من الأرشيف

الراكب والمركوب والكامخ بينهما: فقه نظرية المؤامرة

(في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها)‏
حكمة من يريد تجنب الخطأ

في العام الثالث لبدء الانتفاضة العربية مازال هناك من يقول انها ثورات قامت بها الجماهير ‏لكن القوى الاستعمارية والمشبوهة ركبت موجتها وحرفتها عن وطنيتها ومبدأيتها ‏ونقاوتها!!؟؟ رغم ان كل الشواهد تؤكد بالقطع بان ما حصل كان عبارة عن قيام المخابرات ‏الأمريكية ومن تعاون معها باستغلال الغضب الجماهيري المتراكم والمتفاقم ضد الانظمة ‏الفاشية والمستبدة والفاسدة وتسخيره لاسقاط الانظمة وتدشين مرحلة الفوضى الهلاكة بدل اقامة ‏بدائل وطنية تقدمية تنهي معاناة واستغلال الجماهير! السؤال الاجباري هو: هل ما حصل ثورة ‏ام اجهاض مشروع الثورة الاصلي؟

بما ان من خطط وقاد وسير هو المخابرات الأمريكية فان الحصيلة الفعلية والواقعية ‏ل(الثورات العربية) العتيدة هو الاجهاض المتعمد والمخطط لمشاريع الثورات العربية ‏الاصيلة والجذرية والتي تختمر منذ عقود فجاءت أمريكا ونغولها لتجهضها وتولد لنا مخلوقا ‏متوحشا وهجينا تارة يسمونه (التكفيري) وتارة اخرى (الشبيح) اخذ يدمر كل ما بنته الامة ‏خلال قرن من الزمان تحت اسم وغطاء مزور هو الثورة، وهي بهذا الواقع احداث لا صلة لها ‏لا بالثورة ولا بالاصلاح.‏

ما نراه اليوم فوضى هلاكة ضربتنا ومازالت تضربنا في الصميم وتدمر مجتمعاتنا ودولنا ‏وبنانا التحتية والفوقية، ومنها روابطنا الاجتماعية، ولم تبقِ شيئا لم تنوشه بالخراب والتشويه، ‏وهذا ما نراه الان بلا غموض في مصر وتونس واليمن وسوريا ولبنان والعراق وغيره! فهل ‏نحن بإزاء حالة التحدث بلغات مختلفة ويجهل كل مثقف وسياسي لغة الاخر فلا نتفق ولا نلتقي ‏حتى على بديهيات التفكير والفهم؟ ام اننا بأزاء (عناد) محسوب عاطفيا أو لاسباب اخرى ‏يجعل البعض يتعمد عدم رؤية الواقع كما هو فيتخيله كما يرغب؟

ما جعلني اكتب هذا التحليل تحديدا هو الشعور العميق الذي يترسخ لدي بان عددا من ‏المثقفين والساسة تغربوا بلغتهم ونمط تفكيرهم وطلقوا اي صلة لهم بالواقع وبالامة، وتلك من ‏اكبر كوارث الثقافة والمثقفين لان هؤلاء في كل العالم وفي كل الازمان هم مشاعل التنوير ‏التي تجعل، بما تكتبه أو تقوله أو تمارسه، الجماهير في حالة توحد قوي نتيجة فهم هذه الطليعة ‏الصحيح لما يجري فتبعد الجماهير عن الفهم الخاطئ الذي يؤدي إلى تمزيق صفوف الجماهير ‏بين هذا وذاك نتيجة غموض الوضع المترتب على تحليل المثقف أو السياسي.‏

اما منذ تضاعفت كوارثنا في عام 2011 فان البعض من مثقفينا وساستنا يلعبون دورا لا ‏يمكن بأي حال من الاحوال ان يكون دور مثقف ثوري، أو حتى مثقف عادي، لانه دور ابتعد ‏كثيرا عن الواقع وصوره بغير حالته الفعلية وادى ذلك عمليا وبغض النظر عن الدوافع إلى ‏زيادة تمزيق صفوف الحركة الوطنية العربية وسمح بخلق ثغرات استغلها العدو لمواصلة ‏تأمره تحت غطاء ان كشف خططه مجرد هاجس من هواجس نظرية المؤامرة وليس حقيقة ‏عيانية، وهذا ما يروج له البعض من المثقفين الوطنيين!‏

وهذه الحقيقة المثيرة لاشد انواع الاسى والاستغراب تفرض طرح اسئلة لم يعد ممكنا التهرب ‏منها: هل ما نواجهه ثورات حقيقية شعبية نقية ولكنها حرفت؟ ام انها خطط نفذت وجرّت ‏الجماهير والنخب الوطنية اليها جراً بقوة العواطف وضياع بوصلة الوعي؟ كل ما نراه الان، ‏وبعد اكثر من عامين ونصف، يكفي للقول بلا تردد اننا نعيش فعلا وبلا مبالغة افظع كوابيسنا ‏واخطر مراحل حياة العرب منذ الاف السنين، لاننا نذبح انفسنا بيدنا وندمر مابنيناه بايدينا ‏ومالنا، ونهدم كل صروح القيم الاخلاقية والدينية التي تبلورت عبر الاف السنين، ونقطع كل ‏اواصرنا بطلقات بنادق صنعناها لتوجه إلى اسرائيل وأمريكا وإيران، لكنها استدارت فجأة ‏واخذت تطلق النار علينا، على فلذات اكبادنا، شبابنا ونساءنا واطفالنا! نرى الرؤوس تتطاير ‏نتيجة استخدام مناشير كهربائية أو فؤس لا ترحم!‏

فماذا يجري ايها السادة؟ هل هذا هو هو الربيع الموعود؟ هل هذه هي الثورة التي تحرر ‏الشعب من ظلم الانظمة لنقع في ظلم متعدد الاطراف واول طرف يظلمنا نخب معينة ركبت ‏رأسها وهي تقول: ارقصوا وغنوا فهذا هو الربيع المنتظر رغم انها ترى تلال الجثث يوميا ‏وجنبها جبال الركامات التي كانت تسمى بالامس مساكننا وقرانا ومدننا واحياءنا ومعاملنا ‏ومدراسنا وملاعبنا؟ لم نعرف حالة ثورة كهذه ابدا، الثورة لا تتقاتل فيها الملايين من نفس ‏الناس ونفس الطبقات، الثورة يتقاتل فيها ابناء الشعب مع نظام مستغل أو محتل، ولم يحصل ‏ان تقاتلت الملايين مع ملايين من الشعب ووصفت بانها ثورة، بل وصفت احداث مثل هذه ‏باتفاق الكل بانها حرب اهلية، فهل مانراه في مصر منذ عام 2011 ثورة؟ ام حرب اهلية بين ‏ملايين تؤيد هذا الفريق وملايين اخرى تؤيد الطرف الاخر؟ هل كارثة فلسطين بكل مأسيها ‏ولوعتها شيء سوى جزء يسير مما يطحننا الان فنقدم في يوم واحد شهداء أو ضحايا بقدر ‏شهداءنا في كل حرب مع اسرائيل؟

الحق مع من: هل مع من تدعمه ملايين؟ ام مع الاخر المناقض الذي تدعمه ملايين اخرى ‏ايضا؟ هل نراقب موقف أمريكا؟ الحقيقة التي يراها حتى الاعمى هي ان أمريكا تشجع وتدعم ‏الطرفين في كل قطر عربي على مواصلة القتال وعلى الحسم وبلا مساومات، أمريكا الان ‏تقود (جبهة) رفض كل الحلول الوسط حتى تلك التي تقترحها هي لاخفاء دورها وتشجع ‏الطرفين على رفض كل حل وسط لانهاء الصراع خصوصا اذا كان دمويا، واسرائيل تصرخ ‏بمن يدلي رأيه من مسؤوليها في قضايانا: (اصمت ايها الاحمق دع العرب يذبحون بعضهم ‏البعض الاخر ولا تتدخل فينتبهون لدورنا وربما يتوحدون مرة اخرى ضدنا). فيصمت ‏الاسرائيلي الذي اراد ابداء الرأي فيما يحدث!‏

هل نستوعب معنى انتشار الفتن الدموية في الاقطار العربية في زمن واحد تقريبا، سواء ‏بالتعاقب المخطط أو بالتزامن المبرمج؟ هل الصدفة تتكرر بهذا الالحاح الاكثر من غريب؟ ام ‏انه الهدف الموضوع سلفا؟ هل نقرأ معنى كل هذا؟ هل نفهم لم تفعل أمريكا كل ذلك ‏التحريض لكل الاطراف ولم تدعم أمريكا ومعها اوساط اوربية كل الاطراف بالمال والسلاح ‏والدعاية أو القنوات الدبلوماسية؟ اذا استبعدنا الناس البسطاء فان المتعلم الغبي وحده هو الذي ‏يقول لا افهم ما يجري، ومن لديه ذرة وعي يعرف الان وبيقين ان ما يحدث هو المؤامرة الاشد ‏خطورة في تاريخنا العربي كله قديما وحديثا، فلم نواجه خطرا مميتا كالذي نواجهه الان، واذا ‏كان هناك من يعترض فليتفضل ويقول لنا متى واجهنا مثل هذا الخطر منذ عهد الفتوحات ‏الاسلامية وحتى الان.‏

ايها السادة: يقتل الان كل يوم في سوريا على الاقل مئة عربي، ويقتل كل يوم عشرات ‏الليبيين، وتجري عمليات منظمة لتصفية الكوادر التي اعدتها دولنا بمالنا ودمنا من طيارين ‏وعسكريين وعلماء ومهندسين نراهم الان يذبحون يوميا امام نواظرنا! وفي مصر كر وفر ‏وفقدان للامن واستشراء للفوضى الهلاكة، ومصر الان تتجه لكارثة عظمى نتيجة تواصل ‏الفوضى وعدم وضع حد لها تحت غطاء (حرية التظاهر)! اي حرية هذه التي تمهد لشرذمة ‏مصر اكثر مما حصل حتى الان؟ حرية التظاهر لا يمكن ترجمتها الا على انها تكتيك اكثر ‏من واضح لتقسيم مصر ومنع توقف نزيفها! وفي اليمن تترسخ عوامل التقسيم وتزداد العداوة ‏بين ابناء اليمن ويعود اليمن لعهد اسوأ بمراحل من عهد ما قبل الثورة التي اطاحت بالملكية، ‏ففي اليمن الان من يطالب بالفدرالية والتقسيم واصبح جيشها الوطني جيوش شيوخ قبليين أو ‏سياسيين أو عسكر يستعد كل منها لمقاتلة الاخر بحماس لا نظير له! هل نسينا انه يقتل يوميا ‏عشرات العراقيين ووصل عدد شهداءنا ثلاثة ملايين عراقي منذ الغزو فقط؟ هل ترون الدم ‏من اي جسد نزف وينزف؟ انه ليس الدم الاسرائيلي ولا الدم الإيراني ولا الدم الأمريكي انه ‏فقط الدم العربي!‏

اذا وضعنا العراق جانبا، لان من دمره ويدمره هو أمريكا وإيران وادواتهما، برب كل عاقل ‏فيكم هل خسرنا هذه الدماء في كل حروبنا مع اسرائيل؟ برب كل عاقل فيكم هل دمرت مدننا ‏في سوريا وبدأ في مصر تدمير مدننا بيد العدو ام بيدنا؟ الحقيقة المفزعة والمفجعة هي ان ‏القتل العشوائي والدمار يتم بيد شبابنا المنتفض وجنودنا وشرطتنا وليس بيد صهاينة أو ‏أمريكيين أو إيرانيين! نعم من خطط هي أمريكا والصهيونية دون شك، نعم من شارك بالابادة ‏والتدمير بصورة رئيسة إيران بدون شك، ولكن من ينفذ هم ابطالنا ساسة وشباب، حكاما ونخبا ‏تريد التغيير بلا بوصلة! فهل ترون نتائج انتفاضة بلا بوصلة هادية لتجنب الالغام؟

دمرت سوريا وبدأ تدمير مصر كما دمر العراق وليبيا وقسم السودان في خطوة اولى ستعقبها ‏خطوات تقسيم اخرى، واعدت اليمن والبحرين وتونس ولبنان للتدمير لاحقا، وتطبخ الجزائر ‏على نار هادئة لحين وصول قافلة الموت اليها لا سامح الله، وهذا ما يحصل للسعودية ايضا، ‏اما الاردن فان نتنياهو ينتظر الفرصة لاعلان دولة فلسطينية فيه لانهاء مشكلة اللاجئين، وفي ‏الانبار (يناضل) الحزب الاسلامي بلا هوادة لجعله اقليما مستقلا تنفيذا للمخطط الاسرائيلي ‏القائم على توطين اربعة ملايين لاجئ فلسطيني فيه واقامة دولة كونفدرالية فلسطينية – ‏اسرائيلية بعد زاول الاردن من الخارطة! هذه ابرز حقائق ونتائج موضة (عصر الجماهير ‏المقدس)!‏

هل خسرنا في كل حروبنا مع اسرائيل بشرا ومالا وعمارة بقدر ما نخسر الان؟ كل عاقل ‏لديه وعي يعرف ان خسائرنا بشرا ومالا وعمرانا في كل حروبنا مع اسرائيل لا تصل إلى 1 ‏بالالف من خسائرنا الحالية! الا يكفي هذا وحده ليقول اي ساذج وغبي بان ما يحصل ليس ‏سوى خدمة مجانية لأمريكا واسرائيل وإيران؟

اسألوا اي ماجدة عربية اغتصبت على يد شبيحة النظام أو التكفيريين أو البلطجية أو (ثوار) ‏النيتو: هل تتمتعين بربيع عربي رغم ان اكثر من ذئب سربله الجرب اعتلى جسدك ولهث ‏فوقك وسال لعابه فوق وجهك بينما تفجرت جراثيمه كلها في احشاءك؟ اسألوا ملايين العراقيين ‏والسوريين الذين شردوا: هل ادت كارثة احتلال فلسطين إلى تشريد عدد بقدر من شرد من ‏العراق وحده والذين بلغ عددهم سبعة ملايين مهجر ومشرد؟ وهل من شرد من سوريا اقل ‏ممن شرد من فلسطين عام 1948؟ أسألوا كل هؤلاء: هل تتمتعون بهذا الربيع؟ وهل هو ربيع ‏حقا؟

كلنا نعرف ان من شرد من فلسطين وقتها كان اقل من مليون فلسطيني، اما الان فنحن ‏نتحدث عن سبعة ملايين عراقي مشرد ومهجر من الديار أو الوطن! ونتحدث عن مليوني ‏سوري مهجرين ايضا! هؤلاء بغالبتهم الساحقة بلا مورد لذلك حصل كل ما يدمي القلب للنساء ‏والاطفال والشباب! والان تعد العدة لتهجير عشرين مليون مصري على الاقل تحت ضغط ‏صراع الحزبين المناضلين الجزيراوي والعربياوي والذي يتخذ شكل تظاهرات تشل الحياة ‏وتجر مصر جرا للخراب! اما لبنان فانه دخل نفق حرب اهلية لم يشهد لها مثيل بفضل ‏‏(مقاومة) حسن نصرالله وتطلعات إيران الاستعمارية والتي تغذيها الاجهزة الأمريكية ‏والاسرائيلية، وسنرى غدا عشرات الالاف من اللبنانيين الذين يبحثون عن مأوى خارج لبنان!‏

اذن اين الثورات؟ هل سرقت؟ هل كانت ثورات خططت لها الجماهير أو طلائعها لكن ‏أمريكا (الشيطانة) ركبت موجتها وحولتها إلى فوضى بواسطة من دربته واعدته مسبقا؟ ام ‏انها اصلا خطة مدبرة مسبقا وبالتفاصيل الدقيقة؟ من الذي ركب الموجة اذن؟ من الراكب ومن ‏المركوب؟ لنعيد توضيح الامر وسوف نخصص بدقة لكي لانتهم بالتعميم:‏

‏1 – حينما قلنا منذ بدأت انتفاضة تونس وقبل ان تقع انتفاضة مصر ان ما يجري ليس ثورة ‏وانما انتفاضة لان الانتفاضة بداية ثورة ومشروعها القائم على عناصر حتمية لاثورة حقيقية ‏بدونها لانها بوصلة الهداية في طريق العواصف العاتية اهمها التنظيم الشعبي الجماهيري ‏القوي المنسجم ايديولوجيا (في حالة حزب) أو المتوافق ايديولوجيا (في حالة جبهة وطنية)، ‏والستراتيجية الواضحة التي تتحكم بخطة الثورة وتعاقب مراحلها، فاذا انتقلت من اسقاط النظام ‏ إلى بناء البديل بيد من قام بالانتفاضة وليس بيد سراقها فانها تدخل مرحلة الثورة، لان الثورة ‏بالمفهوم الثوري المبسط هي التغيير الجدري نحو الافضل ولخدمة ملايين الناس. ولكي ندرك ‏قيمة البوصلة انظروا لمن انتفض بدون بوصلة في تونس ومصر وكيف انه اوصل القطرين ‏ إلى حافة كارثة الحرب الاهلية بدل حل مشاكل الجماهير! الم نحذر من ذلك منذ الاسبوع الاول ‏لانتفاضة تونس؟

ولكي يتوقف من يزور كلامنا وينتقي منه مايشاء يجب ان نؤكد على ان ما حصل هو ان ‏الجماهير التي انهكتها الديكتاتوريات والفساد والظلم الاجتماعي والاقتصادي كانت تحلم ‏بالثورة بلا جدوى، وكانت يائسة نتيجة قمع الانتفاضات السابقة بفضل بوليسية النظم والدعم ‏الأمريكي لها بلا تحفظ، لذلك فان الجماهير ما ان رات بوادر تغيير مشجعة حتى التحقت ‏بالالاف وبالملايين بمسيرة التغيير دون ان تكون عارفة بالخطوة التالية لاسقاط النظام وبلا ‏معرفة هوية قادة الانتفاضة، لان الاهم بالنسبة لها كان التخلص من انظمة اذلتها وقهرتها ‏وافقرتها.‏

هنا لدينا جماهير لا صلة لها باي تخطيط للانتفاضة ونخب درب قسم كبير منها على كيفية ‏تفجير انتفاضة وتطويرها وتصعيدها دون تدريبها على ما بعد اسقاط النظام، لذلك فوعي ‏النخب التي قادت كان وعيا مرحليا قاصرا، اما القسم الاخر الوطني النظيف فانه اندفع ليساهم ‏في احداث موجة (وليس في قيادتها) سبق وان اطلقت بدون مشاركته في التخطيط لها فوجد ‏فيها تحقيقا لاحلامه بالتغيير دون ان يملك القدرة على تحديد مسار الانتفاضة وكان مسيرا وفقا ‏لالياتها المقررة سلفا، اما المتحكمون بالميادين فهم من دربوا قبل سنوات ويخضعون لتوجيه ‏السيد الجالس في مقر المخابرات الأمريكية!!! من الراكب اذن ومن المركوب أيها السادة؟

‏2 – نكرر ما قلناه قبل اكثر من عامين: فقط شرارة اشعال الحريق كانت عفوية وهي انتحار ‏محمد البوعزيزي في تونس، انطلقت الجماهير بعفوية لاشك فيها لكن هذه العفوية سرعان ما ‏اغتيلت، اولا بتدخل الجيش، وثانيا باعادة تصدير رجالات الغرب وفي مقدمتهم السلفي راشد ‏الغنوشي والليبرالي المنصف المرزوقي، عاد هؤلاء إلى تونس بعد ان تم اختيارهم بدقة ‏ولاغراض محددة وهي نشر الفوضى الهلاكة في تونس، اما بوعي منهم أو بحكم طبيعتهم ‏السياسية أو النفسية، فتولوا المسؤولية بعد انتخابات تمت في بيئة ملغومة، فماذا حصل؟ بدأت ‏لعبة تدمير تونس عبر النشر المخطط للفوضى الهلاكة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ‏وادخل السلاح من ليبيا إلى تونس كما ادخل إلى مصر بكميات رهيبة ليس لمقاومة احتلال بل ‏لذبح ابناء تونس ومصر وغيرهما.‏

ويعرف كل تونسي الان ان مايحصل لم يكن ثورة ابدا وانما انتفاضة ارادت الجماهير ‏تحويلها إلى اسقاط لنظام فاسد وديكتاتوري واقامة بديل وطني يدفع تونس نحو حالة افضل مما ‏سبق بكثير ولكن ما يحصل هو العكس تماما فقد فقدت تونس استقرارها وامنها وامانها ‏واصبحت غابة قتل واضطرابات وفقدت تقريبا اهم مواردها وهو السياحة! اين وصلت الثورة؟ ‏هل ركبت الجماهير والنخب الوطنية موجة تغيير لم تخطط له؟ ام أمريكا ركبت موجة ‏انتفاضة وحرفتها وفقا للاتجاه الذي تريد؟ من الراكب ومن المركوب أيها (القضاة)؟ ماذا عن ‏مصر؟

‏***‏
3 - ‏ في مصر اشتعلت انتفاضة شعبية بعد انتفاضة تونس وكان توقيت انتفاضة مصر مبنيا على ‏استثمار تأثيرات الانتفاضة التونسية الايجابية على الناس، وكان الناس منذ فشلت انتفاضات ‏عديدة ضد السادات ومبارك وقمعت يشعرون بالاحباط لان أمريكا تدعم النظام بقوة ولا تسمح ‏باسقاطه، لكن ما حدث في بداية عام 2011 كان امرا مناقضا تماما، فأمريكا اوباما غير ‏أمريكا بيل كلنتون ولا أمريكا بوش الامي، وكما دعمت أمريكا مباشرة ورسميا عمليه اسقاط ‏بن علي هي وفرنسا كررت نفس الموقف في مصر فدعمت الانتفاضة ضد مبارك من خلال ‏الضغط المباشر والرسمي الذي مارسه اوباما شخصيا ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون على ‏مبارك للاستقالة بعد اجباره على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، ولم يكن ذلك عشقا ‏أمريكيا للانتفاضة بل للوصول إلى تمزيق مصر كما نرى الان وبعد اكثر من عامين ونصف ‏العام.‏

كانت تلك الرسائل الأمريكية الرسمية واضحة المعنى تماما للجميع ولا يمكن الاختلاف في ‏تفسير معناها: لعسكر النظام ومخابراته ورئيسه تقول: ستحاسبون في محاكم دولية اذا ‏استخدمتم العنف ضد المتظاهرين! وهذا يعني ترك الانتفاضة تتوسع كي تصل حد عجز النظام ‏فينهار من الداخل، هذا ما اكدناه مبكرا، والان وبعد عامين ونصف العام يأتي الجنرال سامي ‏عنان رئيس الاركان المصري اثناء بدأ الانتفاضة ليؤكده باعترافه في مذكراته بان اوباما طلب ‏منه بواسطة قائد القوات الأمريكية مباشرة عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين وارفق الطلب ‏بتهديد واضح تماما كما فعل بريجنسكي مع جنرالات إيران اثناء الانتفاضة الإيرانية في عام ‏‏1979 عندما ارسل لهم الجنرال روبرت هويزر قائد القوات الأمريكية في اوربا وقتها ليحذر ‏الجنرالات من تنفيذ اوامر الشاه بسحق الانتفاضة فرضخوا لطلبات أمريكا وكانت النتيجة ‏اعدامهم كلهم!‏

كذلك التقط المنتفضون خصوصا الوطنيون منهم الرسالة فتشجعوا اكثر على مواصلة ‏الانتفاضة بعنف اشد، بينما من دربوا في واشنطن وبلغراد على كيفية القيام باسقاط النظام ‏ب(طرق سلمية) واصلوا دورهم بلا تردد لان لديهم ضمانات أمريكية واضحة. وكان اعداد ‏هؤلاء ممتازا لدرجة ان وائل غنيم، وهو ابرز نشطاء الاعداد الأمريكي المباشر والصريح، ‏كان الاعلام الموجه العربي والاجنبي يركز عليه وهو يبكي قتيلا بطريقة مؤثرة عاطفيا ‏صورته (كرمز للثورة المصرية)! اما الجماهير الحاقدة على النظام والتي كانت خائفة منه ‏ويائسة من اسقاطه نتيجة تجارب الانتفاضات السابقة التي قمعت بلا رحمة فانها حينما ‏لاحظت ان أمريكا ليست مع مبارك هذه المرة وان الجيش محايد ولم يقمعها تشجعت اكثر ‏وفي ظنها ان الفرج اقترب ربما على يد الجيش هذه المرة، فترسخ الطابع الملاييني للانتفاضة ‏واكتسب زخما هائل جعل الانتفاضة المصرية احدى اهم انتفاضات التاريخ الانساني العظمى!‏

اسقط مبارك بقرار أمريكي اولا وقبل كل شيء وليس لقوة الانتفاضة فقط فلو لم تدعمها ‏أمريكا لسحقها الجيش كما سحقت انتفاضات سابقة في عهدي السادات ومبارك، بل ان تعاظم ‏الانتفاضة قوة وعددا احد اسبابه الرئيسة ادراك الناس العاديين ان أمريكا تخلت عن نظام ‏مبارك لذلك زال ترددهم وتخوفهم من النتائج واندفعت ملايين الناس بلا حدود تعويضا عن ‏القهر والظلم والاحباط في السابق. ولكن الانتفاضة لم تتوج بحل شعبي واضح كما حلمت ‏الملايين ومعها شباب وطني صادق بل ادخلت مصر في نفق مظلم وخطير مملوء بالافاعي ‏السامة والوحوش الغريبة التي لم نشاهدها من قبل لدرجة ان الناس اخذوا يتساؤلون: هل هذه ‏هي نتائج انتفاضة انتظرناها ثلاثة عقود من القهر والظلم والتجويع؟

ولذلك ليس ثمة مفر من طرح التساؤل المركب التالي في ضوء تفاقم ازمة مصر الان ‏وانتشار الفوضى الهلاكة فيها: هل ما يحصل الان في مصر وفرض ادارة اوباما على سامي ‏عنان والعسكر في مصر عدم استخدام القوة ضد المتظاهرين هل هو تمهيد لتكرر ادارة اوباما ‏في مصر الان ما فعله بريجنسكي اثناء عمله كمستشار للامن القومي في ادارة كارتر في ‏إيران؟ نذكر بان بريجنسكي ارسل الجنرال روبرت هويزر قائد القوات الأمريكية في اوربا ‏وقتها إلى جنرالات إيران وطلب منهم عدم تنفيذ اوامر الشاه بقمع التظاهرات ووعدهم بان ‏حياتهم مضمونة لكن عدم استخدام القوة لفض التظاهرات ادى إلى سقوط الشاه واعدم جنرالات ‏الشاه حتى من تعاون لانجاح عملية ايصال خميني للحكم! فهل عدم استخدام القوة لانهاء ‏التظاهرات العنيفة في مصر سيؤدي إلى شرذمة مصر اذا تواصلت ولم تنتهي بحسم سريع، ‏ويأتي يوم يعدم فيه عنان وطنطاوي والسيسي وكافة جنرالات مصر كما اعدم الجنرال ربيعي ‏ورفاقه في إيران؟

تذكير اخر: إيران لم تحصل فيها فوضى هلاكة بعد اسقاط الشاه، بل بالعكس كان الهدف ‏الأمريكي الاسرائيلي هو بروز إيران موحدة واقوى من إيران الشاه واوسع نفوذا وتأثيرا في ‏الوطن العربي والعالم الاسلامي، لان دورها المرسوم أمريكيا وصهيونيا كان يقوم على ‏استخدام النفوذ الطائفي لحكم رجال الدين الإيرانيين في الاقطار العربي لاجل شرذمتها ‏وتقسيمها طائفيا في اطار مخطط الشرذمة الطائفية العنصرية للوطن العربي، لذلك كانت إيران ‏الموحدة والقوية ومازالت حتى هذه اللحظة مصلحة ستراتيجية أمريكية صهيونية.‏

هل من دليل جديد على هذه البديهية الان؟ نعم الادلة كثيرة وتهاطلت كالمطر مؤخرا! الصفقة ‏الروسية الأمريكية حول سوريا والتي قامت فيها أمريكا بما كان متوقعا منها وهو الغدر بمن ‏وثق بها من اطراف في المعارضة السورية، فابقت النفوذ الإيراني في سوريا لفترة اضافية من ‏خلال النظام الصفوي الاسدي مع ان هذا النفوذ كان على وشك التلاشي نتيجة اقتراب انتصار ‏المعارضة، وتحول زواج المتعة الذي عقده خميني مع بريجنسكي إلى زواج مدني بين اوباما ‏وخامنئي واستخدام حسن روحاني كشاهد على هذا الزواج، وانهاء فترة التهديدات والمعارك ‏الدونكيشوتية بينهما وقيام خامنئي باكبر حملة تنظيف في إيران لرفع الشعارات المعادية ‏لأمريكا، وقبلها تسليم العراق إلى إيران وليس إلى عملاءها التقليديين! الا تكفي هذه الادلة ‏وهي جزء من حزمة ادلة اكبر لاثبات ان إيران القوية مصلحة استراتيجية أمريكية صهيونية؟

وخدمة رجال الدين الإيرانيين لأمريكا والصهيونية نرى نتائجه وواقعه الان في العراق ‏وسوريا واليمن والبحرين ولبنان ودول الخليج العربي التي اندلعت فيها الفتن الطائفية بفضل ‏نظام رجال الدين في إيران وليس غيرهم، فأدى ذلك إلى اعطاء اسرائيل فترة هدوء شامل ‏وتوقف (التهديدات) العربية لها لان العرب انظمة وجماهير اصبحوا منغمسين حتى شعر ‏الرأس بصد الهجمات الإيرانية الدموية ولم يعد لديهم الوقت ولا الطاقات لتذكر الخطر ‏الاسرائيلي الذي تفاقم وتضاعف بفضل الدور الإيراني، كما ان أمريكا استثمرت تهديدات ‏رجال الدين في إيران بغزو اقطار الخليج العربي تحت غطاء (نشر الثورة) للحصول على ‏المزيد من المال العربي وتوسيع قواعدها العسكرية في الوطن العربي.‏

وهنا علينا تذكر احدى اهم حقائق الصراعات الحالية والسابقة التي تقدم ايضاحات اخرى ‏وهي ان الاقطار العربية هي هدف المخطط الصهيوني الأمريكي هذا وليس إيران التي لم تكن ‏يوما ما هدفا حقيقيا لذلك المخطط، ففلسطين عربية وليس إيرانية والنفط بقسمه الاعظم عربي ‏وليس إيرانيا، وتلك اهم المصالح الأمريكية والصهيونية، من هنا فان تغيير النظم العربية ليس ‏مقدمة لاقامة نظم بديلة قوية ومستقرة كما حصل في إيران بل هو مدخل واضح جدا لتمزيق ‏الاقطار العربية كلها طائفيا وعرقيا عبر اغراقها في فوضى هلاكة تجر جرا إلى تقسيم الاقطار ‏العربية وتقاسمها بين الغرب الاستعماري وقوى دولية اخرى وقوى اقليمية. لهذا فان اي تغيير ‏في مصر يجب ان ينظر اليه من زاوية محددة وهي ستراتيجية تقسيم وتقاسم الاقطار العربية ‏وفي مقدمتها مصر.‏

الان علينا ان نطرح اسئلة تشكل مفتاح الفهم الصحيح لما يجري في مصر من احداث ‏خطيرة جدا ومنها: هل تحولت الانتفاضة المصرية إلى ثورة؟ هل اقيم حكم بديل كما ارادته ‏الجماهير؟ هل تحققت امال الجماهير أو حتى بعض اهدافها ولو جزئيا؟ كلا طبعا فلقد اوصلت ‏أمريكا عمدا وتخطيطا محمد مرسي للرئاسة واغتيل عمر سليمان المرشح البديل الذي اوهمته ‏أمريكا هو وغيره من رجالات النظام بانه هو البديل لمبارك حتى انه ربما اقنع مبارك بتلك ‏المعلومة كي يتنحى، لكن أمريكا نحرت سليمان نحرا بلا رحمة أو تردد وبصورة اقرب ‏للعلنية، ومن يقول انه مات بمرض طارئ فهو مغفل كامل الغفلة، واستبعدت أمريكا حتى ‏رجلها الاخر اخر رئيس للورزاء في عهد مبارك احمد شفيق الذي فاز فعلا في الانتخابات لكن ‏أمريكا عطلت اعلان النتائج وزورتها واعلن مرسي رئيسا. مثلما فعلت في العراق بجعل ‏المالكي رئيسا للوزراء بينما كان علاوي وقائمته هما من فاز.‏

لماذا (عينت) أمريكا مرسي رئيسا ثم ساعدت على اسقاطه؟ لكي لانتهم احدا بما ليس فيه ‏علينا توضيح الاسباب، فمرسي اختير رئيسا لانه يمثل تيارا متخلفا ومعوقا فكريا ونفسيا وهو ‏لذلك بعيد جدا عن فهم ما يجب وما لايجب في الحكم نتيجة تربيته الرجعية الظلامية خصوصا ‏طبيعته التكفيرية للاخرين وعبادة الكثير من قادة جماعته للمال والحكم والجنس، ومن بين اهم ‏الاسباب ان اشعال فتن طائفية دموية واسعة النطاق لا يمكن تحقيقه الا بوصول (اخوان مصر) ‏للحكم، فبعد ان مهد نظام السادات - مبارك للفتن الطائفية وفجرها جاء دور الاخوان في نقلها ‏ إلى مستوى الكارثة الوطنية المصرية من خلال ممارستهم لكافة اشكال التكفير والاقصاء ‏والاخونة للوظائف والسيطرة على الناس وممارسة اشد الفواحش استفزازا...الخ، وعندها يمكن ‏للتطرف المسيحي ان يجد مبررا لدعوة الخارج لانقاذ الاقباط والانغماس في حرب اهلية. وهذه ‏الخطوة الأمريكية الصهيونية في دعم الاخوان المسلمين في مصر تشبه خطوة أمريكا في ‏إيران بدعم خميني واستبعاد القوى الوطنية الإيرانية، كما تشبه ما حصل في العراق بايصال ‏احزاب طائفية تتستر بالاسلام السني والشيعي ليس حبا بالاسلام بل رغبة في استخدامها ‏لاشعال فتن طائفية

كان متوقعا من مرسي كما خططت أمريكا ان يخلق بيئة ازمات متتالية تولد احدها الاخرى ‏لجر مصر إلى حرب اهلية، خصوصا لان أمريكا عرفت بدقة ان مرسي وجماعته سوف ‏يتمسكان بالحكم حتى الموت واراقة دماء الالاف اذا جرت اي محاولة لازاحته من الرئاسة ‏حتى بالانتخابات، وهذا ايضا احد اسباب دعم أمريكا للمالكي في العراق رئيسا للوزراء وتجديد ‏ولايته، فمن دون اشخاص تشبعوا بثقافة الاستبداد والاستعداد لقتل الالاف من اجل موقعهم ‏الرئاسي لا يمكن تصور وقوع احداث كارثية تساعد على تفكك المجتمع والدولة! وهكذا خلقت ‏بيئة حرب ضروس لاتبقي ولا تذر بين ملايين المصريين وليس بين نظام مبارك والشعب!‏

ما رأيناه في مصر هو ضربات استباقية (‏Preemptive strikes‏) أمريكية لاحلام الناس ‏بالثورة والتغيير الجذري، فبدلا من حصول ثورة تحقق اهداف الجماهير في الحرية والعدالة ‏القانونية والاجتماعية والاقتصادية تم اختطاف مشروع الانتفاضة القديم منذ عهد السادات ‏واحبط مرات وتوفرت ظروف تسمح به فتفجرت الانتفاضة عام 2011 ولكن بقيادة نخب ‏المسيطر منها مدجن ومدرب من قبل نفس الذي يحرك باصبعه قروقوزات الجزيراوي ‏والعربياوي، لذلك تحول مشروع الانتفاضة إلى فوضى هلاكة!‏

الملايين خرجت وهي تأمل بحكم شعبي يحل مشاكل الجوع والفقر والتخلف والظلم والفساد، ‏ولهذا قدمت الشهداء لكن من يحرك القرقوازات كان يريد امرا اخرا وهو اشتعال نيران ‏الفوضى الهلاكة في مصر حتى تدمرها ولا تبقي حجرا فوق حجرا وتمسح كل امل في الحرية ‏والاستقرار من ذاكرة شعب مصر. فقط تأملوا في التغييرات الغريبة في مصر وحللوا سبب ‏دعم أمريكا وصول الاخوان المسلمين لحكم مصر ولم واصلت دعمهم حتى نفذوا ما كانت ‏تتوقعه وهو محاولة اعادة تشكيل مصر وفقا لرؤية ظلامية مرفوضة استفزت ملايين ‏المصريين واجبرتهم على رفض حكم الاخوان فاسقط وبدأت رحلة تشرذم مصر، فقط تذكروا ‏ذلك ستعرفون من هو الراكب ومن هو المركوب.‏

‏4 – ليبيا كانت رغم نظامها وغرائبه تشكل واحة استقرار وكان ابناء الشعب يعيشون ‏بصورة طبيعية يتمتعون بامتيازات كبيرة. فماذا حصل؟ فقدت ليبيا وضعها السابق ولم تحصل ‏على الحرية والاستقرار بل ادخلت من كل الابواب التي فتحت لها إلى الجحيم. فاليوم ليبيا ‏ساحة قتال بين القبائل والكتل والاحزاب والعصابات والحارات، وتقوم العصابات المسلحة ‏بأبادة كل ما أهلته ليبيا من كوادر الدولة كالضباط والطيارين والخبراء، وتبديد الثروة الليبية ‏بصورة علنية وتسليمها للغرب الاستعماري، فقدت ليبيا الاستقرار كليا ودخلت طور التأكل ‏التدريجي وبدأت بالتحول إلى امارات حرب يحكمها امراء حرب فاسدون حتى العظم وهذا ‏هو الوضع الانموذجي الذي يخدم النيتو الذي اسقط القذافي. هل هي انتفاضة؟ ام ثورة؟ ام ردة؟ ‏الا يشبه ذلك ما حصل ويحصل في العراق وغيره؟ هل التشابة أو التطابق احيانا صدفة؟ من ‏الراكب ومن المركوب في ليبيا: الجماهير ام اجهزة المخابرات الاوربية والأمريكية ‏والاسرائيلية؟

احد المركوبين في ليبيا اسمه عبدالرحمن شلقم، وكان وزيرا لخارجية القذافي، اعترف ‏مرخرا بانه ساهم في تنفيذ مخطط رمي ليبيا في نيران الفوضى الهلاكة وان نظام المرحوم ‏معمر القذافي كان افضل بكثير من الوضع الحالي، وهذه الاعترافات تقدم لنا انموذجا لحالة ‏السقوط الاخلاقي قبل السقوط الوطني لاشخاص لا يهمهم سوى ملذاتهم ومصالحهم الانانية ‏وهي الصفات التي تبحث عنها اجهزة المخابرات وتبدأ بتوريط الاشخاص باستثمارها كما ‏فعلت مع شلقم هذا، فشلقم الذي تلطخت يديه بدماء الاف الشهداء الليبيين كان وزيرا مدمنا ‏للقذافي وكان من اركان نظامه وكان مدللا بشكل خاص لكنه ارتد وخدم الاستعمار طمعا في ‏منصب اعلى – اه! اه من الدلال فان اغلب من تدلل في العراق قبل الغزو خان وارتد - فساهم ‏في حرق ليبيا تماما مثلما فعل احمد الجلبي الرمز الاكثر قذارة للخيانة الوطنية العظمى في ‏العراق. ‏

‏***‏
(يتبع)

* كاتب ومفكر عراقي

زر الذهاب إلى الأعلى