يبدو ان ما سيرسو عليه مؤتمر الحوار في شكل الدولة اليمنية القادمة هو الاتحاد الفيدرالي. وعلى ما يبدو ان الإشكال الذي لازال عالقا حتى الان هو في عدد الاقاليم وليس في شكل الدولة. فهناك من يراها اقليمين يحل الاول محل ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية ويحل الثاني محل جمهورية اليمن الديمقراطي، وهناك من يراها عدد من الاقاليم ( 5 أو 6 اقاليم ) تحل محل الجمهورية اليمنية، والمقصود بالحلول هنا هو من الناحية المكانية.
الاتحاد الفيدرالي ليس بالفتح الجديد، ولا هو بالشكل الغامض الذي يحتاج لـ"تنّوير" كبير حول ماذا سيكون عليه شكل الدولة في الجمهورية اليمنية اذا ما اصبح فيدراليا، فالشكل الفدرالي هو واحد من اشكال الدولة المعروف والممارس بشكل واسع في العالم. ونموذجه لدينا في المنطقة العربية هو الامارات العربية المتحدة، ونموذجه عالميا الولايات المتحدة الأمريكية والكل يعرف ذلك.
جوهر الشكل الفيدرالي للدولة هو في وجود حكومة إتحادية ( حكومة فيدرالية ) تتولى عددا من وظائف الدولة التي يتم الاتفاق على ان تكون وظائف اتحادية مثل الدفاع والخارجية، مع وجود حكومات محلية لكل اقليم من الاقاليم المتحدة تتولى باقي وظائف الدولة التي لا تتولها الحكومة الفيدرالية، ووفقا لنظام حكم داخلي خاص لكل اقليم.
نشوء اتحاد فيدرالي يكون باجتماع عدد من الدول التي بينها " مشتركات " معينه من عرق أو دين أو اقتصاد أو غيرها، فتعمل على التوافق على دستور اتحادي معين يفوض حكومة فيدرالية بوظائف معينه من وظائف الدولة،ويضل كل اقليم محتفظ بحكومته والتي تختلف انظمة حكمها الداخلية فيما بينها، ويكون لكل منها مواردها المحلية، وينظم الدستور الاتحادي طريقة تمويل الحكومة الاتحادية، اما باستقطاع جزء من الموارد المحلية لصالح الحكومة الفيدرالية،او بتحديد موارد اتحادية خاصة بها تجبيها من الاقاليم المحلية بالتوازي مع الموارد المحلية. اوقد يتبع الاسلوبين معا لتمويل الحكومة الفيدرالية. وهنا تكون " نقطة البداية " المعتادة للوصول لاتحاد فيدرالي هو عدد من الدول أو عدد من الحكومات لأقاليم عده.
على ذلك فالوصول لاتحاد فيدرالي ليس بالأمر الصعب الذي يجب ان نسمع تفاصيله من المتعاطين مع شكل الدولة الجديدة لليمن، فهناك العديد من النماذج القائمة في العالم لهذا الشكل من الدولة يمكن من خلالها معرفه ما نحتاجه عن هذا الشكل من الدولة. والذي نحتاج سماعه هو كيفية الوصول إلى اتحاد فيدرالي في اليمن، لأنه سيكون امر مختلف بقدر كبير عن الوصول لأي اتحاد فدراي اخر في العالم، والسبب في ذلك هي " نقطة البداية " التي ننطلق منها في اليمن للوصول اليه.
اليمن – في وضعه الحالي - لا توجد به عدد من الدول كيما تقوم بالتنسيق فيما بينها لتجتمع في ضل حكم اتحادي يتولى بعض وضائف الحكم فتصبح وظائف اتحادية، ويظل غيرها من الوظائف لتتولاه حكومات تلك الدول ( الاقاليم ) كوظائف محلية." نقطة البداية " لدينا تتمثل في دولة واحده لها حكومة واحدة على اقليم واحد، والنظام والقانون اللذان يطبقان في اي مكان على ارض هذا الاقليم هما ذات النظام والقانون اللذان يطبقان في سائر الأمكنة عليه ( أو هكذا يفترض ).. لذلك نحن في اليمن امام " نقطة بداية " خاصة، وهي " نقطة بداية " جديدة ومختلفة عن بدايات الاتحادات الفيدرالية القائمة في العالم اجمع، ولسنا امام " نقطة البداية " المعتادة.
لا شك ان الهدف الذي يتم السعي اليه حاليا في الجمهورية اليمنية هو دولة اتحادية فيدرالية، وعندما يتم الانطلاق لدولة فيدرالية من " نقطة البداية " المعتادة يمكن تبسيط المهمة الى،، إيجاد حكومة اتحاديه تتولى عدد من الوظائف التي يتم التراضي على اعتبارها وضائف اتحاديه،،. اما في اليمن لكوننا ننطلق من " نقطة بداية " خاصة، ستجعل من المهمة التي نحن بصددها امرا صعبا أو غاية في الصعوبة، كون المهمة التي ستفرض نفسها نتيجة " نقطة البداية " الخاصة هذه هي إيجاد حكومة اتحادية وإيجاد حكومات محلية ايضا.
الاختلاف في " نقطة البداية " هذا يجب ان يضعه المتحاورون والمهتمون بشكل الدولة الجديدة في اليمن نصب اعينهم، فهي غائبة عن اعين الكثير منهم حاليا. واذا ما تم اخذ " نقطة البداية " هذه في الاعتبار فستختلف النظرة إلى قضية شكل الدولة في اليمن بشكل كبير، وهو امر سيأثر بشكل جوهري في القرار أو القرارات التي سيتم التوصل اليها بهذا الخصوص.
" نقطة البداية " الخاصة هذه ستضع الجميع امام عدد من الاسئلة التي يجب ايجاد اجابات لها، اذ انه لا يمكن المضي إلى دولة اتحادية في اليمن اذا اغفلناها، حتى ولو تم الاخذ في الاعتبار كافة " المرعيات " التي تتّبع عند السعي لدولة اتحادية انطلاقا من " نقطة البداية " المعتادة.
من الاسئلة التي ستضعها " نقطة البداية " هذه : هل البيئة التي يتم العمل على ايجاد دولة اتحادية فيها ( الجمهورية اليمنية ) يوجد بها من التمايزات ما يستدعي فروقات في انظمة حكم داخلية لكل جزء منها سيصبح اقليما في الدولة الاتحادية؟.. هل ستقبل هذه البيئة اساسا حكومات محلية يترتب على قيامها استقرار لهذه البيئة في المستقبل؟.. هل السعي لتغيير شكل الدولة هو الحل للخروج من المشكلات السياسية التي تعاني منها هذه البيئة اصلا ام ان حلها يحتاج امرا اخر؟.. واذا كان شكل الدولة يمكنه ان يحل الاشكالات السياسية في هذه البيئة، فهل الدولة الفيدرالية هي الشكل الامثل ام نحتاج إلى شكل اخر؟ وهل الشكل الاخر هو من بين اشكال الدولة التي يعرفها العالم اليوم ام نحن بحاجة لإنتاج شكل جديد ليكون مثاليا في هذه البيئة لكوننا ننطلق من " نقطة بداية " خاصة؟.. فيما اذا ما تم المضي إلى دولة اتحادية، فما هو حجم الكلفة اللازمة لتهيئة هذه البيئة لهذا الشكل من الدولة؟ وهل نحن مضطرون لتحمل تلك الكلفة؟ وهل سنقدر على تحملها؟ ومن الذي سيتحملها؟.. كيف سيتم توزيع البيئة بشكل مثالي يمكّن من سيعيش في اقاليمها من ان يكون مواطنا يحظى بالحقوق والظروف المناسبة للعيش؟.. كيف ستعالج الاختلالات النفوذية التي تعاني منها هذه البيئة حاليا؟ وما اثر هذه الاختلالات النفوذية على السير إلى دولة اتحادية تحظى باستقرار أنظمتها الداخلية، وبانضباط في العلاقات التي ستنشأ فيما بين اقاليمها في بيئتها الاتحادية الجديدة؟.
الاسئلة السابقة وغيرها من الاسئلة هي ما يجب ان يجيب عليها كل من يتعاطى مع شكل الدولة القادمة لليمن بشكلها المطروح حاليا ( دولة اتحادي)، وحتى نطمئن ان السير باتجاهها هو بالفعل امر مجدي للبلد. ومالم يتم الاجابة على تلك الأسئلة بوضوح فيجب ان نعلم اننا نسير معصوبي العينين ومعتقدين اننا نحل مشكلة البلد، ولكننا سنكتشف اننا وضعناه امام مشكلات مستقبلية كثيرة، ومن بين تلك المشاكل ما سيكون خطيرا جدا.