عادت ظاهرة اختطاف الأجانب في اليمن إلى واجهة الأحداث التى يشهدها هذا البلد بعد أن ظن البعض من أن صدور قانون يجرم هذه الظاهرة ويتوعد كل من يقوم بارتكابها بعقوبات قاسية من شأنه الحد من تنامي هذا الفعل الإجرامي والقضاء على دوافعه والبواعث المؤدية إليه..غير أن تصاعد حوادث الاختطاف خلال الأشهر الأخيرة قد وضع الحكومة اليمنية في موقف لا تحسد عليه أمام الداخل والخارج خصوصاً وان هذه الحكومة هي من تعهدت في بيانها الأول باجتثاث هذه الظاهرة وانها لن تتساهل في ملاحقة مرتكبيها والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة إلا ان تلك التأكيدات ظلت مجرد وعود كسائر الوعود التي استمرت تطلقها الحكومات السابقة منذ أكثر من عقدين من الزمن.. مع ان حكومة الوفاق الوطني وبحكم الظرف الحساس الذي أوكلت فيه إليها المسئولية هي بحاجة أكثر من غيرها إلى طمأنة الآخرين برسائل واضحة على ان اليمن يتجه لاستعادة أمنه واستقراره واستئناف مسيرته الإنمائية وانه الذى يسير قدماً نحو الانتقال من فكر القبيلة إلى فكر الدولة والقانون.
لقد عرف اليمن نوعين من الاختطاف والعنف ضد الأجانب الأول وهو الأغلب تقوم به عناصر قبلية إما بغرض الابتزاز والحصول على فدية مالية أو بهدف الضغط على الحكومة من أجل إطلاق بعض السجناء أو لإرغامها على الرضوخ لبعض المطالب الشخصية أو الاجتماعية ومثل هذه الاختطافات عادة ما تنتهي عن طريق التفاوض بين الحكومة والخاطفين والتسليم بمطالب من يقومون بعملية الخطف.
فيما النوع الثاني من الاختطافات فانها التي تقوم بها جماعات متطرفة تابعة لتنظيم القاعدة أو عناصر جهادية متحالفة مع ذلك التنظيم ومثل هذه العمليات وان انتهت معظمها في السابق نهايات دموية إلا انها في السنوات الأخيرة أخذت منحى جديداً يتوزع بين السياسي ودوافع الانتقام ومقايضة الضحايا بالمال.. وفيما ان هذه الظاهرة قد طالت منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي العديد من السياح والدبلوماسيين والعاملين الأجانب في اليمن فان الحوادث الأخيرة والتي تتصدرها اليوم حادثة اختطاف الصحفية الهولندية وزوجها من أحد شوارع صنعاء قبل 5 أسابيع شكلت هاجساً مقلقاً للعديد من الدبلوماسيين الأجانب مما جعل العديد من الدول تحذر مواطنيها من زيارة اليمن وهو مؤشر خطر يكرس القلق والخوف من انفلات الوضع الأمني في هذا البلد الذي يرى العديد من المتابعين ان تدفق صفقات الأسلحة إليه من كل حدب وصوب يجعل من المشهد في اليمن في غاية الضبابية ان لم يؤد إلى نتائج سلبية على التحولات السياسية وبناء منظومة الدولة اليمنية القوية القادرة على فرض هيبتها على الجميع وبالذات على قوى النفوذ القبلية التي تنازع الحكومة صلاحياتها اعتقاداً منها في أحقيتها بذلك.
وعلى الرغم من تعقيدات ظاهرة الاختطافات في اليمن والأضرار الناجمة عنها فإنها التي لم تعط الاهتمام الكافي من قبل الدولة والمجتمع فقد ظل التعامل معها كحوادث عابرة وليس كأفعال إجرامية يعاقب عليها القانون وتنبذها أخلاقيات وقيم المجتمع وبفعل هذا التعامل الذي تصطدم فيه وظائف المؤسسات القانونية والقضائية بالأعراف القبلية والتسويات التقليدية فقد جرى تعطيل مواد ونصوص قانون الاختطافات مما أسهم في تشجيع بعض الأطراف القبلية على الانخراط في مسلسل الخطف واللجوء إلى القبيلة التى تجد لديها الحماية والغطاء الذي يحول دون تجريم هذه العناصر عرفاً أو قانوناً ولابد ان الدولة بتغاضيها عن تعطيل أحكام القانون وعدم قيامها بدورها في ضبط من يقترفون ذلك الفعل المشين قد شاركت بقصد أو بدون قصد في تعقيدات المشهد ولو أن أحداً فيها قد قرأ ماجاء به العالم الجليل عبدالرحمن بن خلدون وهو الذي تعود أصوله إلى اليمن وتحديداً إلى محافظة حضرموت حول بناء الدولة لأدرك بان البلدان ذات الكيانات القبلية المتعددة يصعب فيها قيام أو بقاء ظاهرة الدولة لأن الاختلاف المتزايد في الآراء والأهواء والمصالح والعصبيات هو من يؤدي بالضرورة إلى انعدام الاستقرار وفقدان السلام الاجتماعي الذى يعد شرطاً أساسياً لقيام واستمرار الدولة.
وإذا ما كانت هذه هي نظرة بن خلدون قبل اكثر من سبعة قرون فما بالنا بمن يسعى جاهداً لإسقاط قانون الدولة ودوره في مواجهة ظاهرة الاختطافات في القرن الواحد والعشرين مع ان أفعال كهذه هي من باتت تظهر صورة اليمني كإنسان متوحش خرج للتو من غياهب القرون الوسطى.. وما بالنا بمن لا يشعر بالخجل أمام مقطع الفيديو على موقع اليوتيوب والذي ظهرت فيه الصحفية الهولندية المختطفة باكية تناشد حكومة بلادها بالاستجابة لمطالب الخاطفين قبل ان يحدث ما لا تحمد عقباه.
ومن لم يخجل أمام تلك الصورة التي كشفت عن ضعف وتآكل منظومة القيم والأخلاق والأعراف التي حمت اليمنيين في أشد لحظات غياب الدولة لا يمكن له أن يخجل من أي شيء.