إذا كانت تصورات الأحزاب لشكل الدولة قد أتت في فريق القضية الجنوبية، فما الذي يتبقى لفريق بناء الدولة إذا..!!
إلا أن هذا الأمر يكشف مسألة مهمة فعلا، وهي أن الحديث عن إعادة صياغة شكل الدولة أنه كان نتاج فكرة كان يتبناها الحزب الاشتراكي اليمني تربط بين معالجة القضية الجنوبية وبين إعادة صياغة شكل الدولة، وليس عن نقاش جاد حول مسألة بناء الدولة وإعادة صياغة شكلها كحاجة لذلك البناء..
ولآن الأمر كان كذلك كان من الطبيعي أن تتبنى رؤية الحزب الاشتراكي اليمني إلى مؤتمر الحوار بخصوص القضية الجنوبية خيار الإقليمين بين الشمال والجنوب ومرحلة انتقالية من 3 سنوات يتم فيها مناصفة المؤسسات التنفيذية والتشريعية في الدولة ومن خلال نواب منتخبين يتم التفاوض بين الإقليمين في شكل الدولة الاتحادية، وإن لم تشر الرؤية إلى الانفصال صراحة إلا أنها تجعله السيناريو الأكثر إتاحة.. لا تختلف رؤية مؤتمر شعب الجنوب (فصيل من الحراك) عن رؤية الاشتراكي إلا في التفاصيل، أما المضمون فهو واحد وهو التهيئة من خلال مرحلة انتقالية لاستعادة الدولة الجنوبية..
إلا أن تبني خيار الإقليمين بالنسبة للحزب الاشتراكي كمقدمة لاستعادة الدولة الجنوبية مع أنها ليست بالفكرة الجديدة عليه، تذهب بالحزب إلى أن يكون حزبا جنوبيا على حساب امتداده في كل الوطن، كما تعري مسألة تنظيره للفيدرالية كحاجة في مسألة بناء الدولة الوطنية حيث تفصح عن الغرض الحقيقي وهو استعادة الدولة الجنوبية، مع أن هذا ليس بالأمر المفاجئ أيضا، حيث كان واضحا منذ بداية في الفكرة التي روج لها الحزب وربط فيها بين حل القضية الجنوبية والحاجة لإعادة صياغة شكل الدولة وصياغة دستور جديد..
للحقيقة كانت أحزاب اللقاء المشترك هي أول من وافق الحزب الاشتراكي في تبني هذه الفكرة في وثيقة الإنقاذ الوطني، إلا أنها أضافت إليها حاجة بناء الدولة، حيث أقرت إعادة صياغة شكل الدولة من حيث المبدأ، مع تضمين الوثيقة خمسة خيارات لشكل الدولة بين الإقليمين إلى الخمسة إلى الحكم المحلي كامل الصلاحيات حسب التقسيم الإداري الحالي، والخيار الأخير هو ما كان يتبناه المؤتمر الشعبي العام قبل أن يلحق بالجميع إلى فكرة الأقاليم في المبادرة التي قدمها صالح في فبراير 2011 أبان أزمة أو ثورة ذلك العام..
ولآن الأمر كان كذلك كان من الطبيعي أن تلتقي رؤيتي المؤتمر والإصلاح في المضمون حول توسيع مسألة اللامركزية أو الدولة الاتحادية إلى أكثر من إقليم كخيار يضمن الوحدة ويجنب الانفصال تحت حجة إعادة بناء الدولة الضامنة للوحدة من وجهة نظرهم..
إلا أن معالجة القضية الجنوبية في إطار الوحدة شيئ، و تهيئة الجنوب للانفصال شيئ آخر، وهذا ما لا يراد التنبه له أو الفصل بينهما حتى الآن، إذ ليس شرطا للأولى إعادة صياغة الدولة إلا أنه شرط مهم للثانية..فإصلاح أي دولة في اتجاه تحقيق المواطنة المتساوية وسيادة القانون والديمقراطة لا يشترط إعادة صياغة شكل الدولة؟!، غير أن هذا هو الوهم الذي يبني عليه الجميع رؤاهم الآن بخصوص بناء الدولة والقضية الجنوبية، كأحد المسلمات التي لم تعد تقبل الجدل. حيث هو أحد الأفكار الرئيسية التي يقوم عليها الحوار الوطني أيضا.
الجميع يتبنى الفكرة الآن، إعادة صياغة شكل الدولة، إلا أن مسألة الإقليمين لا يمكن تمريرها كفرة تخدم الوحدة، كما لا يمكن القول أن مسألة الأقاليم ترضي مطالب الانفصال. والأمر الأهم هو أن فكرة بناء الدولة التي يحاجج الجميع تحتها لا تشترط على الإطلاق إعادة صياغة شكل الدولة. لا أحد حتى الآن يمتلك الشجاعة الكافية لقول ذلك. ولا أدري كيف سيتم التوفيق بين فكرتين تتحايل كل منهما على الأخرى؟!..
فالسؤال الذي يجب أن يواجه به الجميع الآن، هو، هل الغرض من الحوار التهيئة
للانفصال الآمن للجنوب؟!، إن كان هذا ما يرغبون به، فخيار الإقليمين والمرحلة الانتقالية هو أفضل الخيارات.
أما إن كانت الوحدة هي الغرض، فهي لا تحتاج لإعادة صياغة شكل الدولة من حيث المبدأ، بل هو مهدد لها في ظروف مشابهة حيث تجتاح المجتمع الهويات والعصبيات التفكيكية لا الجامعة.. وأن ما تحتاجه بالفعل هو رد المظالم، و تفعيل سيادة القانون والمواطنة المتساوية والديمقراطية.
لكن من هو الشجاع الذي يجرؤ على قول ذلك الآن؟! فالجميع متورط في هذا الوهم، ولا يزالون يتورطون أكثر..غير أني لا أظن أن هذا الهروب الجماعي إلى الأمام في رؤى الأحزاب على طريقة جحا، يفرجها الله، (قد أموت أنا أو يموت الملك أو يموت الحمار)، أنه قد يفضي إلى حل.. فهو يعقد المسألة لا أكثر..
أتوقع أن يكون هذا صادما للبعض، فسحر "الفيدرالية" كان عظيما، ولا يزال ذلك السحر المستمر..!!