منذ عامين وكل أبناء الشعب اليمني يحلمون بالتغيير ولا استثني منهم الممسكين اليوم بزمام السلطة أو حتى المحسوبين على النظام السابق.. فالكل يحلم بالتغيير ولكن فإن لكل منهم رؤيته ومفهومه ومنظوره لهذا التغيير, فهناك من يحلم بتغيير يفضي إلى مشروع وطني حداثي تكون له منطلقاته وآفاقه ومعالمه على أرض الواقع وآخر يحلم بتغيير يوفر له الفرصة السانحة للسيطرة على مفاصل السلطة وفرض أيدولوجيته وتحويل هذه الأيدولوجية إلى عقيدة يمثل الخروج عليها كفر بواح.. وثالث عاتب على القدر أن ابتلاه بشعب مغفل ومقفل كما يقول كالشعب اليمني ويحلم بزوال هذا الشعب وإحلال بديل عنه من شعوب الدول الإسكندنافية.
ولا ندري كيف لحلم التغيير أن يتحقق ونحن الذين لم نحسن بعد كل هذه السنيين غربلة أفكارنا وطرائقنا وأساليبنا وكيف لنا أن نصل إلى ذلك التغيير ونحن الذين لم نتفق بعد على موجهاته ومحدداته وقواعده والأسس التي سيبنى عليها ولأننا فقط نغرق في الأوصاف والشعارات والتنظيرات, فها نحن بعد عامين من رفع شعار التغيير نضرب على قوافي رؤوسنا كالتي نقضت غزلها أنكاثا لنصحو على حلم مرعب فيوماً بعد يوم تزداد قناعة اليمنيين بأنهم الذين يتراجعون ويتقهقرون إلى الخلف وان الاختلالات التي ضربت أطنابها في مختلف مناحي حياتهم قد حولت أحلامهم إلى جحيم من التوتر والقلق خصوصاً وهم يرون بلادهم تقف على برميل بارود ساخن قابل للانفجار في أية لحظة فهناك المحافظات الجنوبية التي باتت معظمها تحت سيطرة فصائل الحراك إلى درجة أن بعضها صار يعيش انفصالاً غير معلن وهناك محافظة شمالية تدار بحكم ذاتي ومحافظة غربية اتسع فيها الرقع على الراقع ومحافظة في جنوب الشمال تغرق في الفوضى الأمنية ويخشى عليها أن تسقط في أيدي المليشيات المتناحرة وفي مقابل كل ذلك فهناك حكومة وفاق غادر معظم وزرائها لقضاء إجازاتهم خارج الوطن وداخله وكأن ما يجري في البلاد من انفلات امني وحروب وأزمات لا يعنيها من قريب أو بعيد ليغدو البعض من باب التندر يطلق على هذه الحكومة وصف حكومة الفشل الوطني.
لم يعد ما يجري في اليمن يقبل المواربة أو المجاملة بل انه الذي يستدعي عرض الوقائع كما هي حتى لو بدت لغة التعبير عنها مؤلمة أو جارحة للبعض فالحكومة التي راهن الناس عليها بالسهر على معالجة همومهم والتخفيف من معاناتهم هم من يشعرون اليوم انهم كانوا ضحية بلاغة سياسية زائفة وان تلك الحكومة التي وعدتهم في برنامجها بإيصالهم إلى التغيير المنشود وعتبات أبواب الدولة الحديثة قد خذلتهم وان معظم من جاءوا إلى هذه الحكومة بخلافاتهم السياسية والحزبية قد اجتمعوا وهم متفرقون ليس للعمل على إنجاز ذلك البرنامج ولكن من اجل تغيير أحوالهم وتحسين أوضاعهم وتسمين أرصدتهم وتضخيم شخوصهم فقد تحولت الأحياء السكنية التي تضم منازلهم إلى ثكنات عسكرية بعد أن أغلقوا مداخل الطرق ونشروا الأسلاك الشائكة والكتل الكونكرتيه بل إنهم من تفجرت لديهم شرايين شراهتهم ليحصلوا على الامتيازات المالية السخية لتأتي بعدها منحة الوقاية والحماية بحصول كل منهم على عربة مدرعة رباعية الدفع بمواصفات دفاعية كاملة تقيهم شرور الكمائن والقذائف الموجهة وتصد عنهم عيارات القنص وتحميهم من عيون الحساد والمتطفلين ليعزل هؤلاء أنفسهم عن الشعب إن لم يكونوا قد حصنوا انفسهم من التداعيات الأمنية وتركوا هذا الشعب يواجه وحده مخاطر ذلك الانفلات بصدور عارية وبطون خاوية.
إن دعوة رئيس الجمهورية الأخيرة إلى تصحيح المسار تؤكد أن ثمة أخطاء عميقة يجب إصلاحها في الأداء الحكومي من دون النظر إلى الولاءات السياسية والحزبية والمناطقية إن لم تفصح عن أن هذا الأداء بثوبه الحالي بحاجة إلى عملية جراحية ينفذها أطباء سياسيون يجيدون التشخيص والعلاج وان هذا النوع من الأطباء غير متوفر في أعضاء الحكومة المتصدرة للمشهد السياسي في الوقت الراهن ومن هذا التقييم فقد توقعت العديد من المواقع الإلكترونية الإخبارية والمنابر الإعلامية عن تشكيل حكومة جديدة في الأيام القليلة القادمة توكل لها مهمة تنفيذ مخرجات الحوار وتجفيف منابع الاختلالات أينما وجدت.
وفي حسابات ما يعتمل على الأرض اليوم يبدو جلياً أن عامل الوقت يقتضي حسم هذا الخيار خصوصاً في غياب وجود أية مؤشرات تدل على أن توافقاً وشيكاً حول القضايا الخلافية في مؤتمر الحوار اصبح مطروحاً حيث لا تخفي مصادر القوى الأساسية القابضة على اللعبة والمتحكمة بزمام الأمور ولا سيما منها تيار الحراك الجنوبي الذي لا يشعر بان هناك في الأفق ما يكره ويجبره على التخلي عن مواقفه المتصلبة والتعجيل في الوصول إلى اتفاق حول شكل الدولة الاتحادية لاعتبارين أساسيين : الأول الثقة الزائدة بنفسه والثاني لقناعته بان حالة الانقسام والاصطفاف الحاصل داخل مؤتمر الحوار يمنحه فرصة كسب الوقت وممارسة الابتزاز حتى يحقق مبتغاه في فرض مشروعه الذى ترفضه معظم القوى المشاركة في الحوار.
والثابت أيضا أن (لعبة التأخير) إياها هي من يراها البعض أنها ستقلل لاحقاً حجم المعركة التي يمكن أن تكون ردة فعل الذين يعدون انفسهم متضررين من مخرجات مؤتمر الحوار مع أن من يلقي نظرة سريعة وفاحصة على الساحة اليمنية في الوقت الحاضر وما يتخللها من تداعيات يرى أن إطالة معضلة الخلافات في مؤتمر الحوار ستقود الوطن إلى وضع خطير وكارثي وانه وللحيلولة دون الوصول إلى ذلك الخطر فلابد من الإسراع في تصحيح مسار الأداء الحكومي من خلال كوادر مشهود لها بالكفاءة والنزاهة بعيداً عن المحاصصة السياسية والحزبية والمناطقية. وبالتأكيد فإن مثل هذا الإجراء يقتضي من الجميع التفكير بعقلية بناة الدولة لا بعقلية القوى الانتهازية والكف عن التنظير ودفن الرؤوس في الرمال والتحلي بالشجاعة التي يبدو أننا قد افتقدناها في المرحلة الانتقالية وتغليب مصلحة اليمن عن سواها من المصالح وتنازل كافة الأطراف لبعضها البعض إدراكا من الجميع بان اليمن اذا ما سقط في مستنقع الفوضى فان الكل سيسقط بعده دون استثناء .. ومن الجنون أن نترك لغرائزنا تدفعنا إلى الانتقام من أنفسنا ومن وطننا.