لا بدّ من التسليم أولا باحترام سيادة المملكة العربية السعودية على أراضيها بما في ذلك تنفيذ قوانين الإقامة والعمل لديها , ولكننا نتساءل فقط .. لماذا الآن ؟! وهل كان لا بدّ أن يعود هذا العدد الكبير وفي هذا التوقيت .. ولصالح من ؟.. وهل تعذّر أيّ حل يخفّف من ضخامة العدد المرحّل على الأقل.. والذي سيضيف إلى المشهد العام في اليمن إرباكاً على إرباك وعلى كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية وبالتأكيد السياسية !.. فالمزايدة في اليمن على آلام وأحزان العائدين بدأت حتى قبل أن يتم إخراجهم من المملكة!
ليست المشكلة في القرار بحدّ ذاته.. ولكن في توقيته !.. صحيح أن القرار لم يكن يخص اليمنيين فحسب بل يخص كل المغتربين في المملكة.. لكن الأرجح أن اليمنيين كانوا أكثر ضحاياه !.. ربما لعددهم الضخم نتيجة عوامل كثيرة أهمها الجوار الجغرافي والإنساني , والظرف الاقتصادي الخانق الذي تعيشه اليمن في السنوات الأخيرة.
كنا تفاءلنا بعد إعلان المهلة لمعالجة أوضاع اليمنيين في المملكة , ولكن يبدو أن المهلة تلاشت دون نتيجة تُذكر , وأظن، وليس كل الظن إثما، أن المهلة تحوّلت إلى إهمالٍ للمشكلة , ومجرّد إرجاءٍ لانفجارها ! والأرجح أن الجانبين اليمني والسعودي يتحملان مسؤولية عدم المعالجة ولو حتى معالجة مؤقتة تراعي ظروف اليمن الحالية شديدة الحساسية والخطورة.. على أنني أحمّل الجانب اليمني الحكومي جُلّ هذا الإهمال !.. ولا أقصد بالضرورة وزارة المغتربين , فالمشكلة أكبر منها , وهي تحتاج إلى تدخّل ومداخلة على أعلى المستويات السياسية بين البلدين الجارين.
ولكن.. وآه من لكن هذه !.. ماذا تتوقع من دولةٍ لا تهتم بالمواطن الحاضر لديها ما بالك بأن تهتم بالمغترب الغائب عنها ! وإذا كانت عجزت عن حل مشكلة عشرات الصيادين الأسرى في إريتريا فما عساها أن تفعل إزاء عشرات الآلاف المرحّلين من السعودية !
إدارة الدولة في اليمن تحتاج إلى رُوْشتّة علاج قوامُها الحزم والعزم والإخلاص وحبّ الوطن بدلا عن الوصفة الرباعية الحاكمة: التقاسم والظلام والكراهية وغياب الدولة !.. قلتُ هذا مراراً وتكراراً.. لن يحترمك أحد إذا لم تحترم نفسك وتحترم شعبك !.. كيف تطلب من الغير أن يراعي وأن يحنّ , بينما أنت لا تراعي ولا تحنّ أو تأسف على أحد !
شعبُك يُقتل بالمئات كل يوم بدبابات الدولة المنهوبة وبمدافعها المسلوبة.. جنودك يُقتلون كل يوم دون تحقيق أو عقاب لأحد.. مواطنوك يموتون صبراً في الظلام في مشافيك المعطلة , وشوارعك الجوعى المغبّرة.. يموتون غرباء في بلادهم لا يسمعهم توافقٌ أو يحنّ عليهم متقاسم !.. لا يسمعهم إلا الواحد المنتقم الذي يمهل ولا يهمل !
يتقاسم اليمنيون على فقرهم اللقمة مع الملايين من إخوانهم القادمين من الصومال والعراق وأخيرا سوريا.. أي مع الأشقاء المنكوبين بحكوماتهم وحكامهم,.. ورغم ظروف المواطن اليمني وكثافة وجود العاطلين عن العمل , فإن صدورهم أكثر رحابةً واتساعاً وتفهماً لإخوانهم المنكوبين كضيوفٍ كرامٍ مكرّمين.. ومباشرين لأعمالهم وأرزاقهم فور وصولهم دون رقيبٍ أو عتيد أو كفالةٍ أو شريك !
الآن وقد وصلت طوابير المرحّلين إلى كل قرية ومدينة يمنية.. هل يمكن الخروج بأقل الخسائر ؟! بمعنى أن تبادر القيادة السياسية في اليمن بطرح المشكلة في أسرع وقت على القيادة السياسية في المملكة ومعالجة أوضاع من تبقّى ممّن يراد ترحيلهم.. وعلى أن يتم ذلك بصفةٍ استثنائية لليمن واليمنيين وحتى تخرج البلاد من عنق الاختناق الاقتصادي والسياسي.. هذا ما نأمله !
لم أجب على تساؤلي المحزن.. لصالح من , وفي هذا التوقيت؟.. ربما لأن الإجابة أوضح من أن تقال !.. فلا شيء يسعد شياطين الغبار , وأئمة الظلام والحروب في شعاب الفقر والتجهيل أكثر من مرأى طوابير المرحّلين الممتلئين بالقهر والحنق.. هذه هي أجواء الشياطين وهذا سوقُهم !.. فالإيماءة منهم تكفي , والتلويحة تُغري , ونداءات التعصّب تغوي.. وشعابُ الكراهية بالانتظار !