(في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها)
حكمة من يريد تجنب الخطأ
ولكي نكمل ملاحظاتنا حول ليبيا فقد حمل الينا يوم 1-11-2013 اخبارا تقول بانه تم اعلان فدرالية برقة المستقلة عن العاصمة وانها سوف تسخر مواردها لخدمة ابناء الفدرالية! واكد الخبر بان بقية اجزاء ليبيا تستعد لاعلان نظامها الفدرالي مثل برقة وان الثروة الليبية سوف توزع على هذه الفدراليات!
وكي تكون الصورة متكاملة ونرى حجم وخطورة المؤامرة الاكبر على الامة العربية بكافة اقطارها التي تنفذ امام عيوننا الان، لابد من التذكير بحادثة مرت مرور الكرام بدون فهم هدفها الحقيقي وهي اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس رئيس الاركان الليبي الذي انشق عن القذافي وتعاون مع الاستعمار الممثل بالنيتو لاسقاطه، واصبح رئيس اركان القوات التي تخوض القتال ضد القذافي، فقد قتل بخديعة دبرتها نفس العناصر التابعة للنيتو وهي عناصر اسلاموية وعندما القي القبض عليها بعد ضغوط قبلية شديدة واجري التحقيق اغتيل القاضي الذي عرف ملابسات الاغتيال لدفن القضية ومفاتيحها!
الا يذكركم اعلان برقة كيانا فدراليا واغتيال يونس باحداث اخرى مشابهة ولكن في العراق؟
في العراق وضع دستور صهيوني كتبه صهيوني أمريكي هو نوح فيلدمان، تنفيذا لخطة مسبقة وضعت قبل غزو العراق من قبل (المحافظين الجدد)، وفي ذلك الدستور الذي مازال معمولا به حتى الان فقرة تنص على ان الثروة لمن يعيش فوقها وليس للدولة كلها ولا لابناء الوطن كلهم، فمثلا نفط البصرة لاهل البصرة والجنوب وليس لاهل الانبار أو الموصل، والهدف كان تقديم رشا للناس البسطاء الذين جوعهم الاحتلال عمدا في محافظة ما ولو لفترة قصيرة لجرهم إلى قبول تقسيم العراق طمعا في المال الذي سيحصلون عليه وحدهم نتيجة حصر الثروة بهم وحرمان العاصمة وبقية العراق منها.
وكان اول المطالبين بتطبيق تلك الفقرة عبدالعزيز الحكيم الإيراني الاصل وزعيم المجلس الاعلى الذي اسسته المخابرات الإيرانية، أليس ما يحصل الان في ليبيا مطابقاً لما حصل في العراق من زاوية لمن تعود الثروة والدور الخطير لذلك في اغراء البعض بقبول التقسيم وانهاء الوطن الواحد؟ نعم انه تطابق وليس تشابه فقط، ولهذا التطابق في زمن واحد أو متقارب مغزى كبير وواضح جدا وهو انه جزء من خطة عامة تطبق على كافة الاقطار العربية.
اما ما يذكرنا به موضوع اغتيال عبدالفتاح يونس فهو حل الجيش العراقي فور نجاح الغزو بقرار مركزي من ادارة بوش الاحمق، فلقد حل الجيش وقوات الامن والشرطة وحلت محلهم قوات الاحتلال والميليشيات المتعددة. فماذا حصل؟ فقد الامن كليا وتحول العراق إلى اسوأ من غابة القتل والنهب والفساد والتلوث والجوع فيها حول الحياة إلى جحيم لا يطاق! وكان ذلك الوضع هو ما خططت له أمريكا لان الاصل هو تقسيم الاقطار العربية بعد اهلاك الناس وابادة الملايين وتشويه نفوس وحياة من يبقى حيا. فنظام يقوم على حكم الميليشيات والعصابات وفرق الموت والنهب والاغتصاب هو خير اداة لتقسيم اي قطر أو بلد.
لكن ما حصل في العراق اجبر أمريكا من ناحية ونبهها من ناحية ثانية، فلقد اجبرت أمريكا على تغيير خطتها لان هزيمتها امام المقاومة العراقية الباسلة وتحملها خسارة مالية تقدر بحوالي 3 ترليون دولار اي اضعاف مضاعفة لخسائرها في كل حروبها الاستعمارية بما في ذلك حرب فيتنام، اما الخسارة الكارثية الاخرى لأمريكا فكانت قتلاها وجرحاها والمعوقين فقد بلغ عدد القتلى اكثر من خمسين الف قتيل أمريكي حسب منهم فقط اكثر من 4000 قتيل هم قتلى الجيش الرسميين ولم يحسب المرتزقة وجنود الشركات الامنية ولا اولئك الذين زجوا في الحرب قبل حصولهم على الجنسية الأمريكية وكشرط للحصول عليها، اما الجرحى والمعوقين فقد تجاوز عددهم المليون معوق نفسيا أو جسديا طبقا لاحصاءات أمريكية، لان القوات كانت تستبدل دوريا فوصل عدد من خدم في العراق إلى اكثر من مليون بكثير، فهل تكرر أمريكا في ليبيا أو سوريا وغيرهما (كارثتها الستراتيجية الاعظم في التاريخ الأمريكي) كما وصفت حرفيا مادلين اولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا السابقة، هزيمة أمريكا في العراق؟ ام تتعض وتبحث عن طريقة اخرى للوصول إلى نفس اهداف غزو العراق؟
كما ان ما حصل في العراق نبه العصابة الاجرامية التي تحكم أمريكا لمسألة مهمة فقد حمّلت أمريكا والعصابة بشكل خاص مسؤولية ما حدث ويحدث في العراق من كوارث نتيجة الانفلات الامني وسيطرة العصابات والحرامية والذي ماكان سيحصل لولا حل الجيش وقوات الامن والغاء الوزارات العراقية بعد الغزو،، لذلك تصاعد النقد في الاعلام الأمريكي والكونغرس لهذه الحالة وحمل الجمهوريون مسؤولية كل تلك الكوارث، لذلك تعلمت أمريكا الدرس وقررت في عهد الديمقراطي باراك اوباما ان لا تحل الجيش الليبي – وكذلك الجيشين السوري واليمني كما سنرى - بنفس الطريقة التي حلت بها الجيش العراقي لتجنب النقد وتحميلها مسؤولية الكوارث بل لابد من تفكيك الجيوش العربية تدريجيا بطريقة مختلفة وغير رسمية وتبدو كأنها من فعل العرب انفسهم وليس الاستعمار!
ولكن الفوضى الهلاكة، والتي اسمتها كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) وهي تعني خلق وزرع وفرض كل عناصر الهلاك للبشر والعمران، كانت احد اركان خطة المحافظين الجدد وبدونها لن تنجح خطة تقسيم الاقطار العربية، فما العمل للوصول إلى نفس الهدف وهو نشر الفوضى في ليبيا دون حل الجيش رسميا؟، تفتقت عبقرية الشر في أمريكا عن بديل خطير وهو تفكيك الجيش الليبي تدريجيا ودون اعلان حله رسميا واحلال العصابات المسلحة محله. ومما ساعد على ذلك هو ان غزو ليبيا تم بطريقة مختلفة عن غزو العراق، فقد اعتمد النيتو على قوات نخبة قليلة العدد ادخلت ليبيا واخذت تقوم بعمليات نوعية جدا ضد قوات ليبيا الوطنية ومنها اسر واغتيال القذافي، ولم يحصل غزو ارضي كثيف كما حصل في العراق، واعتمد اساسا على القوة الجوية والصاروخية فدمرت الكثير من القوات الليبية ومن تبقى منها تشرذم ما بين القذافي وخصومه، لذلك لم تكن هناك اي ضرورة لاعلان حل الجيش وقوات الامن بعد ان تفككت عمليا وتشرذمت وحلت محلها عصابات استولت على السلاح والمال واصبحت هي الحاكمة.
والان نعرف بان اغتيال عبدالفتاح يونس كان هدفه الاساس منع بقاء الجيش الليبي حتى ولو منقسما بل كان مطلوبا تصفيته واول الخطوات كانت اغتيال القائد العسكري الاقوى القادر على ابقاء الجيش أو قسما كبيرا منه موحدا وفاعلا، كما انه كان المرشح الاقوى للحلول محل القذافي فيفرض الامن والاستقرار بقوة الجيش بعد اسقاط القذافي فتبقى ليبيا واحدة ولا تحدث عمليات تدمير منظم للدولة والنسيج الاجتماعي الليبي ولا تهدر كل الثروة الليبية، وهذا ليس هو هدف الاصلي والفعلي للنيتو وأمريكا والذي يقوم على التدمير الشامل للدولة والمجتمع وشرذمة الناس قبائلا واحزابا وكتلا وجعلهم عبارة عن كتل صغيرة عاجزة حتى عن التفاهم على قاسم مشترك، فاغتيل يونس لمنع استمرار وجود قوة عسكرية تستطيع ابقاء ليبيا موحدة ومركزية، ولفسح المجال لتشرذم القوة الليبية وسيطرة العصابات وهو ما نراه اليوم بشرذمة القوات المسلحة وانهاءها واحلال العصابات محلها وبجعل الثروة لمن يعيش فوقها يمكن وضع اسس تقسيم الاقطار العربية بدون تدخل عسكري مباشر مكلف ماديا وبشريا لأمريكا وللنيتو.
وهذه الحالة تنطبق على اليمن الان وانطبقت على سوريا كما سترون، ونرى خطة مشابهة تطبق الان في مصر تقوم على انهاك الجيش المصري وتجريده من عنصر الردع الفعال بتواصل المظاهرات مما سيؤدي إلى زوال سمة الردع فيه فيصبح تحديه عملا سهلا من جهة، ويدمر معنويات الجيش عندما يرى الناس العاديين يهينونه وهو عاجز عن الردع بطريقة فعالة، لان أمريكا طلبت عدم استخدام القوة ضد التظاهرات السلمية كما اكد سامي عنان رئيس الاركان المصري السابق من ناحية ثانية، وهكذا سيأتي يوم يبدأ فيه الجيش بالتفكك والانهيار التلقائي، وهذا هو تكتيك المخابرات الأمريكية المستخدم خصوصا لانهاء الجيش المصري.
اذن نحن بأزاء مخطط مرسوم بدقة وبعد دراسات معمقة مبنية على معلومات وفهم لحالتنا هدفها هو تدمير الدولة بكافة مؤسساتها والمجتمع بكافة مكوناته وبناه الفوقية وليس النظام فقط كي تزول كل عوامل قوتنا وتماسك هويتنا القومية والوطنية، وفي هذا المخطط تنتظم الاحداث التي تجري في كل الاقطار بخيط فولاذي واضح جدا يضمن التحطيم المتزامن أو المتعاقب لكافة عوامل وحدتنا الوطنية ومصادر قوتنا. ليقل لنا اي منصف وعاقل: هل هذا صدفة ام انه تخطيط مسبق؟
من الراكب ومن المركوب في ليبيا؟ المركوب هو الشعب الليبي الذي يعاني من كل اشكال كارثة التدخل الاستعماري المكشوف، اما المركوب الاخر فهو عناصر (وطنية) رقصت للغزو الاستعماري لليبيا نكاية بالقذافي في تعبير غريب عن التخلف الكارثي في فهم ما يجري! والراكب هو الصهيوني المعتق والاصيل برنار هنري ليفي منظر وقائد انتفاضات (الربيع العربي) الذي ابى الا ان يقود بنفسه معركة غزو ليبيا.
4– سوريا من الانتفاضة الوطنية إلى الحرب الاهلية: بسبب فساد النظام السوري حتى العظم وتركيز الثروة في ايادي عائلة الاسد وشركاءها وحرمان الناس من العيش الكريم، وطائفيته العلنية، وعمله المنظم لالغاء عروبة سوريا عبر تحوله إلى اخطر اداة لنشر النفوذ الإيراني الصريح في سوريا والاقطار العربية، مع كل ما يحمله ذلك النفوذ من فايروسات عنصرية وطائفية وافساد مالي واخلاقي (زواج المتعة)، واقدامه على ارتكاب خيانات وطنية وقومية عظمى منها تسليم الجولان لاسرائيل والاعتراف بها (بقبول القرارين 242 و338)، ووضع الجيش السوري تحت امرة أمريكا، اولا بدخوله لبنان بقرار أمريكي صريح في منتصف السبعينيات لمنع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من فرض سيطرتها على لبنان، ثم امرته أمريكا مرة اخرى بالمشاركة في شن العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 فرأينا الجيش السوري - ويا للعار - يقتل ابناء العراق وجيشه الذي انقذ دمشق من السقوط في عام 1973، واخيرا وليس اخرا نتيجة ظلم النظام واذلاله الشعب العربي السوري طوال اكثر من اربعة عقود، بكل ذلك وغيره من جرائم النظام السوري الصفوي توفرت عوامل الانتفاضة بصورة كاملة في سوريا وكانت تنتظر اللحظة المناسبة لتفجرها.
وبدأت الانتفاضة شعبية وطنية مشروعة وحقيقية في درعا في اذار عام 2011 وكانت سلمية لمدة ستة اشهر وكانت واضحة الاهداف وفي مقدمتها اسقاط النظام، وهب ابناء سوريا الابطال ضد النظام وكسروا حاجز الخوف وتحرروا من كابوس القمع الدموي للنظام الصفوي الفاشي واخذ الشهداء يتساقطون نتيجة لجوء النظام إلى اسلوب القمع الدموي وبسبب ذلك كانت الانتفاضة تتسع وتتعمق. ولكن كانت هناك حسابات اخرى غير حسابات الجماهير وقواها الوطنية، فمن خطط للتغيير على المستوى العربي كله وهو المخابرات الأمريكية والصهيونية، كان يريد التحاق سوريا بمسيرة الفوضى الهلاكة وليس التغيير الثوري والوطني، فتدخلت عدة اطراف دولية واقليمية وعربية في سوريا ليس لانجاح الانتفاضة بل لتحويلها إلى حرب اهلية تدمر سوريا وليس النظام، تقضي على كل ما بناه الشعب السوري خلال مئات السنين، وتحول سوريا العربية إلى امارات طائفية متعاركة حتى الموت والفناء لا صلح بينها.
الان نواجه هذا الواقع المرعب فبعد ان تصاعدت الانتفاضة واصبحت قوية بما يكفي لاسقاط النظام بوصولها إلى دمشق واقترابها من قصر الرئاسة وسحقها لاركان النظام حصل ما عده البعص مفاجئة ولكنه كان تطورا متوقعا فقد سحبت أمريكا تبنيها لهدف اسقاط النظام وتراجعت عن وعودها بتسليح اطراف في المعارضة باسلحة نوعية تكفي لحسم الصراع، كما وعد اوباما وغيره مرارا، وتبنت نفس ادارة اوباما خطة مكملة قامت على حل سلمي للازمة السورية وعدم تسليح المعارضة (خوفا) من القاعدة كما ادعت أمريكا مع انها هي وليس غيرها من ادخل القاعدة إلى سوريا، تماما كما فعلت في العراق!
مقابل ذلك وعلى النقيض منه وفي خطوات تكاملية مع الخطوة الأمريكية قامت روسيا وإيران برمي ثقلهما كله خلف النظام لتمكينه من البقاء، وهكذا وبعد تصاعد الامال باسقاط النظام لدى المنتفضين وانهيار كامل في معنويات انصار النظام وصل إلى درجة ان بشار قدم تنازلات مهينة، انعكست الاية فهبطت هذه الامال لدى المنتفضين وتصاعدت معنويات النظام ومكنت أمريكا وروسيا وإيران بشار من تحقيق تقدم عسكري في اماكن معينة! هذه الحقيقة المعاشة صدمت من لا يعرف العاب أمريكا وعدها تناقضات غير مفهومة مع انها واضحة جدا لمن لديه وعي بالحد الادنى بتاريخ التدخلات الأمريكية في العالم. لذلك طرحت الملايين سؤالا منطقيا هو: لماذا تراجعت أمريكا والنيتو عن تشددها المتطرف والذي كان يصر على ان شرعية نظام بشار انتهت وعليه الرحيل فورا وان اصراره على البقاء سوف يؤدي إلى اسقاطه بعمل عسكري خارجي؟
الجواب في لعبة معروفة: اضعاف النظام وايصاله حافة الانهيار وتقوية المعارضة حتى تصل بوابة النصر ثم تغيير قواعد اللعبة فيقوى النظام وتضعف المعارضة! كان ذلك هو جوهر لعبة أمريكا التي هندست لدفع سوريا الشعب والمجتمع والدولة للتفكك التدريجي تمهيدا لتقسيمها عبر الطحن القاسي للبشر والعمران وبصورة متواصلة حتى الانهيار. ذلك هو التكتيك التقليدي لأمريكا في التعامل مع ازمات معينة لا تستطيع التدخل العسكري فيها فتمارس لعبة تدمير طرفي الصراع بقوتهما وليس بقوة أمريكا. الان نواجه في سوريا معركة التدمير المنظم للكل، للنظام وللمعارضة وللدولة وللمجتمع، تماما مثلما حصل في العراق ولكن على يد ابناء سوريا في حين كان تدمير العراق ومازال على يد أمريكا وإيران وتوابعهما. لمن يخدم ذلك؟ بالتأكيد اسرائيل بالدرجة الاولى، لذلك نراها تلعب لعبتها بذكاء، فهي تصدر مقالات وتصريحات تدعم بشار ولكنها وعبر اطراف اسرائيلية اخرى تصدر مقالات وتصريحات ضد بشار، وهذا ما تفعله أمريكا عبر اعلامها وبعض مسؤوليها، والهدف هو تشجيع بشار والمعارضة على مواصلة القتال وامتلاك ادلة على ان اسرائيل وأمريكا مع وضد الطرفين!
ان اهم سؤال يكشف حقيقة ان المطلوب في سوريا ليس تغيير النظام بل تدمير وتقسيم سوريا هو التالي: الم يكن بامكان أمريكا التخلص من النظام السوري بانقلاب عسكري كان ومازال اسهل من شرب الماء؟ نعم كانت أمريكا تستطيع اسقاط نظام بشار بابسط من البساطة ذاتها لسبب معروف وهو ان النظام غارق في الفساد وهو حكم عصابة سرقت الشعب واثرت على حسابه وباعت الوطن لاسرائيل وأمريكا وإيران ودول الخليج العربي، ولذلك كان ممكنا بقرار أمريكي سريع التقاط بشار وزمرته بهدوء تام أو شبه تام والقاءهم في السجن أو دفنهم في مقبرة جماعية. فمن يعيش على الفساد والافساد يموت نتيجة له ومن اثبت امام الناس انه نظام حرامية نهبوا الناس وثرواتهم لن يجد من يدافع عنه الا الحرامية والمستفيدين منه، وهذا ما ظهر واضحا حينما تقدمت المعارضة وسيطرت على اغلب دمشق وقصفت القصر الجمهوري واوشكت على احتلاله لولا تراجع أمريكا والنيتو وتدخل رسمي من قبل حزب الله وإيران ودعم روسي مفتوح، بعد ان تفككت عصابات النظام وهربت تماما ولم يعد الان من يقاتل بصورة جوهرية الا إيران وقواتها وحزب الله تحت واجهة النظام وهو ما اعترف به عضو بارز في مجلس الشورى الإيراني يوم 4-11-2013.
اذن أمريكا استخدمت اسقاط النظام كمعبر لهدف اخطر بكثير وهو التدمير الشامل لسوريا دولة ومجتمعا وهوية قومية وتركيبا نفسيا وثقافيا بصورة متزامنة أو متتابعة، وبما ان تقسيم سوريا لم تكتمل متطلباته بعد فان النظام يجب ان يبقى كي يواصل توفير مسوغات تدمير ما تبقى من عناصر القوة المادية والعسكرية والتوحد والشد داخل ابناء سوريا من جهة، ولاجل اكمال هدف جعل سوريا عاجزة عن استرجاع عافيتها وقوتها لمدة لا تقل عن ربع قرن وهي الفترة التي تحتاجها اسرائيل لاكمال ضمانات بقاءها خارج نطاق التهديدات العربية من جهة ثانية.
كيف تحقق أمريكا الهدف الصهيوأمريكي هذا؟ مالم يبق بشار في الحكم هو وزمرة الفساد التي لابد ان تدافع عن ثرواتها المنهوبة من الشعب لن تكون هناك حربا اهلية، فلكي تقوم الحرب الاهلية يجب ان يبقى بشار متمتعا بقوة تكفي لمنع اسقاطه مقابل ذلك يجب ان يكون اعداءه قادرين على البقاء مهما تبدلت التوازنات على الارض كي تستمر المعركة ويتساقط يوميا المئات من القتلى من النظام ومن الشعب، وكي تتحول مدن سوريا إلى خراب تنعق فيه الغربان ويحصد فيه منجل الموت كل مظاهر الحياة.
المطلوب هو اعادة سوريا لما قبل الف عام زائدا عدم السماح لعلاقات ما قبل الالف عام بالعودة وهي علاقات رحمية قوية تعزز التاخي، لذلك فاعادة سوريا للخلف مثلما حصل في العراق بعد الغزو تقترن بوجود نزعات عصرية غير مسبوقة من الانانية وتدمير الاخر بلا رحمة والتي تبلورت عبر حروب دموية في افغانستان وفيتنام وافريقيا واسيا والشرق العربي وتحت ضغط التجويع والتعذيب المنظمين للشعوب، وانصهرت وتبلورت تلك النزعات الاجرامية المتطرفة في افران البؤس الاجتماعي والاستغلال الطبقي المجرم. وفقا لهذا الهدف الكبير كان يجب ان يبقى بشار وان لا يسقط وان تدعمه إيران وحزب الله وان لا تقوم أمريكا بقصفه هي والنيتو كما اعلن كذبا، وان لا تقدم للمعارضة الاسلحة النوعية التي وعدت بها كي تكمل مسيرة اسقاط بشار، فبقي بشار بعد ان تيقن انه انتهى، بينما صدمت المعارضة بملاحظة أنها تبتعد عن هدف اسقاط النظام بعد ان تيقنت انها على وشك تحقيق النصر الحاسم.
نتيجة معارك سوريا حتى الان هي الاهم: فالدمار في العمران في سوريا اكبر واخطر من الدمار الذي حل بالعمران في العراق فمدن سوريا دمرت بغالبيتها اما باسلحة النظام أو بعض اطراف المعارضة، ولم تعد سوريا التي نعرفها قائمة كواحة جميلة يحج اليها الناس صيفا من كل قطر عربي، بل اصبحت خرائب لم تكن توجد الا في اكثر مناطق العالم تخلفا وفقرا. اما الانسان في سوريا فانه فقد اكثر من 150 الف شهيد سوري حتى الان ومئات الالاف من الجرحى، واكثر من مليوني مشرد ومهجر، والمطلوب هو رفع رقم المهجرين، ولذلك لم تتوقف الحرب الاهلية السورية ويتواصل نزيف الدم السوري والاخطر تتواصل عملية نزع الكرامة السورية تعمدا وتخطيطا لاذلال السوريين، كما اذلت أمريكا وإيران العراقيين. ولكن اخطر ما في الكارثة السورية كما في الكارثة العراقية وكما يخطط للكارثة اليمنية والليبية، هو الجرح النفسي العميق الذي يؤرق الروح كل لحظة وينزف قيحا وليس دما وستكون له عواقب اكثر خطورة مما حصل حتى الان.
بعد كل الخراب الرهيب الذي حل بسوريا وبعد كل العذابات والقتلى نرى الان لعبة اعادة الاعتبار لبشار ونظامه واعتبار ان تسليم الكيمياوي السوري كان الهدف من كل الكارثة! رغم ان تسليم الكيمياوي ليس سوى هدنة والكارثة السورية لن تتوقف الا في حالتين: اما الوصول لتقسيم سوريا أو هداية الله لاطراف وطنية في المعارضة السورية كي تتوحد وتتفق على برنامج وطني لاسقاط النظام بالاعتماد على النفس والرفض المطلق لاي دعم اجنبي وبذلك يعود الامن والاستقرار إلى سوريا الحبيبة.
في ضوء كارثة سوريا نسأل مجددا: من الراكب ومن المركوب؟ هل ركبت الجماهير أمريكا واستغلتها في احباط المخططات المعادية للامة العربية؟ ام ان أمريكا هي التي ركبت الجماهير واستغلت عذاباتها وسخرتها لتحقيق الخراب الشامل؟
(يتبع)
* كاتب ومفكر عراقي