من الأرشيف

السلاحف بدلا عن كباش العيد!!

عثر أمس على عدد من السلاحف المقطوعة الرأس ملقاة في مجاري الصرف الصحي بمنطقة شعوب بالعاصمة صنعاء، هذا ما قرأته على موقع" الخبر" الإلكتروني، وقد تضمن الخبر تعليلا غير مقبول لوجود تلك السلاحف في مجاري الصرف، مؤداه: أن الغرض من وضعها هناك يقصد به خلق مشكلة صرف صحي معقدة، اعتمادا على خواص الدرقة الواقية للسلحفاة التي تغطي ظهرها وما تتمتع به من صلابة كبيرة وعالية تقاوم الماء والأنواء والأخطار!!

لم يثر الخبر من حيث كون ذلك الفعل تعديا وهدرا للثروة الطبيعية والبيئية البحرية للبلاد، وأنه مخالف للقوانين التي تحظر صيد السلاحف واستغلال بيوضها إلا وفق ما تنظمه نصوص القانون رقم (2) لعام 2006م، الخاص بتنظيم واستغلال الأحياء المائية وحمايتها، أو نصوص اللائحة المفسرة له إن وجدت، وهو ما يدفع للقول: إن القضية بالنسبة لكاتب هذه السطور أبعد من ذلك، أما فيما يخص إقحامها في كونها جلبت لهذا العمل التخريبي، فلو كان الأمر كما جاء في سياق الخبر، لكانت البدائل أمضى وأجدى من هذه السلاحف في خلق هكذا مشكل.

إن ما هو أهم من ذلك، هو أن السلاحف محظور اصطيادها والاتجار بها، نظرا لندرتها وتميز نوعها في السواحل اليمنية والعربية عموما؛ وأن اصطيادها وجلبها يعتبر مصدرا من مصادر الإثراء غير المشروع، وهو أمر مخالف للقانون المشار إليه وقوانين يمنية أخرى، حيث جاء في المادة(52/ج) من القانون ما يضع هذه السلاحف موضع تنظيم في الاستغلال والانتفاع؛ إذ المادة السابقة تنص على حظر "صيد الحيتان أو الثدييات البحرية أو صيد السلاحف أو استعمال بيضها، عدا المخصص للأبحاث العلمية بترخيص من الوزارة" أي وزارة الثروة السمكية.

لكن، ما الذي جيء بهذه السلاحف إلى العاصمة صنعاء(وهي بحرية كما تبدو في الصور التي عرضها الموقع)؟ وكيف سمح بنقلها؟ ومن يقف وراء جلبها وذبحها؟
أشك في أنها قد جلبت تحت رغبة ذاتية معلومة لا تعبأ بتلك القوانين، ولا تراعي أهمية التراث الطبيعي البيولوجي النادر للبلاد، سواء كان الجلب بقصد أو دون قصد، وأن من يقف وراء ذلك هم أشخاص لهم ارتباط مباشر بالبحر، سواء كانوا مدنيين أو من أفراد الجيش والأمن غير المنضبطين في أداء واجباتهم هناك(بمن فيهم العاملين في جهاز خفر السواحل والحاميات البحرية)، أو رجال أعمال، وأنه يمكن أن يكون جلب تلك السلاحف لغرض أكل لحومها في أيام العيد، كونها من الكائنات البحرية المباح أكل لحومها واللذيذة الطعم في ذات الوقت، وكذا لأن البعض من معتقدي الخرافات يؤمنون بأن لحومها ناجعة في شفاء الأمراض المستعصية طبيا، لكنها -كما يبدو- لم تستسع لمن جلبت له، فكان ذلك مصيرها!!

وهنا، نختم بما هو أهم، وهو ضمان صون وحماية هذه الثروة الوطنية أسوة ببقية الدول الإقليمية التي تولى هذا الجانب اهتماما منقطع النظير، إذ يجب على الأجهزة الأمنية الوقوف على هذه الواقعة من حيث كونها فعل محظور قانونا، وقضية وطنية لا يجب التساهل مع من يهددها، وذلك على نحو ما هو ملموس حتى في مناطق تواجد تلك السلاحف في سواحل حضرموت وسقطرى وعلى سواحل البحر الأحمر اليمنية في المناطق والمحميات التي تعيش فيها أو تهاجر إليها سنويا، ويجب أن تكون هذه الوقفة مسئولة وجادة، ما دام الأمر قد وصل بهذه السلاحف لأن تنحر في صنعاء وأن يلقى بها في مجاري الصرف الصحي.

*باحث في شئون النزاعات المسلحة ومهتم بالشئون البحرية

زر الذهاب إلى الأعلى