[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

عُقدة المُشاركة والإقصاء في فكر النُخبّ العربية

غدا السِجال اليومي عبر الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي فيما يخص مناقشة القضايا السياسية في بلدان الربيع العربي تحديداً وفي المنطقة العربية عموما كلها تتلخص في جملة مصطلحات أو بالأحرى مفاهيم، لعل أهمها تداخل الديني بالسياسي والطائفية، المشاركة والإقصاء وشكل النظام السياسي الأنسب بعد بركان التحولات السياسية التي اجتاحت المنطقة..

فهذا يعني بأن الرأي العام العربي والنخب المثقفة والسياسية تحديداً تعيش حالة من الوعي الايجابي قد يفضي عاجلاً أو اجلاً لحالة نُضج تنعكس بداهة على تلك المجتمعات، وإجمالا فتتلخص تلك المفاهيم حول هذه المحاور فهناك كما حدث في مصر وتونس وتركيا على سبيل المثال تتصاعد نغمة الإقصاء الكلي للأخر وكذا كُثر الجدل أو المناداة بالفصل بين الديني والسياسي، ويتضح للمطلعين لتاريخ الفكر السياسي الإسلامي الحديث بأنهُ تيار ليس بجديد على الأمة العربية فقد طغى على السطح منذ عشرينات القرن الماضي المتزامن مع تحرر البلدان العربية من سيطرة قوى غربية أو تلك التي خضعت لسيطرة الدولة العثمانية، التي حكمت باسم الخلافة حينها بدأ الجدل حول فكرة فصل الدين عن السياسة، وفي نهاية الربع الأول من القرن الماضي أي في العام 1925 صدر كتاب الأزهري علي عبدالرازق (الاسلام وأصول الحكم) والذي خرج عن المعتاد فقد فُسر بأنه يدعو إلى فصل الدين بالسياسة، فكان ذلك بمثابة إلقاء حجراً في المياه الراكدة وحينذاك بداء الجدل حول ذلك يتصاعد في اختلاط الديني بالسياسي.

لقد حدث تحول جذري في الفكر السياسي العربي أكثر من مرة خلال القرن الماضي فبعد الروح التحررية التي أعقبت الاستقلال منذ مطلع القرن وفي منتصفه تحديداً وتحول بعضها لجمهوريات شكلية راودت البعض فكرة التوريث، ولولا ثورة الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن لكانت اتجهت لهذا المنحى أي التوريث الجمهوري!

في العقود الأخيرة وبعد سلسلة من النكسات العربية تحول فكر النُخب العربية والمزاج العربي العام من الاتجاه القومي بشقية الناصري والبعثي والذي بداء منذ نحو ستة عقود بتجارب أخفقتّ رغم رفعها شعارات براقة، وأنجاذبها لفكرة الاسلام السياسي، فبعد التحولات الدولية بأفول نجم القطبية الثنائية وانتهاء الحرب الباردة مطلع التسعينيات غدا التيار الإسلامي هو المُتصدر للمشهد السياسي ولكن أي تيار وأي مذهب ؟،

وهنا بداء الفصل الثاني من المعاناة بإدخال المنطقة في أتون الصراع المذهبي وبحدة، فبعد عقد من ثورة إيران وبعد ان وضعت الحرب العبثية مع العراق اوزارها، فتنفست الصعداء، وولجت المنطقة لفصل آخر من الخلافات فمنذ التسعينات تحولت بعض البلدان العربية وفي المشرق العربي تحديدا مرتعاً خصباً للصراع الإقليمي بغطاء مذهبي من دول الجوار أيرن وتركيا وكانت إلى جانب العراق وسوريا كل من البحرين واليمن مسرحاً لذلك النفوذ المتزايد..

وزاد الطين بلة بعد أن هبت رياح التغيير فيما عرف بالربيع العربي، حينها اختلطت الأوراق وتداخلت السياسي بالديني والوطني بالإقليمي ووسط هذه المعمعة انتعشت المذهبية السياسية في بلدان المشرق العربي تحديداً، بينما ساد التناغم والانسجام في توافق الإسلاميين مع خصومهم في بعض بلدان المغرب العربي، ولا أجد تفسيرا مقنعاً لذلك.. هل بلدان المغرب العربي متجانسة مذهبياً أكثر من مشرقة، صحيح ان المغرب العربي يسود المذهب المالكي، ولكن لا اجزم بأن ذلك مقنعاً، ومن هنا يلاحظ نضوج تجربة بعض بلدان المغرب العربي وتصالحهم مع الإسلاميين قياسا بما يحصل في المشرق العربي، فعلى سبيل المثال تونس والمغرب رغم تباين المنطلقات والمعطيات لكلا البلدين إلا أنهما فيما يخص تناغم النُخب السياسية يعتبران قدوة لغيرهما فتونس التي تعتبر منطلقا لشرارة ثورات الربيع العربي لها تجربة مميزة بحكومتها الحالية التي أقطابها الثلاثي الحاكم أو ما عرف بالترويكا فبينهم العلماني والاشتراكي والإسلامي فحزب النهضة يمثل احد هذه الأجنحة ورغم انه الأحدث بين نظرائه فهو لم يعترف بِه بصورة قانونية ولكنه يبدو الأقوى تأثيراً في ذلك التجمع ولهذا فقد بدأت إرهاصات الإقصاء وتقليد مصر بما عرف بحركة (تمرد) وكأنها في مصر قد أثمرت وساعد الأمن والرخاء !

ورغم مايوحي الإعلام من اختلاف الرؤى وهذا طبيعي بعد عقود من الحكم البوليسي لنظام بن علي، الا أن تلك الترويكا في الجملة متجانسة على الأقل خلال العامين الماضيين، مقارنة بما يحدث في بعض بلدان المشرق العربي مصر واليمن وحتى الأردن التي رفض الإسلاميون فيها والمتثملة في جبهة العمل الإسلامي الدخول في الانتخابات الأخيرة مطلع العام الجاري ومن المفارقات أنهم قد أقصوا أنفسهم، وكانوا حينها يستقوون بإخوان مصر في عهد مرسي وهذا يفسر سبب سرعة تأييد الحكومة الأردنية بالعهد الجديد في مصر !

كذلك الأمر في المغرب فالحكومة المشكلة العام الماضي برئاسة بن كيران وهو يمثل الاتجاه الإسلامي وحزبه المسمى العدالة والتنمية وتعتبر الحكومة الثلاثون منذ استقلال المغرب في العام 1956م وهذا عدد قليل قياساً بعدم الاستقرار الحكومي في بلدان مشرقية سوا تلك التي اجتاحتها رياح الربيع العربي أو غيرها فألاردن مثلا وفي خلال ثلاث سنوات مضت خمس حكومات ومعلوم بأن الحكومات الأبدية سلبياتها مثل الحكومات المتغيرة في كل حين، وقد ضمت حكومة بن كيران المغربية أربعة تيارات ثلثها من حزبه (العدالة والتنمية) ذو الاتجاه الإسلامي، وكان الائتلاف الحكومي في المغرب يسير سيراً حسناً مع بعض المنغصات ولكن يبدو ان ربيع مصر الثاني غدا يشكل خريفاً لهذا التوافق الذي لم يصمد سوا عاماً ونصف، فبعد نحو شهرين من انسحاب حزب الاستقلال تقدمت شخصيات سياسية من أحزب في الائتلاف بأنسحابها، وبهذا يشكل ربما بداية لإخفاق تلك التجربة في التعايش بين المكونات التي يتصدرها إسلاميين.

وبالفعل يبدو أن فكرة إقصاء الآخر هى محور الإشكال في الفكر السياسي العربي وما يشكل المذهب أو الاتجاهات الدينية أو الأحزاب إلا مجرد غطاء فالصراع كله سياسي بامتياز لمصلحة جهة بغرض إقصاء الطرف الآخر سوا اتخذ واجهة الجهوية أو الدينية أو المذهبية وغيرها... فالغاية واحدة..

زر الذهاب إلى الأعلى