[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الآلة البوليسية التي استيقظت في القاهرة ‏

الضحية الآن في مصر ليسوا الإخوان المسلمين بل القضاء وحرية التعبير والتظاهر السلمي ‏وحكم القانون والحريات العامة. الإخوان خرجوا من مأزق السلطة بالانقلاب على محمد مرسي ‏من قبل الجيش. غير أنه كان انقلابا مزدوجا ؛ ظاهره تأييد الجموع الشعبية التي خرجت ‏لسحب الثقة من مرسي والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة؛ وباطنه الانقلاب على مكتسبات ‏ثورة 25 يناير التي أعادت الحكم للشعب ورفعت شعارات الحرية والكرامة والعدالة ‏الاجتماعية. ‏

آية ذلك كله استيقاظ أخطبوط الدولة البوليسية من سباته ، الأخطبوط الذي قلب الحال رأسا ‏على عقب بين عشية وضحاها. عاد الاستهتار بحياة المحتجين السلميين بإطلاق الرصاص ‏الحي. عادت الآلة الإعلامية المقززة إلى دورها التاريخي في إرهاب الناس وتبرير الجرائم ‏والدعاية الأمنية ضد المخالفين. ‏

ذروة السواد المطل برأسه من القاهرة استخدام القضاء للتنكيل بالخصوم وتلفيق التهم وإعداد ‏الملفات القضائية بوحي من السياسة وتوجهات الحاكم العسكري. بين عشية وضحاها غدا ‏الرئيس المنتخب متهما بعدة تهم ملفاتها جهزت ليلا على عجل ؛ تهم بينها التخابر مع دولة ‏أجنبية !! إذا كان هذا هو حال رئيس منتخب من الشعب وأمام العالم أجمع ، فكيف يكون حال ‏المواطن العادي إذا قرر ان يقول رأيا أو يمارس نشاطا احتجاجيا لا ترضى عنه سلطات ‏أخطبوطية بيدها الجيش والقضاء والنيابة وأقسام الشرطة وأسواق المال والأعمال والفضاء ‏العام برمته !! ‏

قبل ثورة يناير بأشهر سحل الشاب خالد سعيد بدم بارد في قسم شرطة مهمته حماية المواطن ‏لا قتله. قتل خالد سعيد لأنه من طلائع الشباب المصري الحر الذي جهر برأيه وصعد من ‏نشاطه في وقت كان مازال فيه الإخوان في مرحلة "بين البينين"!! ‏

والأدهى من ذلك ان الآلة الإعلامية المقززة في كذبها وتسويقها للجرائم ذهبت إلى تداول ‏رواية المخابرات التي أشاعت حينها أن خالد سعيد انتحر ببلع جرعة بانجو كانت في يده!! ‏

ليلة امس الأول شاهدت ضيف برنامج "آسف ياريس" على قناة القاهرة والناس تامر أمين ‏متلعثما ومترددا عن الاعتذار لخالد سعيد. تامر أمين كان حينها يقدم برنامجاً على القناة ‏المصرية الرسمية وبرر ذلك بانه كان يقرأ بيانا عن وزارة الداخلية. وقد اعتذر على استحياء ‏من فقرة واحدة سخر فيها من خالد سعيد حين ذكر انه انتحر بجرعة البانجو وضحك مشبها ‏الشهيد بدور اسماعيل ياسين في فيلم ابن حميدو عندما اضطر لبلع مافي يده أثناء طابور في ‏معسكر للجيش!! ‏

هذه الآلة الاعلامية المقززة عادت الآن تكذب وتبرر وتروج وتعمل كل شيء يمكن ان يكون ‏له علاقة بالدولة البوليسية لا بالمهنية الاعلامية. ‏

استقلالية القضاء المصري أكذوبة كبرى راجت على غفلة وصدقناها تحت وقع الإعلام ‏والدعاية المبالغ فيها. لقد تحول القضاء إلى أداة من أدوات الممارسة السياسية والتنكيل ‏بالخصوم ؛ وهم هنا الإخوان المسلمين ؛ وغدا سيقف غيرهم في نفس دائرة الهدف عندما ‏يصبح منافسا على السلطة التي يراد ربطها بإرادة الجيش وإخراجها من إرادة الشعب ‏وصندوق الاقتراع. ‏

يهان القضاء المصري بأيدي بعض قضاته الذين يقبلون ان يصبح القضاء مغسلة لملفات ‏مفبركة تطبخ بعد منتصف الليل، وتهم ملفقة تجهز كورقة من أوراق الضغط السياسي. ‏

والغريب أنهم يوجهون تهم إهانة القضاء المصري لمحمد مرسي وقيادات الجماعة!! مرسي لن ‏يعود لكرسي الرئاسة والإخوان لن يصلون للرئاسة على المدى القريب والمتوسط لأسباب ‏عديدة لا مجال لتعدادها ، غير ان السؤال الأهم يتعلق بالمستقبل : ما البديل؟؟ هل الدولة ‏البوليسية وتسلط العسكر هو الهدف الذي يستجيب لتطلعات الشعب؟؟ ‏

لقد أفسد علينا الجيش في مصر فرصة التقويض الكامل للجماعة التي تمارس السياسة من ‏بوابة الدين. أخرجها من مأزقها ليس فقط بعزل مرسي ولكن الأهم بالذهاب إلى إعادة إنتاج ‏الاعتقالات والقمع وتكميم الأفواه وإغلاق القنوات وقتل المحتجين. ‏

لقد أثبتت الفترة الوجيزة التي حكم فيها الإخوان في مصر وكادوا ان يحكمون في غيرها ، ‏أثبتت وبينت حجم الرفض الشعبي لممارسة السياسة باسم الإسلام وادعاء التمثيل الحصري ‏لمشروعه الذي يمثل كل المسلمين وليس جماعة سياسية بعينها. هذا الرفض والخوف من ‏المستقبل خرج إلى الشارع بعد لحظة التغيير وما لاح بعدها من بروز للجماعة كبرنامج ‏مهيمن على المرحلة. ولن يطول الوقت الآن في تبلور رفض شعبي لعودة الجيش إلى السلطة ‏سواء مباشرة أو عبر ستار عدلي منصور ومن على مقاسه. فالجيش وظيفته . حماية الحدود ‏مثلما ان الجماعة الدينية مهمتها الوعظ والدعوة والنصيحة وليس الحكم. وإذا أرادت السياسة والمنافسة على السلطة فليس أمامها سوى الإقلاع عن ‏ادعاء احتكار تمثيل الإسلام والصدور الحصري عن مشروعة الكبير والواسع.‏

زر الذهاب إلى الأعلى