائفية والمذهبية المقيتة البغيضة بصلة، وطبعا هذا غير وارد ولا ممكن.

ها هي قوات الشر الإرهابية المحتلة لسوريا تستعد «لغزوة» جديدة على حلب، بعدما اغتصبت القصير ومن بعدها تلكلخ وقتلت المئات من الأبرياء ودمرت المنازل والمتاجر والمساجد والمشافي والمدارس بشكل وحشي وهمجي وجنوني، يذكر كل من قرأ صفحات التاريخ بنفس أسلوب غزاة المغول والتتار الذين كانوا يقومون بعمل نفس الشيء ويطبقون ذات الأسلوب في كل المدن التي يغزونها ويقتحمونها.

والآن هناك التقاط أنفاس وقلق كبير على عروس الشمال وكبرى المدن السورية حلب، النظام يدرك تماما أن خروج حلب عن سيطرته وتحررها من قبضته القمعية المجنونة كان بمثابة الصفعة المدوية على وجهه، أبانت أكاذيبه أن حلب وأهلها مع النظام وفضحت خطابه الإعلامي المضلل وأظهرت حقائق غير ما كان يروج لها دوما، وإنما حلب مثلها مثل غيرها من المدن السوية أعلنت رغبتها الكاملة والصادقة في الخلاص من حكم طاغية دموي عاث في البلاد فسادا وأهان أهلها وذل الناس فيها.

حلب ثقل اقتصادي بامتياز، فهي العمود الفقري لكافة القطاعات الصناعية للبلاد والامتداد التجاري مع أوروبا عن طريق البلد المجاور المهم تركيا وفيها من العمق الحضاري والثقافي والتاريخي لسوريا ما يجعلها ذات أهمية استثنائية ليس فقط للسوريين ولكن للطوائف والأعراق الأخرى من إيطاليين وفرنسيين وأرمن وأتراك ومسيحيين بشتى مذاهبهم.. مدينة بعمق التاريخ وبأهميته، بها من الرموز والآثار الشيء الكثير، فالمسجد الأموي الكبير علامة عظيمة وكذلك قلعة حلب الشامخة وسوقها العثمانية القديمة، أقدم وأكبر الأسواق المغطاة، ولو نطقت كل الحجارة التي اشتهرت بها مباني حلب العريقة لسردت بلا توقف ولا ملل عن المدينة العظيمة وأهميتها. مدينة كتبت اسمها للحضارة الإنسانية وتركت بصمة على كل شيء تميزت به من مشاوٍ إلى فستق إلى حجر وإلى قدود وغير ذلك.

المدينة اليوم تستغيث منذرة ومحذرة وهي ترى جيوش الظلام تحيطها وتستعد للانقضاض عليها. ميليشيات الإرهاب وشبيحة الطغاة يجهزون لإسقاط حلب وتقتيل أهلها كما فعلوا بغيرها، ولا يزال العالم يدرس خيارات العمل وأساليب الرد المناسبة. وعلى الأرض مسألة أخرى؛ هناك «اتفاق» لتمكين الأسد وميليشيات حزب الله الإرهابية بأخذ أكبر حصة للتفاوض في جنيف من موقع أقوى أو هكذا تبدو قراءة المشهد؛ لأن الورقة الأهم في هذه المسألة وهي إسرائيل لديها أكبر «لوبي» في كل من أميركا وروسيا وهي ستفعل المستحيل لإبقاء نظام خدمها وحمى حدودها لأطول فترة ممكنة. بديهي.

زر الذهاب إلى الأعلى