آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

هذه أخطاء الإخوان وعوامل الانقلاب في مصر!‏

لا يحتاج الإخوان المسلمون إلى مناظير دقيقة ولا إلى سنوات طويلة لمعرفة الأسباب التي أدت ‏إلى عودتهم من أعلى هرم في السلطة في مصر إلى سجون الفلول، بل هي واضحة وسهلة لمن يريد. ‏

من حيث المبدأ نسلم أن ما جرى مؤامرة متكاملة وانقلاب عسكري متكامل.. لكن كيف ‏سمح الإخوان لكل ذلك أن يكون مؤهلاً للنجاح، وكيف كانت المؤامرة تجري وهم في غفلةٍ ‏يعمهون؟. ‏

ما حدث كان ما يلي: ‏
‏- فشلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بالتعامل مع الشباب المستقلين ‏والقوى الثورية من التوجه غير الإسلامي. بغض النظر عن نسبة هذا الفشل. ‏
‏- شجع الإخوان حل الحزب الوطني الحاكم سابقاً، وهو حزب له مئات الآلاف من المنتمين ‏والمستفيدين، في كل الأحوال، فإن حله ونزوله من السلطة سوف يؤثر عليهم. فاتجهوا للعمل ‏في الخفاء. ‏
‏- الخطاب التحريضي على عناصر وقيادات النظام السابق، ومهما كانت فاسدة أو صالحة، ‏إلا أن لها خبرتها وتأثيرها ولها أنصارها. كان يجب تشجيع إقامة دولة للقانون يعمل في ظلها ‏الجميع دون الاضطرار للتصنيف والثأر.‏

المرحلة الثانية من الأخطاء تتكون من أخطاء استراتيجية فاصلة: ‏
‏- ترشيح رئيس من جماعة الإخوان المسلمين، دون اعطاء أي اعتبار للمخاوف الدولية ‏والمحلية من تسلم الجماعة للحكم في مصر بما تمثله من أمة ودور وتاريخ، وبما تمثله الجماعة من ‏توجه لا يتفق قوى الهيمنة. ويبدو أن هذا الترشيح قد جرى بإشارات تطمينية دولية، وضعتهم ‏بفخ تعرف بعد ذلك كيف تستطيع الاستفادة خلاله.
‏"إن الله لا يحب الفرحين".. مصر حصلت على الحرية، وهذا بحد ذاته منجز، المنجز الثاني، ‏هو أنه أصبح بالإمكان الترشح والمشاركة في الانتخابات بدون تزييف النتائج أو التعرض للقمع.. وهذا منجز.. أصبح ‏بالإمكان العمل الاجتماعي والتوسع... ووو.. إذن لماذا الاستعجال والمنافسة على أعلى هرم ‏في السلطة؟ كان عليهم التدرج، لأن التسرع والقفز يحتمل فجوات وفراغات سياسية واستراتيجية واسعة. ‏
فخ جعلهم يظنون أن العالم قد تغير؟ أين ذهبت مخاوف إسرائيل و..و..؟ لو كان الغرب ‏يشجع الديمقراطية فقط لما كان يعتبر القمع لحركتهم في ايام مبارك شأناً داخلياً..؟ منذ متى ‏تغير موقف العالم؟ أليست قوى الهيمنة نفسها؟.‏
‏- كان ترشيح مرسي خطأ استراتيجياً فاصلاً مبنياً على طمأنات واستدراجات تضعهم في ‏الواجهة، في حين لا تزال مؤسسات الدولة ملغومة بعناصر وخبرات النظام السابق، وحتى ‏الأقصاء لها يعتبر خطأً.. لأن الأفضل يكون كسب ما أمكن منها واعتبار عامل الزمن. ولا زالت التجربة ‏الديمقراطية عمرها صفر. ‏
‏- عدم كسب أي من القوى الليبرالية أو القومية أثناء الانتخابات لتأييد مرشحهم، والشراكة معها... ‏وهذا الخطأ تم اكتشافه أثناء الانتخابات نفسها، ولذلك اضطر مرسي للاستقالة من الجماعة، ‏ولكن فور انتهاء الانتخابات وتعدي مرحلة الخطر، تم نسيانه.. وعادوا يعتبرونها انتصارات ‏فردية وتأييد إلهي.. دون العمل بالأسباب. ‏

المرحلة الثالثة من الأخطاء: ‏
لم يكن فوز المرشح في الانتخابات محمد مرسي فوزاً حقيقياً بالمقاييس الاستراتيجية لو تم قراءة المشهد بدقة، لقد كان ‏مؤشراً هاماً على الخطر المحدق، لو كان لدى الجماعة مخططون يقرأون المشهد من جميع أركانه. وذلك ‏كما يلي: ‏
‏- كانت المنافسة في الانتخابات شديدة، ما يدل على حجم المعارضين الرافضين لنجاح رئيس من ‏جماعة الإخوان المسلمين. ‏
‏- كان المنافس من رموز النظام السابق وهو أحمد شفيق، وكان الفارق بسيطاً بينه ومرشح ‏الثورة، وربما لو كان المنافس من المحسوبين على الثورة، كان فاز على مرسي، لأن الذين ‏انتخبوه ليسوا من أنصار الجماعة فقط، بل باعتبار مرسي مرشحاً لثورة 25 يناير وشفيق "فلول". ‏

الأخطاء التالية للانتخابات: ‏
‏- تخوين المعارضين من أمثال محمد البرادعي وحمدين صباحي ، ما جعلهم معارضين ‏شرسين بعد أن كانوا معارضين فطرياً ولكن كان من الممكن الاتفاق معهم سياسياً. وكان من الممكن الدفع ‏بأحد هؤلاء لترشيحه في المرحلة الانتقالية إلى حين ترسيخ التجربة الديمقراطية. ‏
‏- حصل أحمد شفيق، على أصوات 12 مليون ناخب. وحصل محمد مرسي على 13 مليون ‏ناخب. أي أن الفارق: 1. كان الواجب يومها الاستفادة من هذه النتيجة لمعرفة حجم المعارضة ‏القوي، فمهما كان عدد المؤيدين، إلا أن معارضاً واحداً مقابل 4 مؤيدين يظل مقلقاً.. ‏
ثم إنهم مصريون، بل ويمثلون مختلف الشرائح وأكثر عناصر جهاز الدولة، لماذا تتجه ‏بالحملة التخوينية على مرشحهم؟. يجب احترامه، على الأقل من أجلهم، حتى لو كان عددهم 2 ‏مليون. ولماذا أصبح شفيق خائناً وفاسداً لهذه الدرجة، ونحن نعلم أنه عندما تم اختياره من قبل ‏مبارك لرئاسة حكومة أثناء الثورة، كان الهدف تهدئة الشارع. أي أن شفيق لديه رضا ‏شعبي نسبياً!.. ‏
لا تقل ديمقراطية، فأمريكا ، مثلاً، عمر الديمقراطية فيها قرون، أما مصر، فلها ظروفها المختلفة ‏التي لا تختفي لو كانوا يتذكرون!‏
إذن، كان يجب الاستفادة من هذه النسبة في الانتخابات والتفاوض معه لشراكة في السلطة من ‏أجل إنجاح المرحلة من خلال تعيينه نائباً أو غير ذلك. قد يكون ممكناً التعامل بمعادلة الغالب والمغلوب لو كانت بين شخصين، ‏لكن مع الملايين والتيارات المؤيدة ليس مفيداً... لماذا خطاب المعارك والإقصاء.. أين السياسة الحكيمة؟. ‏

ليس ذلك فقط، بل تم إبعاد المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، إحباطاً لانقلاب متوقع على ‏الدستور، كما كانوا يقولون.. وساءت علاقة الإخوان مع الناصريين والليبرالين لينضم حمدين ‏صباحي ومحمد البرادعي إلى معارضة شرسة ضد الإخوان.؟

فما الذي حدث بعد ذلك؟ ‏
فهم المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق ان حصوله على 12 مليون ناخب مقابل 13 ‏لمنافسه، لا يعد هزيمة، وهو الأمر الذي لم يفهمه الطرف الآخر (الإخوان)!. لكن الأول فهم أن ‏ذلك يعد نصراً، لأنه يمثل "فلول" في دولة ثورة!. ‏

شفيق ابن المؤسسة العسكرية، بدأ بالتخطيط للاستفادة من هذا النجاح وتجاوز الـ1 . اتجه إلى ‏الإمارات العربية المتحدة، وتواصل هو ومن معه من موز النظام السابق الهاربين، مع ‏المخابرات السعودية والأمريكية والإسرائيلية، وعرض عليها برنامجه أو تسلم برنامجها ‏للإطاحة بالكابوس القديم الجديد الذي أصبح القوة الأولى في مصر. ‏

ولأنه ابن المؤسسة العسكرية التي ليس فيها أي سيطرة للإسلاميين، وقد سقط الحكم من ‏قبضتها لأول مرة وصعد رئيس مدني، فقد تكفل بالتواصل معها ومع طنطاوي وعنان ‏وغيرهم، كما تواصل مع قيادات الحزب السابق، ومع عناصر المخابرات العريقة وجهاز أمن ‏الدولة وكلها تعرف كيف تعمل. ‏

كان شفيق ،أو التيار المقيم في الخارج الذي ينتمي إليه شفيق، هو حلقة الوصل ‏بين القوى الخارجية الخائفة من الإخوان والثورة، وبين المؤسسة العسكرية والأمنية.. وهنا ‏كسبت المعارضة بالإضافة إلى ثقتها بنسبة كبيرة معارضة من خلال ناخبي شفيق (12 ‏مليون)... ‏

فكانت أركان وقوى الانقلاب كالتالي: ‏
‏- القاعدة الشعبية التي لم تتخنب مرسي، بل انتخبت شفيق. ‏
‏- القوى الثورية الليبرالية والقومية والتي لم ينجح مرسي والإخوان في التفاوض والشراكة ‏معها. (البرادعي، حمدين صباحي، الخ). ‏
‏- المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تأسست على قواعد غير متعاطفة مع الإسلاميين، بل ‏العكس، بعضها تأسس لقمعهم. كما أن قراراها ليس بيدها تماما!. ‏
‏- العمل الاعلامي الاحترافي المدعوم بالمليارات من رجال الأعمال في النظام السابق ومما ‏تم نهبه من الشعب. وكذلك الخبرة في العلاقات وشراء الولاءات. ‏
‏- الدعم الخارجي، اللوجستي من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وغيرهما، وكذلك ‏المادي من قبل السعودية والإمارات وغيرهما. ‏
‏- الخبرة السياسية والمهنية في التنظيم والتضليل من قبل عناصر النظام السابق التي تمثل ‏قواعده جهاز الدولة الإعلامي والمدني والعسكري. بينما كان الإخوان محاربين دون خبرة ‏عملية كافية في إدارة الدولة. ‏

كل تلك العوامل تظافرت لتشكل انقلاباً يطيح بأول رئيس مدني في مصر.. ومن الطبيعي أن ‏تكون مؤامرة محلية وخارجية، لكن الخطأ هو أن الإخوان لم يتفهموا أن هذه العوامل ‏والمؤامرات موجودة وستتضافر وتشكل انقلاباً قوياً. ‏
أليس من الطبيعي أن هناك طرفاً خارجاً من السلطة له نفوذه ومؤسساته وأجهزته وخبرته ‏سيقوم بالتواصل مع القوى الدولية لإعادة مصر إلى بيت الطاعة في القرار للخارج، ومع الناقمين في الداخل لإيقاف ‏تمدد التيار الإسلامي الصاعد؟. ‏
إذن؛ لماذا لم يتم مراعاة ذلك وعدم المخاطرة والاندفاع إلى الواجهة.. تعرف قوى الهيمنة ‏أن تطمينات الإخوان تكتيكية وأن عقيدتهم مخالفة، ولذلك فإن إنزالهم من السلطة ‏مطلب أمريكي إسرائيلي بامتياز، ولو لم يكن الجيش من سيقوم بالانقلاب، ربما قامت دول ‏خارجية بعمليات داخل مصر. لأن هذا خط أحمر لأمن إسرائيل. وبما أن العوامل ‏الداخلية موجودة فمن الطبيعي أن يتكاتف كل ذلك وينتج عنها هذا الانقلاب. ‏

الانقلاب
كان قراراً صائباً عندما رفض مرسي التنحي، وهو بذلك ليس حفاظاً على السلطة، بل أرادها ‏أن تظهر أمام العالم بطيعتها، وهي أن يقوم المنقلبون أنفسهم بعزله وتنكشف اللعبة للجماهير.‏ وقد كسب مرسي تعاطفاً كبيراً بسبب ذلك.
لقد كان انقلاباً همجياً مستخدماً كل إمكانيات النظام السابق وأدوات القمع، وكان أسوأ ما فيه هو ‏الاستهانة بالشعب المصري، من خلال تسمية المعارضين بأنهم الشعب، وكأن الذين يؤيدون ‏الشرعية لمرسي ليسوا من أبناء الشعب! ‏
رغم كل ذلك، لم تزل الأغلبية مع مرسي ومع شرعية ثورة 25 يناير، لكن النسبة الأقل من ‏الأغلبية بقليل استعانت بالعامل الخارجي والعسكري، وأسقطت إرادة الأغلبية. والمطلوب من ‏الإخوان إعادة النظر في التنظيم وفي أخطائهم للاستفادة مستقبلاً. ‏

زر الذهاب إلى الأعلى