من الأرشيف

وقفة مع الشاعر الكبير محمد الشرفي

هي وقفة تضامنية، لا أقفها وحيداً بل يقفها كل المبدعين في هذا البلد مع شاعر أعطى حياته للشعر وللمسرح الشعري، وقبلهما للوطن الذي كتب له أعذب القصائد، وأكثرها تعبيراً عن ارتعاشات الوجدان.

يتميز الشاعر الكبير عن كثير من أقرانه بالبراءة والصدق والشعور بأهمية الصداقة، وعلاقتي به تبدأ من أواخر خمسينيات القرن الماضي حينما كان طالباً في المدرسة العلمية يحاول كتابة الشعر مستمداً موضوعاته من قضايا الوطن وهمومه. وكانت أول قصيدة مثيرة للإعجاب تلك التي قرأها على الجمهور قبل قيام الثورة بوقت قصير في ميدان التحرير (شرارة سابقاً) في احتفال لم أعد أتذكر مناسبته، وقد حملت القصيدة هجوماً صارخاً ومباشراً على الحكم المستبد ، وأعاد قراءتها من إذاعة صنعاء صباح الثورة السبتمبرية في جو من البهجة والثقة بنجاح الثورة التي انتظرتها الملايين، وقدّم الشعب من أجلها أغلى الرؤوس وأزكى الوفاء. ومنذ ذلك الصباح المجيد انتمى الشاعر الشاب إلى الإذاعة وصار واحداً من المحاربين بالكلمة، وكانت له برامجه الذائعة الصيت، ومنها على سبيل المثال برنامج "جي نتجابر" الذي أقضّ مضاجع أنصار الظلام.

لم يسلم الشاعر الثائر من الاصطدام ببعض المتنفذين (الذين حملوا أيديهم على رؤسهم)، وشاركوا في حكم الثورة بعد أن بدأت تأكل أبناءها، فتم إبعاده من الإذاعة، وزجّ به، في السجن لفترة قصيرة ثم تم نقله للعمل خارج الوطن ملحقاً ثقافياً في إحدى السفارات لبضع سنوات، عاد بعدها ليمارس نشاطه الإبداعي والثقافي وكتابة برامجه الإذاعية المدافعة عن الثورة وأهدافها، وبعد أن استقرت الأوضاع نسبياً تعين سكرتيراً أول في سفارتنا بالقاهرة، وهناك أثبت حضوره على المستوى السياسي والثقافي، وكان وجهاً مشرفاً لبلاده. شدته الحياة الأدبية في مصر إلى أهمية المسرح الشعري دافعة إياه بكل إمكاناته الإبداعية إلى هذا الفن الذي كان يعد غائباً في بلادنا، إلاّ من نماذج لم تجد طريقها إلى الجمهور. ولم يكتف الشاعر الكبير بالكتابة للمسرح، بل أسهم في الدعوة إلى إيجاد مسرح وطني يرتقي بوعي المواطن ويعمل على شد اهتماماته إلى القضايا العامة والمغيبة .

وحين نقرأ أعماله المسرحية ، ما ظهر منها على خشبة المسرح وما لم يظهر، نجد أنها، شأن قصائده، تطرح الكثير من الأسئلة، وتناقش أهم القضايا والموضوعات الوطنية، بقدر من الصدق والصراحة، وبجرأة غير مسبوقة، وقد لقيت كتاباته المسرحية اهتماماً نقدياً خارج البلاد كما وجدت مساحة واسعة في الدراسات الأكاديمية بوصفها أعمالاً تأسيسية تضع بلادنا والشعر في بلادنا في مسار جديد يتجاوز الصوت الذاتي إلى المجال الدرامي، وهي خطوة بالغة الأهمية ومحسوبة له بوصفه واحداً من الشعراء الذين أخلصوا لوطنهم، ونجحوا في أن تكون لهم بصمتهم الفنية والإبداعية في واقع الأدب المعاصر بالإضافة إلى دوره في إيقاظ الوعي بالاهتمام بالمرأة، وضرورة إتاحة الفرصة لها لكي تتعلم وتكون أمّاً صالحة ومواطنة قادرة على إعداد الأجيال لزمن غير زمن الآباء والأجداد.

تلك ملامح قليلة عن دور الشاعر الكبير محمد الشرفي، وإشارة صغيرة إلى بعض ما قدمه لوطنه وللإبداع ينبغي أن نتذكره وهو يعاني من الآلام المبرحة في إحدى مستشفيات الأردن بعد أن تم بتر قدميه نتيجة تصاعد مرض السكر، وإصابته بما يسميه الأطباء ب "الغرغرينا"، وإذا تواصل التجاهل لحالته واستمر البتر والتقطيع فإن الدولة ستكون هي المسؤول الأول عن معاناته والتهام المرض لجسده، ولا أظن أن قسوتها مع أبنائها والشعراء منهم خاصة ستصل إلى حد التجاهل والنكران. أما نحن أصحاب هذه الوقفة المتعاطفة فليس في مقدورنا إلاَّ أن نحزن من أجله، وأن نشاطره الألم ونكبر فيه شجاعته وصبره وبسالته الرائعة في تحدي المرض وتحمل الآلام، ونقول له ليكن الله معك حتى تعود إلى الوطن في صحة وسلام.

الدكتور أحمد الأصبحي في روايته الثانية:
عنوان الرواية الجديدة (الهمداني يطل من أورليان) وموضوعها علاّمة اليمن المؤرخ والجغرافي أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني، شخصيته وحياته، وما عاناه من خصومه ومنافسيه. و"أورليان" مدينة فرنسية مشهورة. عاش فيها الراوي اليماني وهو أستاذ في التاريخ ومهتم بالهمداني وإنجازاته العلمية. وبغض النظر عن الموضوع التاريخي فقد نجح الدكتور أحمد الأصبحي في كتابة عمل روائي بامتياز سواء من حيث رسم الأبطال أو البناء الفني واللغوي. وتقع الرواية في (212) صفحة من القطع المتوسط.

تأملات شعرية:
لم يكونوا ملائكةً
بل بشرْ.
يحلمون، يغنّون، يبكون
يبنون بالكلمات جسوراً
إلى غدنا في رحاب القمْر.
إنهم صوتنا الشعراء
نبادلهم حبنا،
ثم نصغي إليهم، إذا غضبوا
وإذا نقشوا صرخةً حرةً
في الحجرْ.

زر الذهاب إلى الأعلى