اختلف القوم في فندق موفمبيك صنعاء حول الأقاليم، فمنهم من يريد تقسيم اليمن إلى اثنين، ومنهم من يريد تقسيمها إلى أكثر، على أن هذا التقسيم الفدرالي يقتضي أن يكون لكل إقليم دستور وشعب وأرض وحكومة وبرلمان وقضاء. ثم تتوحد هذه الأقاليم والسلطات والمراكز وتكون هيئة موحدة تمثلها أمام الخارج تسمى «الدولة الاتحادية». في صورة تشبه الجامعة العربية، غير أنها تتمتع بصلاحيات أزيد، فتشكل جيشاً وتمثل الشخصية الدولية وتتحكم بنسبة من الثروة. والله أعلم من أين سيتم تكوينها بعد تقسيم الإقليم اليمني إلى أقاليم مستقلة ذاتياً؟ ثم من أين سوف تستقر هذه الأقاليم؟ وأين بنيتها التحتية؟.
الأرجح أنها ستكون عواصم ضعيفة جداً، وكل عاصمة تتبع مركزياً إحدى العواصم الخارجية، فعلى سبيل المثال، المكلا تتبع واشنطن، عدن تتبع لندن، صعدة تتبع طهران، وصنعاء حرب بين صالح والحوثي والإصلاح والقبائل والمواطنين. وبسبب العاصفة المناطقية والسياسية ينقسم الجيش ويغتال ضباطه البارزون وتنهار الدولة في جميع المناطق وصولاً إلى عودة اليمنيين إلى الحلقة الأولى ممثلة في القبيلة.
هنا سوف يتدخل المجتمع الدولي لحماية مصالحه، وقد يكون هذا قريباً: تدخل عسكري لحماية المناطق النفطية والسيطرة على باب المندب واحتلال أهم المواقع الاستراتيجية خصوصاً بعد قيام القاعدة بأية «عملية إرهابية»، مثلاً، ثم من خلال مكاتب في أهم العواصم سيقومون برعاية أمراء الحرب والمشايخ والإقطاعيين. وستهب عاصفة من الانهيارات تقضي على الأحزاب والعملاء والانفصاليين معاً.
إذن نحن أمام وصفة قاتلة، ستعيدنا إلى الوراء في كل الخيارات. استهداف الدولة الآن يجري بالضرب بالمطرقة على رأسها في صنعاء، وشد الأطراف من شمال الشمال والجنوب الشرق. ولا يوجد مؤشر أن أي من الأطراف ستكون رابحة. فالمرحلة كما هو واضح استغلال الثغرات والأخطاء والخلافات السياسية لإعادة المجتمع إلى الصفر وتحويل الخلافات من حزبية إلى طائفية ومناطقية. تماماً مثلما تم تحويل المبادرة الخليجية من محاولة تسوية بين ثورة ونظام وسلطة ومعارضة لتصبح جنوباً وشمالاً.
المسألة لا تأتي صدفة؛ بل سارت كما هو مخطط! كما لن تتوقف في اليمن بل هي دائرة تدور حول العرب!. يتم إسقاط جميع الدول العربية سلمياً، صناعة أنظمة ديكتاتورية تؤدي إلى ثورة، وساعة الصفر يتدخل الخارج الحنون للفصل بين الداخل المتقاتل. ويبدأ بتقطيع البلاد تحت مسميات وشعارات رنانة. الفدرالية ليست من اختراع اليمنيين بل هي اختراع بريطاني قديم حاربته حركات التحرر العربية، ثم عندما نام المشروع الوطني وتحول إلى خلافات سياسية. نفذت إيران وبريطانيا وأمريكا خطة مشتركة: فالأولى تكفلت بأحياء نواة مذهبية في الشمال، وبريطانيا ومعها إسرائيل تكفلتا بإحياء مشروع الانفصال في الجنوب. وتكفلت أمريكا بضرب المركز في صنعاء من خلال دعم التوريث وفرض سياسات على النظام بإقصاء المعارضة والجرعات السعرية والتدخل بالجيش والأمن، والتواصل مع المعارضة عبر منظمات المجتمع المدني وغيرها لترسيخ معتقدات هلامية. وهكذا أصبحنا اليوم أمام شبح الانهيار والتمزق.
لا أقاليم ولا دولة اتحادية ولا دول انفصالية ولا هم يحزنون. كل ما يجري الآن هو الإجهاز على هذه الدولة وانضمام اليمن إلى دائرة الفوضى الخلاقة. فالفدرالية وصفة سم قاتلة تجعل أي بلد لا يقوم مجدداً، استخدمت في العراق والصومال والسودان. فالبلد الموحد الذي يتفدرل سيدور في حلقات داخلية مفرغة ويتم تشتيت جهد الناس في بناء الدولة لينشغلوا في بناء الأقاليم التي لن ينتهوا من بنائها!
همسة:
المشكلة العربية الأساسية في غياب دولة مركزية؛ فالعرب مجتمعون يصلح أن يكونوا دولة مركزية قوية في ظل فدرالية في الأقطار. أما عندما نأتي لتطبيق الفدرالية داخل القطر الواحد. فهذا يعني أننا نحول البلد إلى كوكب ونعود إلى حلقات أدنى هربنا منها، التعزي، اليافعي، الزيدي، التهامي، حلقات الماضي ندور حولها. كما يدور الصوماليون حول أنفسهم.
الهارب من الصومال الفدرالي كالذي ينفذ إلى كوكب آخر بعملية معقدة، يمشي على الأقدام من باب المندب إلى صنعاء ويصل إليها ويقبل ترابها. ما أروع هذه الدولة وهذا الشعب المتعايش الطيب.
ومن حسن حظه أنه انشغل بالرصيف ولم يشاهد اليمنيين النخبويين وهم يلعنون الدولة المركزية ويتحدثون عن فشل الدولة. هم لا يعلمون أي مصيرٍ ينتظرهم بعد أن يذبحوها.
لا؛ لم تفشل هذه الدولة. الذي فشل هو السياسيون. يسير المواطن في صنعاء وفي أي مدينة لا يسأله أحد من أين أنت ليقضي مصلحة.. لولا الحراك والحوثي. تدخل الجامعة أو أي عمل أو مصلحة فيكون صديقك الأول من محافظة أخرى، تنسى من أين هو.
ما أروع هذه الدولة لولا فشل السياسيين..! انقذوها قبل أن تغرق لاقدر الله!. لازال الوقت ممكناً.