.. نجح اليمنيون، بوساطة ومشروع حل خليجي، في إنهاء نظام ديناصوري حكم اليمن ثلاثين عاماً، بأقل وجع ممكن! واختاروا رئيساً وحكومة انتقالية وابقوا مجلس الشعب.. وشكلوا لجنة حوار يبدو أنها وصلت أو كادت تصل إلى النهاية السعيدة!
- لماذا نجح اليمنيون وفشل المصريون والليبيون والتوانسة.. وطبعاً السوريون؟!
هذا سؤال يدخلنا في دهاليز علم الاجتماع السياسي. لكننا نستطيع أن نقول إن النظام القبلي اثبت أنه كان أكثر نجاحاً من الأنظمة الحزبية أو العسكرية في استيعاب المتغيرات الكبرى في مجتمعاتنا!
العراقيون كان عندهم نظاماً قبلياً عملاقاً لم يجد الملكيون انهم بحاجة إلى الصدام معه في بنائهم للدولة الحديثة.. فيما عدا الحركة البرزانية التي كانت وإلى مرحلة متقدمة تقوم على العصبية العنصرية وتتحرك بقوة القبيلة! وحين حدث انقلاب تموز وجدت الأحزاب بالاجماع أن القبيلة هي العقبة الرئيسية في طريق الدولة المدنية المنشودة، فخربوا مؤسستها الأساسية: ملكية الأرض بالاصلاح الزراعي!
ليس من المهم أن نفسر سبب فشل الأحزاب والعسكر في إقامة هذه الدولة، لكن الواضح أن الاصلاح الزراعي الذي كان القصد منه تدمير مؤسسة القبيلة، دمر الزراعة في العراق ونقلها من منتج للأرز والشعير والقمح والفاكهة والخضار.. إلى مستورد!
.. اليمن الآن، وهو صاحب المشروع الوحدوي الوحيد في الوطن العربي، قد يجد في «الدولة الاتحادية» المخرج من أزمة الحكم، فهذا الإطار الواسع القادر على استيعاب متناقضات الاشتراكيين الماركسيين والحوثيين، وقبائل حاشد وبقيل، والشوافع سكان السهول.. وتجميعهم ضمن اطار.. مصلحة الشعب.
ومهما قيل عن الأساس الديمقراطي المتقدم للدولة الاتحادية، فإن المزاج اليمني هنا يمكن أن يقدم للمشروع بديل الديمقراطية المتقدمة!!. فالحوار الذي يجري الآن لا علاقة له بالديمقراطية.. وإنما هو حوار التسويات المقبولة.
ونقول: اليمن قادر الآن على النهوض. فعنده أنشط شعب عربي، وأذكاه تجارياً. وأرض اليمن هي أرض القهوة التي يمكن أن تعود بعد أن خلّعها المزارعون لمصلحة نبتة القات، وأرض النفط، وأرض الهجرة فقد فوجئنا بأن أول المهاجرين إلى بريطانيا كانوا اليمنيين في القرن الثامن عشر. ويبدو أنهم كانوا يصدرون القطن إلى مصانع مانشستر.
وفوجئنا في سان فرانسيسكو بأن الجالية اليمنية هي أكبر الجاليات وقد سعدنا بالتعرف إلى «شيخها» واكتشفنا عمق ولاء هؤلاء المهاجرين لليمن، وتواصلهم معه! ثم أن اليمنيين اتقنوا حرفة الهجرة منذ خراب سد مأرب فهم في السعودية قوة العمل الأولى.. وأغنياء السعودية حضارمة، ومنهم بن لادن الأب!
حين دعا الحسين رحمه الله كل قادة الحكم والمعارضة وشيوخ اليمن إلى عمّان، وهيأ لهم مناخ التفاهم على حلول يمنية لم يداخلها أية مبادرات غربية تعرفنا على كثير من هؤلاء القادة.. ومنهم المشير عبدالله السلال. واكتشفنا تواضع وأدب وثقافة الناس. ونظن أن لقاء عمّان كان ناجحاً بكل المقاييس.
الصورة الآن غير الصورة، فقد دخل المال العربي إلى قوى الخلاف، فحوّل الخلاف إلى صراع دموي. والذين يمولون الحوثيين المتعصبين هم ذاتهم الذين يمولون الاشتراكيين الماركسيين في الجنوب.. ومع ذلك فاليمنيون أقوى!