لم يعد يفصلنا عن الجلسة الختامية سوى القليل من الوقت الذي بات أبناء اليمن يتطلعون فيه إلى مخرجات الحوار الوطني في قضايا متعددة ومن بينها شكل الدولة والقضية الجنوبية ومن الواضح الذي أفرزته الرؤى المقدمة أن الفيدرالية هي خيار أغلب القوى السياسية ما عدا الرشاد الذي قدم رؤيته لحل القضية الجنوبية وفق سلسلة من الإجراءات التمهيدية والاستحقاقات في المحافظات الجنوبية وصولا إلى نظام لامركزي وحكم محلي كامل الصلاحيات وهو ما أدى إلى أن تقوم رئاسة المؤتمر بخرق النظام الداخلي باستبعادنا في اللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية بناء على الرؤى التي تقدمنا بها ولكي تسير الأمور في الطريق المحدد سلفا.
فقد أقدمت رئاسة المؤتمر أيضآ باستبعاد أعضاء من الحراك الجنوبي المشاركين في القضية الجنوبية من ذوي الميل إلى رأي مخالف للتوجه المرسوم ليحل محلهم أخرون من الحراك الجنوبي ليسوا مشاركين في فريق القضية الجنوبية, وهي خطوة قوبلت باستياء شديد من جملة من أعضاء الحراك في القضية الجنوبية كونها تعد خرقا للنظام, وإقصاء لأعضاء في الفريق يفترض ألا يستبدلوا بغيرهم من خارج الفريق.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل الفيدرالية حل أم كارثة؟
في تقديرنا أن القوى السياسية التي قدمت رؤيتها حول النظام الفيدرالي قد انطلقت في ذلك من ضغط اللحظة الراهنة ومن طبيعة التركيبة لأعضاء المؤتمر التي لم تقم ابتداء على معايير موضوعية بقدر ما روعي فيه مصالح القوى المتصارعة وتطلعاتها بعيدا عن الهموم التي يعاني منها أبناء الشعب في شماله وجنوبه بينما نحن في الرشاد كان تقديرنا مختلفا باعتبار أننا غير مكبلين بالتزامات تخالف قناعتنا المحضة ولا شركاء في حكومة الوفاق الوطني القائمة على قاعدة (شركاء متشاكسون) لأجل هذه الحيثية فقد كانت رؤيتنا لحل القضية الجنوبية تستلهم المعاني الآتية:
أولا:- رصد وقراءة المستقبل المرسوم للخارطة اليمنية الذي بات بالنسبة لنا يقترب من الظن الراجح إن لم يكن يقينا أن قوى خارجية وبأياد داخلية تسعى جاهدة إلى تهيئة الأجواء والمناخات للصراعات المختلفة مناطقية وطائفية وغيرها بغرض الوصول إلى تفتيت اليمن وتجزئته خدمة لمصالح وأجندة تستهدف المنطقة العربية عامة واليمن خاصة.
ثانيا:- تقييم ودراسة النظام القائم الذي بات من الهشاشة بمكان لم يسبق له مثيل منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وهو ما يتجلى في عجز الدولة وفشلها في أن تبسط نفوذها في بعض محافظات اليمن كصعدة وغيرها معتبرين أن السير في طريق الفيدرالية يتطلب قوة في المركز وجيشا موحدا ونظاما قائما على الاكتفاء الذاتي في موارده بعيدا عن الاعتماد الكلي أو شبهه على المعونات الخارجية.
ثالثا:- لقد أكد الخبراء وذوو الاختصاص أن النظم الفيدرالية تتطلب قدرا كبيرا من الموارد المالية والإمكانيات المختلفة هذا عدا عن دراسة الجوانب الموضوعية والعلمية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وجغرافيا دون التعويل على مجرد الرغبات الجانحة لدى بعض النخب السياسية المتسابقة على النفوذ وتقاسم الكعكة التي حتما ستؤدي إلى مزيد من المعاناة لعامة الشعب في مختلف جوانب حياته اليومية في ظل غياب شبه كامل لأدنى خدماته الأساسية وحقوقه العامة.
لأجل هذه الأسباب وغيرها فقد أوضحنا في رؤيتنا في حل القضية الجنوبية المقدمة إلى مؤتمر الحوار الوطني ما نرى أنه يعفينا أمام الله أولا ثم أمام شعبنا من أي تداعيات لاحقه سواء فيما يتعلق برؤية تقسيم اليمن إلى إقليمين أو عدة أقاليم منطلقين في ذلك كله من المسؤولية الشرعية والوطنية التي تحتم علينا أن نعتصم بحبل الله جميعا وأن لا نتفرق وأن نفوت الفرصة على المتربصين بأمن واستقرار اليمن وسيادته وأن نحرص على أن يكون اليمن موحدا يسوده العدل للجميع دون اقصاء أو ممارسة ظالمة لأي أحد مهما كان وفي أي مكان وجد على أرض اليمن فإن أصبنا فمن الله وحده صاحب الفضل والعطاء وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان . والله ورسوله بريئان من ذلك.
سائلين من الله التوفيق والسداد للمسلمين عموما ولأبناء اليمن خصوصا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
*رئيس اتحاد الرشاد اليمني