تغضب صنعاء لأن السفارات الغربية اغلقت ابوابها في العاصمة اليمنية، وبعضها تم افراغها من دبلوماسييها بترحيلهم وعائلاتهم إلى اوطانهم.
وغضب صنعاء مبرر لانه يمس كبرياء الدولة، بأنها دولة لا تحمي ضيوفها، وبأنها تتفق مع معارضة ارهابية لا تعمل الا لتهديم معنوياتها، وعلى الحكومة الاميركية التي تمارس الآن دور الفيل الذي يدخل متجر الزجاج في المنطقة، ان تفهم كيف تتعامل مع نظام يواجه اخطار البقاء، وكيان تتعاوره القبليات، والمذهبيات، والتدخلات الخارجية!!.
تغلق واشنطن سفارتها في عمان، ومع ذلك فالمواطن أو الدولة لا تجد ان ذلك مهماً، فالاميركيون احرار في «اغلاق الدكانة» أو فتحها، ولأن الامن في عبدون كالأمن في عجلون الكل يستمتع به، والنظام الاردني لا يشعر بالخطر لاغلاق سفارة أو لاستمرار التظاهر من ساحة المسجد الحسيني، فالذبابة لا تسمم وان كانت تغثي النفس.
في اليمن الآن ما يقلق، وخلال اليومين الماضيين تم قتل اربعة جنود في كمين، وتم اسقاط طائرة هليوكبتر، وعليها ثمانية عسكريين والقاعدة ناشطة في المحافظات الجنوبية، مثلما ان بقايا الاشتراكيين يتجمهرون ضد الوحدة، وفي الشمال يستمر تمرد الحوثيين، بسلاح واموال الإيرانيين، فهناك في اليمن كما في لبنان: زيدية وشوافع، وهناك وحدويون وانفصاليون، وهناك قبائل كبرى ولكل قبيلة جيشها، وكان كل ذلك تحت سيطرة علي عبدالله صالح الذي عرف كيف يتعامل مع حاشد وبقيل، وكيف يهزم الانفصال وقد كانت تؤيده وتسلحه وتموله دول عربية مع الأسف... مع انه دخل الجيش اليمني برتبة أقل من رتبة الضابط واصبح قائده الأقوى!!.
كان «الديكتاتور» - وعفوا للشتيمة - يعرف ان يتعامل مع الداخل، ومع مجلس التعاون الخليجي ومع الاميركان سواء بسواء، فمهنة الحكم هي مهنة العربي الذكي الذي لا يحتاج إلى جامعة هارفرد ليفهم لعبته، وحين اختار الكثيرون ان يرفعوا شعار ارحل ليتخلصوا من علي صالح، لم يهرب الرجل، ولم يقدم تنازلات وإنما ضمن استمرارية الدولة والنظام، وقبل مبادرة مجلس التعاون الخليجي، فصار نائبه رئيسا، وبقي حزبه في البرلمان ويشكل نصف اعضائه، وشارك في الحكومة الانتقالية الجديدة.
قال المعارضون ان ابناء علي صالح يسيطرون على الجيش، وللرجل ابن واحدا قرر رئيس الجمهورية نقله من قيادة الحرس الجمهوري إلى سفارة يمنية في الخليج فأطاع، وبقي الجيش جيش الدولة، وهذا يغضب الانفصاليين، ويغضب الحوثيين ويغلب الذين ادمنوا مظاهرات عام كامل في صنعاء.
كنا في رحيل السفارات فصرنا في حكاية ابريق الزيت التي تتلوها الان عواصم الربيع العربي، وكل عام ونحن بخير.