في عام 1990 تغيرت خارطة المنطقة في ظرف ساعات، بين ليلة وضحاها غاب بلد كامل وحيوي ومؤثر من الوجود، وتمدد بلد آخر خارج حدوده المرسومة له ولغيره من قبل الاستعمار البريطاني، وكان حدثاً استثنائياً وصادماً بامتياز، لأسباب تتعلق بالروابط العربية والجيرة ومنظومة القيم، التي يفترض أن تحكم علاقات العرب ببعضهم البعض، لكنه من ناحية أخرى، ولو دققنا جيدا في الأحوال والأوضاع العربية، لوجدناه حدثاً قابلاً للتوقع من ناحية أخرى، هناك قضايا حدودية بين كل بلد عربي وآخر، والحسم الحدودي لم يكن يوماً من الأيام بناء على حتميات جغرافية أو تاريخية أو على أساس الهويات الحديثة، إنه مجرد خط رسمه الأجنبي على الأرض العربية، وفقاً لرؤيته ومصالحه وتقديره، إنه بالضبط كما نقول، ومراجعة بسيطة للكيفية التي قسمت بها دول مثل الكويت والسعودية والعراق، كفيلة بتأكيد هذا الأمر، فضلاً عن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد الشام، وغيرها من الحالات العربية، هناك من قرر أن يكون الأمر على هذا النحو، بعيداً عنك، وعن حقوقك أو مصلحتك، وهذا ما يجعل من الاحتقان الدائم على قضايا الحدود واحتمالية تفجرها في لحظة من اللحظات، أمراً يمكن التنبؤ به قبل حدوثه.
عادت الكويت بعد أشهر من احتلالها، بفضل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية، والسؤال الذي يجب أن ننشغل به هذه الأيام، ماذا لو أن التوازنات والإقليمية والدولية لم تكن في صالح عودة الكويت؟ ماذا لو أن الولايات المتحدة وجدت مصلحتها في غير هذا الاتجاه، سيناضل الكويتيون في سبيل قضيتهم، ولن يتركوا بلادهم بكل تأكيد، لكن الأمور ستكون أعقد وأطول مما كانت عليه دون شك، وهذا ما يدفعنا اليوم للاعتبار مما جرى في ذلك العام الأسود، وإجراء التغييرات اللازمة التي لا تسمح بتكرار ذلك السيناريو مع أي بلد خليجي آخر، وهو سيناريو قابل للتكرار لو انتبهنا.
لا تستطيع أي دولة في منظومة مجلس التعاون الخليجي، توفير مسألة الأمن الذاتي بشكل مستقل عن الآخرين، هذه حقيقة وليست رأيا، والكل يعوض هذا النقص عبر التحالف الخارجي مع قوى –لا يمكن التنبؤ بثبات موقفها من هذه المسألة– لفترات طويلة، والبوادر تلوح في الأفق هذه الأيام، التراجع الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية مسألة غير قابلة للنقاش، النقاش في طبيعة وحجم هذا التراجع في المنطقة، وفي عالم القوة والسياسة لا فراغ على الإطلاق، كل مساحة شاغرة تجد من يملؤها، وهذا ما يجب التفكير فيه بشكل جدي، بعيداً عن صغائر الأمور التي تشغلنا في العالم الخليجي.
الواقع الأمني لدول الخليج منفردة لا يمكن أن يتغير ولو بعد مئة عام، ولا يمكن معالجة هذا الأمر إلا بعمل جماعي عبر تفعيل المنظومة الوحدوية لدول الخليج، ودون استثناء مسألة التحالفات الخارجية، إنما بتنظيمها والدخول فيها بشكل جماعي مما يجعلها أكثر فاعلية وتأثيراً، لم تحقق وزارات الدفاع المحلية مكاسب غير العمولات التي نالها أصحابها من الصفقات التي لا قيمة لها، وغير المباهاة التي لا قيمة فعلية لها بوجود جيش محلي وطني يستعرض في المناسبات السنوية، ولو غصت في قلب كل حاكم ومسؤول دفاعي لعرفت أين يتجه بنظره في حال تعرض بلاده لخطر ما! مما يحتم مسألة التقدم نحو قضية الوحدة الدفاعية الأمنية، ليس ضد المواطنين، بل ضد الخطر الخارجي الذي قد يتهدد وحدات هذه المنظومة.
بمختصر العبارة، كفانا عبثاً بمقدرات هذه البلاد، ولتتوقف المنافسات السخيفة، وإدارة الدول كمزارع مضمونة الحدود من الأجنبي، لا بد من الاتحاد في مسألتي الدفاع والسياسة الخارجية، التي ستضع حداً للأوهام التي يعيشها الحكام من جهة، لكنها ستمنح ضمانة حقيقية لحكمهم وبقائهم ونفوذهم في مسائل كثيرة داخل هذه الوحدات، هذا الأمر يشكل واحداً من المطالب الشعبية الملحة، ولابد من الإصرار عليه بكل الأشكال، حتى نستطيع التفكير في أمور أخرى، لا يمكن التفكير فيها في ظل هذه الأحوال.