كمواطن يمني أعيش مرحلة صراع فكري ونفسي كبيرين بسبب ما آلت إليه الأوضاع في بلادي من تشظي وغياب للوعي والمنطق وحتى الأعراف .. وأنا أتذكر أيام دراستي الابتدائية والمتقدمة وتحديداً مادتي التأريخ والوطنية بالإضافة إلى سماعي للإرشادات والمواعظ الدينية والوطنية طيلة فترة العمر الذي أنقضى منه الكثير كل ما أتذكره من تلك الدراسة والمعرفة أن ثورتي سبتمبر في الشمال وأكتوبر في الجنوب قامتا من أجل التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما ودعتا إلى تحقيق الوحدة اليمنية كنتاج لثورات أخلاقية ضحى لأجلها الآباء من المناضلين بأرواحهم ورووا بدمائهم أرض الوطن وأن أي دعوات تمزيقية تتبناها وتدعوا إليها القوى الاستعمارية .. هكذا قرأنا وسجل التأريخ !!
الملفت للنظر أن تلك الثورات قامت في ظل جهل وتخلف وفقر ومعاناة في كلا الشطرين بل وأن من قاموا بها لم يكونوا يحملوا مؤهلات علمية عالية ومستوى ثقافتهم ليس بالقدر الكبير كالذي نعيشه هذه الأيام فهناك الكثير من المتعلمين بل وأصحاب شهادات عليا في جميع التخصصات ومستوى الوعي والثقافة مرتفع مقارنة بأيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر لعدة أسباب الجميع يعرفها..
ومن المفارقات العجيبة والمحزنة أننا عندما نقارن بين المرحلتين نجد أن أولئك الجهلة وغير المتعلمين وفي تلك الظروف الصعبة كانوا أكثر وعياً وحرصاً وإدراكاً لمعنى الوطن وأكثر تطلعاً ورؤية عميقة لمستقبل الوطن الموحد والفرق بين جيل الثورتين وجيلنا الحالي هو أن ذلك الجيل مسلح بالقيم والمبادئ عكس ما يعيشه جيلنا الحالي المتجرد من كل مبادئ الوطنية والمتأثر بثقافة الجهل المعرفية التي فرضتها عليه القوى الاستعمارية عبر سيل من المعلومات المغلوطة والكاذبة والموجهة عبر وسائل متعددة ومؤثرة..
ففي عصرنا الحالي عصر العلم والمعرفة تجد الخطاب المتداول عكس ما يتوقع منه تماماً فلا وجود لوطنية ولا مبادئ ولا قيم ولا وعي يليق بمستوى شهاداتنا وتعليمنا ووصل الأمر إلى التفريط بأهداف ومبادئ ثورات قامت من أجل رفعة ورقي وعزة جميع أبناء اليمن وتناسينا تماماً أرواح الشهداء وتضحياتهم وتبنينا أهداف ومطامع الاحتلال الداعي إلى تقسيم روح الأمة وزرع الفتن في ما بين أبنائها بدل الحب والتسامح والتقارب والتوحد الذي يعد وفاءً لمبادئ الشهداء والمناضلين الأحرار وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق..
ويتوجب على الجميع في كل أرجاء الوطن وفي المقدمة الدولة ممثلة برئيس الجمهورية والحكومة والمؤسستين العسكرية والأمنية تحمل كافة المسؤولية في الدفاع عن وحدة وسلامة الشعب اليمني والحفاظ على أهداف الثورتين سبتمبر وأكتوبر التي كان من أهدافهما تحقيق الوحدة اليمنية والوقوف ضد دعوة تدعوا إلى تقسيم اليمن والتعامل معها بحزم ومسؤولية لأن التفريط فيها خيانة للثورتين ولمبادئهما العظيمتين وخيانة للتأريخ وللأمة لأنها تعتبر أهم مكسب للشعب ولا يجوز النقاش أو الجدال فيها إطلاقاً ما لم فإن القبول بالمساس بها يعني عدم الاعتراف بشرعية الثورة بل وعودة إلى زمن الرضوخ للاستبداد والقبول بالاستعمار وإنكار للثورة ولدماء الثوار.. والحفاظ عليها مبدأ أخلاقي وواجب وطني وديني وقومي يتحمله الجميع ..