أرشيف الرأي

خطاب مفتوح للرئيس هادي!!‏

لا خلاف على أن الرئيس عبدربه منصور هادي كان ذكياً وموفقاً حينما كرس العام الأول ‏من رئاسته لإطفاء الحرائق وتهدئة التوترات وغليان الانقسام في المشهد السياسي في اليمن ‏الذى خرج من أزمة 2011م مثقل بعوامل الاحتقان وعدم الثقة وانفعالات أزمة تعددت ‏مساراتها ومرجعياتها ومشيخياتها السياسية والاجتماعية. ‏

وأن الرئيس هادي أحسن صنعاً عندما أدرك مبكراً انه ومهما كان حجم الدعم الإقليمي ‏والدولي المسنود به فإن هذا الدعم يصبح دون معنى إن لم يجر توظيفه بشكل سليم لخدمة ‏الأهداف الوطنية الآنية والمستقبلية وإنجاز التحول التاريخي الذي يخرج اليمن من نفق ‏الأزمات والصراعات الداخلية ورواسب الماضي السحيق ولابد وأن الرئيسهادي قد لمس تماماً ‏مدى تجاوب الناس مع هذا التوجه واستعدادهم للتضحية من أجل الوصول إلى المخارج الآمنة ‏من المأزق الذي يحيط بالبلاد والعباد كما أنه الذي لمس عن قرب آن الغالبية العظمى من أبناء ‏هذا الشعب قد تحملوا اكراهات المرحلة الانتقالية بصبر وجلد وروية يحسدون عليها بعد أن ‏شعروا أن لحظة الفرج التي حددوا لها.‏

موعداً هو 18 من سبتمبر الجاري هي آتية لا محالة بخروج مؤتمر الحوار في هذا اليوم ‏بخارطة طريق ترسم ملامح مستقبلهم وتؤسس لعقد اجتماعي متين يحررهم من مخاوفهم ‏وتخيلاتهم وجحيم القلق الذى ظل يحوم فوق رؤوسهم على مدى أشهر الحوار الستة.‏

ولابد وأن الرئيس هادي أيضاً يعلم علم اليقين أن معاناة الناس التى تتوزع بين الفقر والبطالة ‏وتراجع مستويات الخدمات الصحية والتعليمية والأداء التنموي والاقتصادي والحكومي بكل ‏مفاصله، ناهيك عن المعاناة الناجمة عن الانفلات الامني وفوضى انتشار السلاح وتهديدات ‏اعمال الارهاب قد وصلت إلى درجة خطرة وشديدة القتامة ومع ذلك فهناك من لازال يعمل ‏بكل مكر وخبث على اطالة هذه المعاناة والدفع بها نحو الانفجار اما عن طريق وضع العراقيل ‏امام مؤتمر الحوار واستثمار كل ما يراه من اوراق لكسب الصراع والضغط على الطرف ‏الآخر أو عبر الانحراف بهذا الحوار إلى حيث ينصب الشيطان رايته.‏

وإذا كان من المسلم به أن الرئيس هادي يحمل الكثير من النوايا الطيبة ويسعى جاهداً إلى ‏انتشال اليمن من وهدة الهوة السحيقة التي قد ينزلق اليها وأنه الذي لا يريد الا الخير لوطنه ‏وتشهد على ذلك السيرة المتزنة للرجل، لكني شخصياً كمواطن أتمنى عليه التوقف عن مهادنة ‏الطرف الذي صار يتلاعب بصورة مكشوفة بمصير مؤتمر الحوار الذي يرتبط به مصير هذا ‏البلد بأكمله, خصوصاً بعد أن حول ذلك الطرف مؤتمر الحوار إلى ساحة رماية مفتوحة على ‏كل المصطلحات التي تذكي النعرات المناطقية والاحقاد والضغائن بين ابناء الوطن الواحد.. ‏كما أتمنى على الرئيس هادي ككثير من المواطنين البسطاء ألا يخضع بأي شكل كان لأي ‏جهة أو مكون أو فصيل أو حزب يحاول الإضرار بمصالح البلد الذى أؤتمن عليه لاعتبارات ‏نفعية أو انتهازية تتعدد بتعدد أمراض المجتمع المزمنة جهوية ومناطقية وشطرية ومذهبية ‏حتى لا يصبح مثل هؤلاء سيفاً مسلطاً على رقاب هذا الشعب الصابر والموجوع.‏

وفي مخاض عسير كهذا وإن اقتضى من الرئيس هادي أن يقف في بعض الوقت على نفس ‏المسافة من الجميع لما من شأنه الحفاظ على شعرة معاوية مع كافة الفاعلين السياسيين على ‏الساحة الوطنية فإن هذا النهج لا ينبغي له أن يصبح بديلاً عن (الدبلوماسية الناعمة) التي تعتمد ‏أسلوب (العصا والجزرة) والتى نجد أنها قد تفيد أكثر من غيرها في حلحلة الملفات الساخنة ‏وبالذات ملف القضية الجنوبية الذى بات أخطر ما يتهدد نجاح مؤتمر الحوار وكذا عملية ‏الوفاق السياسي سيما إذا ما استمر استكبار الحراك الجنوبي على الشراكة الوطنية وظل ‏أطرافه المأسورون بالايدلوجيات يتوزعون الأدوار على حساب هذا الوطن ووحدته وامنه ‏واستقراره.. حيث نجد منهم من يعمل على إغواء بعض الأطراف الإقليمية والدولية بمغريات ‏الشراكة في النفط والغاز واخر بجعل سوق الجنوب المنفصل حكراً لبضائعه وثالث يتنازل ‏عن السيادة الوطنية ولا يرى مانعاً أن يغدو الجنوب قواعد عسكرية لكل من سيدعمون ‏انفصاله.‏

ولعل الرئيس هادي لا يجهل أنه ومع كل يوم يمر على الاحتقان في اليمن تختفي وجوه ‏وتبرز وجوه جديدة اشد تطرفاً من المتاجرين بالقضية الجنوبية وسماسرة الحروب وقد علمتنا ‏التجارب في اكثر من صراع داخلي ان نجد الوصوليين والحكماء والانتهازيين والعقلاء ‏والمتآمرين والمصلحين كما هو حال الكثير من الاطراف الذين يتغزلون باليمن ووحدته ‏ويلعنون الانفصال والداعين اليه في النهار فيما يمضون ليلهم بالتخطيط لهذا الانفصال ‏والانغماس في مخططات تفوح منها رائحة الفتنة والدم والخراب.‏

اليمنييون الخائفون على وحدتهم ووطنهم واستقرارهم من حقهم على الرئيس هادي الذى ‏توافقوا على شخصه ومنحوه ثقتهم ان يسمعوا منه ما يطمئنهم ويهدى من مخاوفهم على ‏مستقبلهم وذلك بمصارحته لهم بموقفه من الاملاءات والشروط التى يتمسك بها فريق الحراك ‏الجنوبي والذى اعاد احياء الظاهرة الصوتية للانفصال التى بدأت تخبو وتتلاشى في الشارع ‏الجنوبي عبر منبر مؤتمر الحوار حتى ظن البعض ان هذا المؤتمر اصبح معنياً في تحويل ‏الانفصال من ظاهرة صوتية إلى فعل حقيقي على الارض..‏

‏ حيث وان مثل هذه المصارحة صارت ضرورية حتى يعلم الجميع اين تقف سقوف الحوار ‏واين يمكن لها ان تنتهي خصوصاً وقد أصبح الجميع مقتنعاً بأن هناك طبخات للساسة وهناك ‏طبخات للخارج ول ايدري أحد أي الطبختين تنضج الأخرى في مطبخ صارت فيه كل ‏الخيارات واردة وكل الاحتمالات ممكنة رغم قناعتنا بأن الرئيس هادي بما يمتلك من شرعية ‏شعبية ودعم اقليمي ودولي قادر على ايقاف اللعبة السمجة التى يمارسها الحراك الجنوبي ‏بهدف خلط الاوراق واعادة الاوضاع إلى المربع الاول وان الرئيس هادي بمقدوره تصحيح ‏الخطأ الذي وقع فيه القائمين على مؤتمر الحوار عندما اعتبروا فريق الحراك الجنوبي المكون ‏من 85 عضواً ممثلاً للجنوب فيما الجنوب ممثل بأكثر من 280عضواً من قوام المشاركين ‏في الحوار والذين تم اختيارهم من احزابهم ومنظماتهم ومكوناتهم على اساس هذه الصفة ‏فكيف يختزل تمثيل الجنوب في فصيل واحد وتنزع هذه الصفة عن الشخصيات الجنوبية ‏الاخرى التي يهمش قراراها وموقفها بشكل غريب ومريب.‏

للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبارة معروفة تقول (من لايحزن على تفكك الاتحاد ‏السوفيتي السابق لا قلب له ولا وطنية) وفي حالنا فمن لا يحزن على اليمن الموحد لا عقل له ‏ولا قلب ولا ضمير لانه يضحي بمستقبل وطن وامة من اجل سواد عيون بعض المغامرين ‏والمقامرين الذين وادوا دولة الجنوب عام 1986م وهربوا إلى الوحدة ويسعون اليوم إلى ‏تخريب اليمن باكمله ليس لشيء وانما لانهم وجدوا في ذلك وسيلة للثراء والظهور والزعامة .. ‏ومخطئ من يظن ان المشكلة هي بين اليمنيين وان هناك خلاف فعلي بين الشمال والجنوب ‏سواء على السلطة أو الثروة وكأني في ذلك استلهم ذلك الصحابي الذي قال (كان الناس يسألون ‏رسول الله صلى الله وعليه وسلم عن الخير وكنت اساله عن الشر مخافة ان يدركني الاشرار).‏

زر الذهاب إلى الأعلى