عندما دخل الاستعمار البريطاني والفرنسي وقسّم البلاد العربية والإسلامية واحتلها، كان أول وأهم مشروع له هو القضاء على الانتماء والهوية، وكانت مناهج التعليم هي الأساس. فعندما تولى دانلوب المعارف بمصر أصر على القضاء على أسس الفكر الإسلامي بالمنهج، فزرع أفكاراً غربية من خلال المناهج وقدم التاريخ بصورة حروب ونزاعات وجرد كتب التاريخ من الصور المشرقة الحضارية، وأوجد التربية الوطنية بعيداً عن الهوية الإسلامية.
وهكذا.. وهذا ما جعل القس زويمر يقول في مؤتمر لمن أرادوا أن يحرقوا المصاحف كما فعل تيري جونس، قال زويمر: أخرجوه من قلوبهم، فكان الغزو الإعلامي والسلوكي لتدمير الفكر والمنهج من خلال اللغة والفكر وإشغال الشباب بسلوكيات واهتمامات أخرى. لذا وجد في مجتمعنا صراعات واضطرابات في المنهج السلوكي وتم إقصاء وإبعاد القيادات ذات الهوية وتم وضع قيادات دينية وفكرية، وهذا ما جعلهم يسلطون على هذه الأمة الفكر الشيوعي واليساري والاشتراكية والتيارات القومية وصناعة أنظمة عسكرية تحمي هذا الفكر، وتولي قيادات أنصاف المتعلمين والموالين لينشروا الفساد والانحراف واختيار قيادات ضعيفة وضرب المؤسسة الدينية كالأزهر وإيجاد فراغ ديني.
ولكن قضية الدين من الأمور الأساسية، كان من الصعب تنصير المسلمين، وفشلت الشيوعية والتيارات اليسارية، خاصة أن حرب 67 والهزائم أمام إسرائيل جعلت هذه التيارات تفقد مصداقيتها لما فيها من جعجعة وشعارات براقة سقطت في واقع الأمة والدمار الاقتصادي وتدمير المجتمع، وبعدها ظهر تياران في شبابنا: الأول ردة فعل إسلامية بدون بصيرة أمام الظلم الشيوعي واليساري وتتمثل بالجماعات المتطرفة والتكفيرية، وقد استخدمتها السلطات في بعض الدول كأنور السادات ضد خصومه وكذلك في مواجهة الوجود الروسي بأفغانستان، وكانت هذه الجماعات لا تقوم على أسس فكرية وعقائدية وعلمية، وإنما على فراغ وتعصب وسلوكيات نابعة من جوانب نقص وعاهات فكرية وردة فعل نتيجة لمعاناة وبطالة وانتقام وليس مبدأ، وأصبحت جهات توجه الشباب لهذا، وبدأت ظاهرة العنف تأخذ طريقها وكثرت فيها الرايات واللافتات وتنوعت الأساليب، ثم ظهرت جماعات موالية لأفكار الغرب والتسيب والانحلال والمخدرات والفراغ والإعراض عن التعليم الناتج عن اختلال الأسرة والمدرسة في مجتمعاتنا، أضف إلى غزو فكري إعلامي مركز، وللأسف إن الغزو أخذ صوراً عديدة، وعندما قامت الثورات للربيع بذلت جهوداً لصد هؤلاء الشباب عن الضوابط الشرعية وإشغالهم بالشعارات والمبادئ الغربية ورونقاتها وإبعادهم عن الهوية العربية الإسلامية، عن طريق التويتر والفيس بوك وغيره. وكل هذه المغريات والغزو المادي وتشجيع المخدرات وعدم الانضباط والتمرد، كل هذه السلوكيات شجعت الجريمة والفساد.
لذا نجد أن شبابنا بمن فيهم للأسف المتدينون يعانون من غزو وفراغ، وقد تم إبعاد الكتب التي تحمل فكراً ومنهجاً من المكتبات ككتب أبو الحسن الندوي والمودودي والغزالي والشعراوي وعبدالرزاق نوفل وغيرهم، وظهرت قيادات علمية ليست قدوة للأمة.
أصبحت أوضاعنا محزنة، نفتقد إلى إعلام للأطفال وثقافة للشباب، وأصبحت بلداننا تتساقط عليها الأفكار من كل الدنيا بالغث والسمين بدون تمييز وتمزقت الأمة وأصبحت الناس مشغولة بأمور ثانوية، وتعمقت ثقافة المادية، والمصالح والبراجماتية، وتناسى الناس القيم والأخلاق والوفاء والشهامة والكرم وأصبحت تقاس بالمصالح والمردود مما يدمر وضع الشباب، أضف إلى ذلك عدم وجود قدوة، فالمشايخ والمفكرون والأساتذة ورجال الإعلام، إضافة إلى الأسرة، لم يعودوا يشكلون النموذج والقدوة الحسنة.
ومن المصائب الكبرى أن أبناءنا يجهلون تماماً تاريخ أمتهم وبلادهم وخلفيات الأوضاع وتاريخ الكفاح ضد المستعمرين وما قدمه الأولون من تضحيات لتحرير أوطانهم، فخرج المستعمر من الباب ليدخل من الشباك، حتى مسميات منمقة من حقوق الإنسان إلى الحريات وشعارات الديمقراطية المزيفة التي لا نراها في حق شعب فلسطين ولا في حقوق المسلمين المضطهدين.
علينا أن نراعي أوضاع شبابنا وأن نحميهم فهم الأمل ولن تقوم لهذه الأمة قائمة بدون توجيههم وتحصينهم وحمايتهم ورعايتهم، مسؤولية الندوة العالمية للشباب الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي كبيرة جداً في حماية الشباب، ووضع الندوات والدراسات لدراسة جذور المشاكل، كما أن الإعلاميين للأسف لا توجد لديهم ضوابط بل الهدف هو إشغال الناس وإشعال النار بالغث لا السمين، وهو عكس إعلام الآخرين الذي يراعي الهوية. لابد من التحرك لحماية أجيالنا حتى لا يسيرها الآخرون لأهدافهم.