فى الوقت الذى يفكر فيه المعارضون للانقلاب العسكرى ببساطة ولا يملكون سوى الاعتصامات والمسيرات السلمية والاجتهادات الشبابية في الأفكار والرؤى كأسلحة يدافعون بها عن مكتسبات ثورة 25 يناير التى يتم شيطنتها الآن لصالح انقلاب 30 يونيو فإن الانقلابيين لديهم الخبراء وغرف العمليات وإمكانات الدولة والخبرة في ملاحقة المعارضين بكل أطيافهم طيلة ستين عاما، علاوة على علاقتهم بكافة أجهزة المخابرات الدولية التى تقدم لهم التجارب والخبرات والمعلومات لقمع المسيرات والتظاهرات التى تملأ الميادين والساحات في كل أنحاء مصر بكل الأسلحة والوسائل بدءا بالتضليل الإعلامى وتقديم الرشاوى للسياسيين الفاسدين وانتهاء بإطلاق الرصاص الحى الذى أدى منذ 30 يونيو حتى الآن إلى سقوط ما يزيد على مائتى شهيد وأكثر من ألفى مصاب إصابات كثيرين منهم خطيرة.
ومن خلال مسار الانقلابيين الدموى نستطيع أن نقول إن خيار الدولة البوليسية هو السيناريو الذى بدأ تطبيقه الآن من بين سيناريوهات كثيرة لقراءة مستقبل مصر في ظل الانقلاب، وقد أشار الأستاذ فهمى هويدى في مقاله يوم الثلاثاء الماضى إلى رائحة النموذج الرومانى «الذى تمكنت فيه الأجهزة الأمنية من مقدرات البلد بعدما ثارت الجماهير على الرئيس نيكولاى شاوشيسكو، ثم تم إعدامه هو وزوجته في نهاية عام 1989. وظلت أصابع تلك الأجهزة تعبث بالشارع وتتحرك في دوائر المعارضة، وفى تشكيل ما سمى آنذاك بجبهة الإنقاذ الوطنى، إلى ان انتهى الأمر بعودة رجال النظام القديم إلى السلطة مرة أخرى» غير أن المفكر المصرى القبطى الدكتور رفيق حبيب في دراسته العميقة عن «جمهورية الخوف.. خطة الانقلاب العسكرى» تحدث باستفاضة عن سيناريو الدولة البوليسية وكان مما قاله بتصرف واختصار أن «المخطط الرئيس للانقلاب هو إعادة بناء الدولة البوليسية بشكل كامل، واستعادة دولة المخابرات من زمن جمال عبدالناصر ولا نقول استعادة دولة جمال عبدالناصر ولكن فقط استعادة جانب واحد منها هو دولة المخابرات، حيث تسيطر أجهزة الأمن والمخابرات والجيش، على مختلف مناحى الحياة وتمنع ممارسة الحريات السياسية بشكل كامل».
وأول ملامح الدولة البوليسية تمثل في إغلاق القنوات الفضائية المناهضة للانقلاب العسكرى أما بقية القنوات المؤيدة للانقلاب فهى تدار أساسا من أجهزة الأمن والمخابرات، ومع مرور الوقت سوف تضيق مساحة الحرية أكثر فأكثر حتى تصل لسيطرة كاملة على كل وسائل الإعلام تحت قيادة أمنية مخابراتية مباشرة من ممارسات الدولة البوليسية أيضا توسيع دائرة الاعتقال إلى حدود غير مسبوقة ومن خلال سيطرة الحاكم العسكرى على كل أجزاء الدولة العميقة بعد الأنقلاب العسكرى أصبح الجناح القضائى للدولة العميقة في موقف يسمح باتخاذ إجراءات خارج إطار القانون وتحت غطاء قانونى شكلى، وقد تأكد ذلك منذ اللحظة الأولى حيث بدأت التحقيقات في دعاوى ضد الرئيس محمد مرسى وقيادات جماعة الإخوان وقيادات إسلامية أخرى في محاولة لحصار كل القوى المعارضة للانقلاب وفتح السجون مرة أخرى للمئات بل للآلاف، وتصل للزج بكل معارض للانقلاب العسكرى إلى السجن، وكلما تحقق نجاح لتلك السياسة القمعية ينتقل إلى مرحلة أخرى فيتم حظر الجماعات والأحزاب المعارضة للانقلاب وهو ما يعيد دولة المخابرات مرة أخرى وتعود معها سياسة التقارير ونشر شبكة المخبرين وتتحول مصر فعليا إلى الحكم المستبد الشامل تحت قيادة عسكرية مباشرة، ويعتمد الانقلاب العسكرى على تخويف المجتمع من القوى الإسلامية وسوف تعتمد مخططات الدولة البوليسية على تغذية الشعور القومى العنصرى إلى أقصى حد ممكن لنشر حالة من التعصب القومى تفصل مصر عن أى رابط عربى أو إسلامى، أما الهدف المركزى لقادة الانقلاب فهو فض الاعتصامات والمسيرات المعارضة للانقلاب بعدها سوف تبدأ سياسة أمنية غليظة» أليس هذا ما تعيشه مصر الآن؟