يشهد الإنسان هذه الأيام مرحلة صعبة لا يدري العاقل كيف يصنفها أو يحدد مؤشراتها، مهاترات وصراعات داخلية، حرب شعواء بين الإسلاميين والعلمانيين وبين أطراف ليبرالية ويسارية وصراعات لم تترك شيئاً إلا نبشته وأخرجته بعد أن كان مدفوناً لسنوات حتى صراعات التاريخ قبل آلاف السنين خرجت اليوم، وأخشى أن يبدأ العالم العربي يتذكر جساس وكليب والزير سالم فيتحاربوا لأجلهم..
لم يعد هناك شيء عجيب في بلداننا المنكوبة التي أصابها الفقر والبطالة والانهيار الاقتصادي والديون وضياع الشباب، علينا أن نعرف الحقيقة وندرسها بتجرد، اليوم نجد مجتمعات تسير وراء الإعلام الذي يبث ثقافة الكراهية فلم يعد أمام القنوات الفضائية والمواقع إلا أن تتبع أي كلمات أو تهريج من شخص نكرة أو لا أهمية له، فنجعل منه بطلاً وفارساً وتتابع الموضوع مثل القصص والحواديت التي تقال في لحظات اللعب.
يستغرب الإنسان في هذا العصر العلمي والثورة التكنولوجية هذا الإعلام العربي الذي سقط إلى أسوأ وأضحل ما فيه فقدت القنوات العربية مصداقيتها وأوجدت الإحباط واليأس ونشرت الحقد والكراهية، منذ عرفت الأمة نفسها في التاريخ وهناك شواذ أو أشخاص يتحدثون ويفتون في أمور شاذة، فلا يلتفت لها أحد لأنها ليست ذات أهمية ولكن اليوم نرى الجهلة وأنصاف المتعلمين والمشعوذين يجدون طريقهم في الإعلام العربي والقنوات الفضائية التي أثبتت فشلها في أنها لم تعد تقدم برامج وقضايا مصيرية وإنما لتشعل الفتن وتبث ثقافة الكراهية وأصبحت تستضيف الحاقدين والمرضى والمعقدين والمهرجين وتجعل الإعلام منبراً لهم ليحولوا الشارع والمجتمع إلى ميدان صراع لهذه الأفكار.
ألا ترون أن الإعلام العربي يتجاهل ما يجري في القدس من التهويد والاستيطان وحقوق الشعب الفلسطيني وحق العرب المسلوب؟ ألا ترون أن الإعلام العربي يتجاهل وضع الفقر والتنمية ومشكلة المياه والزراعة وتنمية الثروة الحيوانية والخدمات والبنية التحتية وقضايا التعليم ومحاربة الأمية؟ ألا ترون أن الإعلام العربي يتجاهل قضايا انتشار الأمراض والمشردين وكل ما يهم المواطن؟ ألا ترون أن الإعلام العربي لا ينشر أي شيء يدعو للوحدة والأخوة والمحبة والوئام وأن هذه من المحرمات في قنواتنا الفضائية؟ وأن قنواتنا ترفض وتحرم ظهور العقلاء والمفكرين وأصحاب الرأي والتجارب.
العالم اليوم يتحدث عن طفرة علمية كبيرة في الاستثمار والتنمية الذاتية، والدول اليوم تسعى لترتقي إلى أعلى مستوى، نرى الهند تهتم بعالم الإلكترونيات والصناعات وبناء دولة علمية كبيرة، ونرى كوريا تسابق ونرى سنغافورة وتايلاند تتنافس على التقدم والنمو الاقتصادي والصناعي. أما نحن فما زلنا في قنواتنا وعدد من الذين ابتليت الأمة بهم يتحدثون عن أمور مبكية مضحكة، يصرح واحد بكلمة لا قيمة لها أو فتوى أو سب أو أي شيء فيتحرك الإعلام العربي ليضيع ساعات هي وقت المشاهد في هذه السخافات التي تبث الكراهية والإحباط واليأس لدى المشهد فهل المطلوب تدمير نفوس الأجيال هل هي دعاية مجانية للإرهاب والعنف ودعاة الكراهية والمهرجين من كل الأطراف، إعلامنا اليوم مشغول بالسلبيات لا نرى شيئاً إيجابيا لا نسمع خبراً يبعث على التفاؤل لا نرى شيئا جديدا مفيداً إلا نادراً.
نرى صراعاً ليبرالياً إسلامياً شديداً في مصر أوصل الأوضاع إلى هبوط سعر الجنيه وتدهور الاقتصاد وتعطل مصالح الناس وترى عناداً كبيراً من ساسة يتصارعون على السلطة والكراسي، كلهم لا نسمع لهم برنامجا يخص مصالح الناس، وهناك صراع في سوريا يختلف وتهديدات إيرانية بأن أمن الدول العربية في خطر إذا سقط النظام السوري، تهريج لاريجاني الذي يهدد بألا يستطيع أحد أن يمنع مصالح وتوسع إيران، وصمت الإعلام العربي هنا وختم على أفواههم جر الأمة إلى الهاوية وتدمير الأجيال وتمزيق المجتمع لعبة خطرة، والسعي لإشعال حروب أهلية وأحقاد من وراءها؟ وماذا يراد منها وما نتائجها؟
أرجو أن نناقش أوضاعنا وندرس أحوالنا وننزل إلى مشاكلنا من جذورها ونحذر مما يحاك لنا وأن نقول للساسة الذين يريدون الكراسي على حساب جوع وفقر ومرض الناس ومستقبلهم وللإعلام الذي يعيش أصحابه في ترف فكري مرت به الأمة زمان العمل المسمى بعلم الكلام والجدال العقيم في فترات السقوط وضعف الأمة، نقول للجميع اتقوا الله وجنبوا أمتكم الفتن، والحروب ليست لعباً تستطيعون أن تبدأوها ولا تستطيعون إطفاءها، والخوف أن يجرنا هؤلاء لكارثة صعبة قد يطول الوقت للخروج منها، وسبق أن ورطونا بكارثة 67 وغيرها من كوارث وهزائم.