آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الأستاذ سليمان العيسى

صادقون إلى أبعد مدى هم أولئك الذين يعترفون بأن الحوادث المؤلمة تفقدهم القدرة على التعبير، وهذا ما أشعر به دائماً عند فقدان كل عزيز، وما أشعر به الآن أكثر من أي وقت مضى في محاولتي أن أكتب شيئاً عن رحيل شاعر العربية الكبير الأستاذ سليمان أحمد العيسى ، فقد كان بالنسبة لي وللعشرات من الشعراء والمبدعين أباً وأستاذاً ورمزاً وكان في مواقفه وفي شعره وفي سلوكه وإنسانيته نموذجاً يعز نظيره في الواقع العربي الذي امتلأ بالمزيد من تجَّار الحروب وتجار الحروف ومن بائعي الضمائر والمشاعر بأبخس الأثمان. كان في استطاعته وهو من مؤسسي الحزب الذي حكم في قطرين عربيين كبيرين أن يصل إلى أعلى المستويات في السلطة لكنه اختار طريقاً مخالفاً ومختلفاً وعاش في "بدرومه" المتواضع سنوات طويلة قبل أن ينتقل إلى هذه البلاد التي يعدها جزءاً لا يتجزأ من وطنه الكبير.

كثيرة جداً هي الصفات التي شدتني إلى هذا الشاعر الكبير ومن أبرزها أنه يكاد يكون الشاعر الوحيد الذي يخالف السائد في الأوساط الأدبية القائمة في جانب كبير منها على الأنانية المفرطة والتنافس المقيت، وأحياناً على مجالس النميمة والتحذلق، كان شديد الترفع عن هذه العادات السائدة بين العديد ممن ينتمون إلى عالم الأدب، وعندما كان يسمع أحداً يهاجم شخصاً آخر يسد أذنيه أو ينصرف عن المجلس فوراً حتى لا يكون شاهد زور على ما وصلت إليه الحياة الأدبية في أقطارنا العربية من انحطاط في القيم الأخلاقية التي هي جوهر العمل الإبداعي ومنطلقه الروحي والاجتماعي. وعلى مدى الفترة التي أمضاها هنا في (مهد العروبة) كما كان يحلو له تسمية هذه البلاد، لم اسمعه يوماً يتحدث عن أي إنسان بما لا يليق بما فيهم أولئك الذين كانوا يخاصمونه ويناصبونه العداء.

ولد الأستاذ سليمان أحمد العيسى في قرية عربية بالقرب من أنطاكية عاصمة لواء الأسكندرون الذي منحه الانتداب الفرنسي البريطاني هدية للنظام التركي الذي قام على أنقاض دولة الخلافة. وكان والده الشيخ أحمد يشرف على مسجد القرية ويقوم بتدريس أطفالها وأطفال القرى المجاورة القرآن الكريم واللغة العربية، وكان يحرّض أبناء اللواء العربي على الاحتفاظ بلغتهم العربية بوصفها الهوية الجامعة والآلية التي تمكنهم من استيعاب القرآن والتمكن من فهم العقيدة. ومنذ طفولته بدأ الشاعر الكبير سليمان العيسى في كتابة الشعر والتغني بالعربية والعروبة وكان أبوه فخوراً به وحريصاً على أن لا يقع في قبضة السلطات التركية التي تقاوم اللغة العربية وتسعى إلى تتريك العرب في الأجزاء الجنوبية من تركيا وقبل أن يبطش المتعصبون الأتراك بالشاعر الناشئ طلب منه والده ومن عدد من الشبان الذهاب إلى دمشق حصن العروبة وهناك تألق نجمه وتعمّقت شاعريته.

لقد عاش الشاعر الكبير حياته كلها في خدمة قضيتين على درجة عالية من الأهمية، هما: قضية الوحدة العربية التي لا أمل للعرب بدونها من الخروج الآمن والعاجل من حالة التخلف والشتات ومن تجاوز أطماع الأعداء ومؤامراتهم التي لم تتوقف منذ قرون. أما القضية الثانية فقد كانت قضية الطفولة بأبعادها التربوية والمعرفية، فالأطفال هم المستقبل وعليهم تتوقف أحلام التغيير ومشاريع التطور والبناء. ومن المؤكد أن التمزقات الراهنة وما سبقها من محاولات غادرة لإطفاء مصابيح الحلم الوحدوي قد أرهقت الجسد العليل لشاعر هاتين القضيتين، وإن لم تتمكن من إطفاء بريق الأمل في ارتعاش النظرات الأخيرة للنسر العربي الذي ظل محلقاً في الأعالي لا يعرف قلبه الصامد أي معنى للتشاؤم واليأس، تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه.

الشاعر همدان زيد دماج في ديوانه الأول:
يُعدّ الدكتور همدان زيد دماج واحداً من المبدعين الشبان القلائل الذين تتنوع مواهبهم وتتعدد اهتماماتهم وتتوزع بتوازن يثير الإعجاب بين الإبداع والبحث العلمي. فهو باحث متمكن، وكاتب قصة فريدة في مستواها الموضوعي والفني. وديوانه الأول الصادر عن دار (أروقة) بعنوان (لا أحد كان غيري) يقدمه شاعراً مبدعاً ويشكّل إضافة حقيقية إلى ديوان الشعر العربي الأحدث بكل ما يحمله من طموحات ويبشر به من مغامرات من شأنها أن تفتح آفاقاً لا نهائية لهذا الفن الجميل.

تأملات شعرية:
آه،
بائسةٌ كلمات الوداع
ويابسةٌ،
سلب الحزن ما كان فيها من الاخضرار،
وفي مائها من حياهْ.
شامُ:
إن الذي كان قبل الوفاةِ
حديث الملايين
سوف يظل حديث الملايين
بعد الوفاهْ.

زر الذهاب إلى الأعلى