يريدون أن يقولوا لنا من القاهرة إن القوة الغاشمة هي القانون الوحيد السائد في الحياة، يريدون أن يقولوا لكل العرب: «لا تحلموا بالديمقراطية والتغيير السلمي والحريات ف2011م لحظة عابرة في تاريخ طويل من هيمنة التغوّل والوحشية والمخابرات والفاشية العسكرية وسياسة الكعب الحديد وكسر العظم السائدة في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه» يريدون أن يقولوا لنا بلغة الصلف والوحشية والدم والقهر: «إن لا مجال للعدالة والديمقراطية والإنصاف والعقل والمنطق والآدمية».
يريدون أن يقولوا لنا: «لا تصدقوا الله والأديان والنظريات والثقافات والفلاسفة والمفكرين والإرث الإنساني كله الذي يتحدّث عن الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة؛ فالتاريخ ينتقل من ظلم إلى ظلم أفدح، ومن استبداد إلى استبداد ألعن، ومن وحشية إلى وحشية أقبح منها أيها المغفلون».
المستبد حسني مبارك أرسل مجموعة من الخيول والجِمال لقمع اعتصام ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير؛ وعبدالفتاح السيسي أرسل الدبابات والطائرات والرصاص الحي، وأحرق رابعة العدوية بمن فيها، ولا تُسلّم جثة الشهيد إلا بتوقيع ذويه على شهادة يدوّن فيها سبب الوفاة: «انتحااااار»..!!.
يريدون أن يقولوا لكل العرب ما قاله الرائي الثاقب «زرقاء اليمامة» أمل دنقل: «لا تحلموا بعالمٍ سعيد، لا تحلموا بعالمٍ سعيد؛ فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد؛ وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى ودمعة سدى».
بهذه الوحشية المفرطة والزائدة عن الحاجة يريدون أن يُطيّروا من رؤوس الـ350 مليون عربي «الشويتين» ديمقراطية، وحقوق وحريات، وتداول سلمي للسلطة «الشويتين» التي دخلت رأس العربي على غفلة من التاريخ وفي ظل دوخة «المهيمنين الدوليين» في ربيع 2011م.
ما تفعله الفاشية العسكرية في مصر ليس فقط انقلاباً عسكرياً؛ بل محاولة لاجتثاث واستئصال تيار سياسي بالعنف الشامل وإرهاب الدولة؛ إلى ذلك يبرز هدف ثالث يلبّي حاجة السلطة البوليسية العسكرية في الداخل والداعمين الإقليميين والدوليين، هذا الهدف الثالث يتوخّى ترويع كل الشعوب العربية وكسر الأمل الذي تخلّق في ربيع 2011م بإمكانية التغيير وإسقاط الأنظمة المافيوية بواسطة الاحتجاج السلمي والاعتصامات والمظاهرات.
يهدف النظام الرسمي العربي الذي اهتزت أركانه في ثورات الربيع العربي إلى تربية الـ350 مليون عربي حتى ينصاعوا بشكل نهائي لقدرهم الذي لا مفر منه؛ والكف عن وهم الإرادة الشعبية كمرجعية لشرعية الدولة وتأسيسها ابتداءً؛ وشرعية النخب والجماعات المتداولة لإدارتها دورياً وفق الشرعيات الانتخابية المتغيرة.
تتطلّع الفاشية العسكرية الجديدة/القديمة إلى إبعاد «السلطة» مجدّداً عن الإرادة الشعبية وبشكل نهائي بعد أن اهتزت هذه الحتمية التاريخية العربية بثورات الربيع العربي التي نسفت التأبيد والتوريث تمهيداً لنسف أسس النظام الرسمي العربي بكافة تفاصيله، ومن أجل هذا الهدف ينسفون كل قواعد ومبادئ الحياة ابتداءً وعنوانها الأبرز: حق الحياة المكفول لكل البشر؛ وليس فقط مبادئ وقواعد الديمقراطية والحياة السياسية.
ومن هنا لابد من التمييز بين مستويين من النقاش والجدل والسجالات المتنوّعة حول الحدث المصري وتأثيراته، المستوى الأول هو الموقف من جماعات الاخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي سواءً أتفقنا مع توجهاتها أم اختلفنا معها حول كل المفردات المتعلقة بالنشاط العام والسياسة ورؤاها للدين والمجتمع والسياسة وغيرها من التفاصيل.
والمستوى الثاني من الجدل والسجال والنقاش حول الحدث الراهن الذي يهدر قواعد اللعبة كلها في جانبها المتعلق بالديمقراطية والحريات أو حق الحياة وهو الأهم، حق الحياة مكفول لكل البشر.. وفي القاهرة مجازر جماعية ليس بالإمكان تغطيتها بالإعلام المضلل ولا تزييفها بالتعصب الفكري الذي يقبل بإهدار حياة الخصوم واختلاق المبررات لتمويه «إرهاب الدولة» الذي تمارسه الفاشية العسكرية هناك.
الإخوان يُقتلون ويُسجنون وينكّل بهم الآن لأنهم قبلوا الديمقراطية وعناوينها «الحريات، التداول السلمي للسلطة، حقوق الإنسان» هذه هي العناوين الأساسية التي تشكّل الإطار الناظم لاحتجاجاتهم، ومن لا يستطيع رؤيتهم سوى من صورتهم الثابتة في ذهنيته الرافضة لهم سيبحث في فعاليتهم عن شعار هنا «إسلامية إسلامية» أو لافتة هناك «الشريعة» ليصعدها من هامش ثانوي في إطار اللحظة الاحتجاجية الراهنة إلى سمة أساسية للحدث نفسه الذي يدور حوله الجدل ويستهدف الإخوان بسببه.
الاستئصال والاجتثاث لن يقتصران على الإخوان؛ بل سيشملان حريات كل المصريين وإراداتهم وديمقراطيتهم التي اكتسبوها في ثورة 25 يناير وأمن مصر واستقرارها.. دعكم طبعاً من الكائنات المجهرية والتكوينات الصالونية؛ فهذه لا تحتاج إلى اجتثاث؛ لأن صوتها العالي الآن في زفة الانقلاب يؤشر إلى حاجة السلطة البوليسية للبراويز والإطارات، ولا يؤشر إلى ثقلها على الأرض وتأثير تياراتها.