[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

انتهى «الربيع»... والديموقراطية والإسلام السياسي باقيان

استعجل كثرٌ فقالوا بنهاية الربيع العربي والإسلام السياسي، فهم يرون أول رئيس منتخب وصل بقوة الربيع العربي يسقط، ليس بيد الجيش ودباباته فقط، وإنما بغضبة جموع شعبية، وتصادف أن هذا الرئيس المنتخب «إسلامي» فجمع القوم الحقيقتين، فقالوا انتهى الإسلام السياسي والربيع العربي.

ولكن ذلك تحليل خاطئ ومتسرع. الإسلام السياسي ليس شرطاً من شروط الربيع العربي، ويمكن الربيع العربي أن يمضي من دونه، ولكن الديموقراطية هي شرط أساس في الربيع ولم تسقط، فبغض النظر عن الجدل الجاري: هل ما جرى في مصر انقلاب أم لا، ومن هو صاحب الكلمة الأخيرة في قصر الاتحادية، فإن «العسكري» استخدم حتى الآن حلولاً دستورية مدنية للمرحلة الانتقالية، التي ستنتهي بشرط الربيع العربي الضروري وهو الانتخابات والاحتكام إلى الصندوق، وطالما أن هذا الشرط قائم، فإن الإسلام السياسي باقٍ معه، فالديموقراطية والإسلام السياسي صنوان لا يفترقان.

أحدهم سيصرخ الآن، كيف؟ والإسلام السياسي في حقيقته متصادم مع الديموقراطية. هذا تحليل خاطئ آخر، ورجع أمنيات، فبعض القوى الكارهة للإسلام السياسي تفضّل النسخ المعادية للديموقراطية عنه، وتريده أن يبقى في ذلك المربع الضيق الذي يحرّم الديموقراطية، ويراها تغريباً وابتداعاً، وبالتالي تسعى جاهدة لتحريك أضلاعه بعيداً لتشمل كل الإسلام السياسي، ومهما أعلنت أحزاب الإسلام السياسي التزامها بمبادئ الديموقراطية سيظل هناك من يتهمها بالتقية، وأنها تستغل الدين في السياسة، وبناءً على ذلك تسعى إلى مصادرة حق الإسلام السياسي في المشاركة السياسية. إنه منطق ما قبل الربيع العربي، ونظرية سياسية عاش عليها تحديداً نظاما حسني مبارك وزين العابدين بن علي، وكل الاجتهادات الإقصائية المتداولة تغرف من ذلك المعين المشبوه المنتج في زمن ما قبل الربيع.

رد الفعل المتطرف هذا من القوى الليبرالية في مصر وتونس، التي تجد تأييداً من بعض النخب المثقفة في العالم العربي، والتي يفترض أن تكون أكثر ديموقراطية، سيضعف ولا شك روح الربيع العربي. ربما حان الوقت أن نتوقف عن استخدام هذا المصطلح «الرومانسي» بعدما تخلى عنه أصحابه المفترضون (بينما يتمسك به الإسلاميون)، والأفضل أن نتواضع ونسميه الصحوة العربية المتطلعة إلى الحرية والديموقراطية والكرامة، ولكن بتردد هذه المرة بعدما فقد الربيع جذوته، ولكنها ستبقى ممثلة لضمير الشباب «المستقل» الذي خرج في 2011، والذين تواروا إلى الخلف بعدما فشل «الإخوان» في تمثيلهم خلال عام من حكمهم والتعبير عن طموحاتهم. إنهم غير مستعدين للعودة إلى الوراء، ولا بتعديل مطالب الربيع على يد المنتصرين وهم خليط بين العسكر والنظام القديم و «ثوريين» يريدون ربيعاً عربياً لهم يسعهم وحدهم من دون القوى الإسلامية.

ثمة ثلاثة تعديلات في مطالب الربيع العربي الأصلية، أولها إقصاء الإسلاميين. شادي الغزالي حرب، وهو من شباب ثورة 25 يناير وقيادي الآن في حزب الدستور وجبهة الإنقاذ، يرى أن من أهم مطالب «ثورة» 30 يونيو «منع توظيف الدين في السياسة». الترجمة الوحيدة لهذه العبارة التي تبدو بريئة هي حل أحزاب الإسلام السياسي والمضي نحو انتخابات من دونهم، وهو ما يتنافى مع روح الربيع العربي الذي يقوم على التعددية وإطلاق الحريات العامة.

التعديل الثاني «التسامح مع النظام القديم»، فالثوار الجدد باتوا يستهجنون استخدام مصطلح «الفلول» الشهير. عبّر عنها بوضوح الثوري العتيق المهندس ممدوح حمزة في تصريح تلفزيوني: «ليس كل أعضاء الحزب الوطني فاسدين»، وقال آخرون عبارة مماثلة، مثل نائب الرئيس الحالي محمد البرادعي وعمرو موسى، بينما في ليبيا، حيث حصلت ثورة كاملة، أصدر مجلسها التشريعي قانوناً يحرم حتى أبطال وزعماء الثورة ضد العقيد القذافي لمجرد أنهم خدموا يوماً في أروقة النظام، ولم يستثنِ ذلك الزعيمين التاريخيين للثورة، مصطفى عبدالجليل ومحمود جبريل.

التعديل الثالث هو التخلي عن مطلب «الكرامة والحرية» طالما أن التجاوزات تجري في حق التيار الإسلامي، بينما الأصل وفق قواعد الربيع العربي الأولى أنها لا تتجزأ ويجب أن تشمل كل مواطن، ولكن «الثوريين الجدد» في مصر يستعيدون من دون وعي قاعدة مؤسس النظام العسكري الحاكم جمال عبدالناصر «لا حرية لأعداء الحرية».

ولكن على رغم كل التشوّهات السابقة الذكر، فإن أسس الربيع العربي لا تزال قائمة نظرياً، فخريطة الطريق التي وضعها الجيش أساسها مطلب الربيع العربي الأول «الانتخابات» بمن حضر، والحاضرون من التيار الإسلامي كثر، ف «الإخوان» في الغالب عائدون إليه، ومعهم بقية تيارات الإسلام السياسي بما في ذلك حزب «النور» الشريك الصامت في الحكم الجديد، والذين سيكون لهم موقع من المبكر تقدير حجمه في البرلمان القادم، ومشاركة في الحكم... إلا إذا عاد النظام إلى استخدام ما يجيده (القوة والتزوير) وصنع «حال ديموقراطية» على مقاسه، ثم قبل الشعب بذلك. حينها يمكن نعي الربيع العربي، أما الإسلام السياسي، فيعرف حينها طريقه... تحت الأرض.

* كاتب وإعلامي سعودي

زر الذهاب إلى الأعلى