[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

بداية فصل وأد الثورات.. اليمن ومصر أنموذجاً

كأن ربيع العرب وخريفهم سيان بعد اختلاط الحابل بالنابل، تداخلت المواقف وتباينت الآراء لتطيح بأهم تجربة ديمقراطية لأكبر دولة عربية عانت كابوس حكم العسكر لعقود مضت، فمنذ بداية صيف هذا العام ولج بعض بلدان ما عُرف بالربيع العربي في قناعات ومن ثم سلوكيات غير معتادة ومناقضة لمبادئ الديمقراطية، بِجرّ المؤسسة العسكرية للتدخل في اللعبة السياسية والاحتكام للشارع، فالتبس الأمر للبعض حول شرعية الثورة بمجرد حشد الملايين، والشرعية الديمقراطية ذاتها التي طالما ناضلت تلك الشعوب من اجلها أفضت في نهاية الأمر لوأد التوجه الجديد، الذي لم يعتادوه أصلا والتعامل مع مصطلحات جديدة بما عُرف بربيع العرب الثاني. فاليمن سبقت مصر في احتواء ثورتها، ولكنها كانت أشبه بمجازفة بالنظر لخصوصية وظروف الشعب اليمني وعاداته، ومنحت الرئيس السابق حصانة مقابل تخليه عن السلطة، وفي واقع الحال لم يتخل عنها إلا صورياً فلازالت أدواته التنظيمية والإعلامية والمادية موجودة، وهو الأمر الذي يثير جملة من التساؤلات حول مفهوم المبادرة نفسها، التي لم تدرك تبعات ذلك.

وإجمالاً فقد اختلفت أسباب اندلاع الثورات في بلدان الربيع العربي، وكذا تباينت في مآلاتها، إلا أن هناك خيوطا مشتركة، وهي تداخل الديني بالسياسي بالمؤسسة العسكرية، وسياسة إقصاء الآخر (وهذا هو العنصر المشترك في كل ثورات الربيع العربي) وعدم الأخذ بالمشورة وأساليب الحكم الرشيد، الذي طالما تغنوا به، فلا تزال تلك القيم التي ترددت في أدبيات الثوار من العدل والمساواة والمواطنة المتساوية مجرد أمنيات وقيم افتراضية لم تجد لها مكانا في كل الأزمنة والأمكنة.

من يتأمل كثافة الحشود المتدفقة في شوارع مصر يتبين له بما لا يدع مجالا للشك بأنها ليست عفوية، رغم كونها أكثر عددا من ثورة يناير الأولى نفسها، فقد كان لدور النُخب ووسائل إعلامها والدعم الإقليمي والدولي دوراً أساسياً في التنظيم والإعداد لتلك الحشود الهائلة، مستغلين أخطاء طبيعية ومتوقعة بعد تراكم الفساد لعقود مضت، وعليه فلو تمت مقارنة النخب المثقفة في منتصف القرن المنصرم وحاليا فخلال ستةِ عقُود مضتْ أو يزيد يفترض بداهة أن مستوى الوعي تضاعف لمرات، ولاسيما بعد انتشار التعليم ووسائل الإعلام، من صحافة وقنوات تلفزيونية ومن ثم فضائية وانترنت ووسائل تواصل اجتماعي ونحو ذلك، فقد غدا الجميع يعرف عن الجميع، وفي ضوء تدفق المعلومات وثورة التكنولوجيا غدا الجميع يعرف أدق التفاصيل عن الآخر وبلحظتها، وأصبح الصغير والكبير في دور المراقب والمتابع والمُحلِلّ السياسي، بينما على ارض الواقع لم تثمِر كل مخرجات حالات الوعى هذه عن نتيجة، فقد تهافتت بعض من تلك النخب، إما لأنانية مفرطة أو لشهوة الحكم واستحضار دور العسكر كمحلل، وبحجة حماية الأمن الاجتماعي وابعاد شبح الفوضى وانزلاق الأمة لمخاطر محتملة، وهذا يبدو من أول وهلة طرحا منطقيا ومعقولا، ولكنه حق أريد به باطل، ولا يستبعد عاملان أو أكثر في هذا اللبس الذي حير المراقبين، هل هو قوة دفع داخلية وتناقضات المجتمع أفضت لمثل هذه النتائج؟ ام الاعتقاد بنظرية المؤامرة إقليمية كانت أو دولية، أو كلاهما، وهو الأرجح؟ فهناك مصالح لجماعات وأفراد في كل المجتمعات تعاونت مع استراتيجيات إقليمية ودولية، وهذا بداهة واضح للعيان من دون مواربة ولا يقتضي الأمر ذكاء ودهاء المراقب والمتابع.

لقد تسابق البعض في التهليل والترحيب بعودة العسكر في مصر، ومنهم من جثموا على شعوبهم لعقود، ومنوا بفشل وخرجوا بحصانة لم يكونوا يحلمون بها، لولا المبادرة الخليجية التي من خلالها ربما تركت بذرة فنائها في فلول النظام السابق، غير مدركين أن مساوئ كل بلدان الربيع العربي تكمن في حكمهم الفاشل لنحو ثلاثة وثلاثين عاما من الفساد المطلق والتخلف بكل صوره القبيحة، فقد رحب مخلوع اليمن بالانقلاب على أول شرعية ديمقراطية في مصر، ورغم انه لا يُعتد بتصريحاته، إلا إننا نشير هنا إلى أنه يحلو له وصف من يصفهم بالإسلاميين في اليمن، بأن لهم قدما في الحكم وأخرى في المعارضة، مع أنهم يشكلون فقط احد مكونات التجمع السياسي المشترك المتعدد الأطياف مع شباب الثورة، وكلهم لا يمثلون سوى نصف السلطة، التي لازال للنظام السابق في الحكم فيها ما لا يقل عن النصف، وهو السبب الرئيسي لتعثر حكومة الوفاق، مستغلا كل مقدرات الأمة من قنوات تلفزيونية وصحف ومال. ولا تستطيع حكومة الوفاق إصلاح ما أفسده الدهر لمدة ثلث قرن من التخلف والظلم والإقصاء والعبث بمقدرات الأمة، فإذا كان في مصر يعزى الفشل للإخوان، فتعثر حكومة اليمن سببه قيادة سابقة ولاحقة لازالت تتحكم في مصير اليمن، غير مدركة أن التغيير سنة الحياة، فالحكومة لم تستطع تجديد نفسها تنظيمياً والاقتناع بسياسة الإحلال الذي هو سنة الحياة، ففي الغرب في حال خسر حزب الحكم يجدد نفسه تلقائيا بقيادات حزبية جديدة، إلا في اليمن، وسيظل البعض تستهويه شهوة الحكم من باب التنظيم الحزبي الذي اثبت فشله الذريع، وغدا حزب المصالح لفئة ومجموعة وكأن ذلك الحزب أهم من مصير الوطن بأكمله.

زر الذهاب إلى الأعلى