في الذكرى الثانية ل ‘المبادرة الخليجية’ التي أمّنت ترتيبات انتقال السلطة في اليمن، ها هي البلاد لم تنج هي الأخرى من داء التعثر الذي أصاب كل دول ‘الربيع العربي’. ففي وقت انقلبت فيه الأوضاع في مصر على أعقابها وعاد النظام القديم ليمسك بمقاليد الأمور، وما زالت تونس تجرب فيه كل فنون التسويف وإضاعة الفرص، ونرى فيه ليبيا تحاول بناء المقومات الدنيا لدولة تسعى جاهدة لمنع تفتتها، ها هو اليمن، هو الآخر، يحاول بعد اغتيال النائب عبد الكريم جدبان ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني ترميم أوضاعه المتعثرة.
لا يكفي البلاد أنها لم تستكمل بعد ملفات هذا الحوار الذي كان من المفترض أن ينتهي في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي بصياغة دستور جديد للبلاد يفتح المجال أمام انتخابات عامة، ولا يكفي أن ممثلي الجنوب ما زالوا مصرين على المطالبة بصيغة ما لحكم ذاتي، ولا يكفي أن المعارك ما زالت مستمرة بين الحوثيين ورجال القبائل أو السلفيين في دماج ما أودى بالعشرات بين قتلى وجرحى، ولا يكفي أن أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم يتعبوا بعد من محاولاتهم الدائمة عرقلة الأمور… لا يكفي كل ذلك حتى يأتي هذا الاغتيال الأخير ليفتح الباب أمام مخاطر حقيقية لاقتتال داخلي واسع ومخيف.
الكل تقريبا لم يركز على شيء تركيزه على هذه النقطة. رأى جميعهم في الاغتيال محاولة ل ‘إشعال نار فتنة’ بين أبناء الشعب وحذروا من زج البلاد في ‘أتون الفوضى والإقتتال’ بعد الكثير من ‘الشحن الطائفي والمذهبي والإعلامي’. حتى جدبان نفسه، وفي آخر مقابلة صحافية معه، اعتبر أن هناك ‘مؤامرة’ على بلاده تريد جرها إلى ما وصفه بحرب طائفية مذهبية على غرار ما يجري في العراق وسورية. الهدف من وراء ذلك، كما قال، هو دفع الشعب ‘كي ينشغل عن مستقبله ويقع إجهاض ثورته’.
خطوتان لا مفر منهما لتفويت الفرصة على أي سيناريو من هذا القبيل: الإسراع في إنهاء الاقتتال الدائر في دمّاج والانتهاء في أقرب وقت من حسم ملفات الحوار الوطني المعلقة. المهمة الأولى تستوجب وقوف الجميع وراء اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في الخامس من هذا الشهر بمبادرة من الرئيس هادي والذي تسعى الآن لجنة رئاسية إلى تثبيته بشق الأنفس . أما المهمة الثانية فتتطلب إلى جانب توفر الإرادة السياسية لدى كل الفرقاء، تدخلا أكثر قوة من سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية (دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن) إلى جانب الأمم المتحدة ممثلة في مبعوثها إلى اليمن جمال بن عمر. هذه الدول، بحكم وزنها وتأثيرها الذي لا شك فيه على البلد، حكومة وقوى سياسية، قادرة على ممارسة أقصى ما يمكن من الضغوط لإنهاء بحث كل الملفات المعلقة في الحوار وعدم الاكتفاء بالمناشدة كما جاء في بيان السفراء العشر بعد الاغتيال والذين دعا إلى أن يظهر هذا الحوار للعالم أن ‘الانتقال السلمي ممكن وأن يقدم نموذجا لتلك الدول في المنطقة التي شرعت في حواراتها الوطنية’.
إن بلدا يعاني نصف شعبه من سوء التغذية، أي حوالي 13 مليون نسمة، كما أكد ذلك أحد تقارير الأمم المتحدة، وتبلغ فيه نسبة الفقر 52% من عدد السكان كما تشير أرقام البنك الدولي، ويتدفق إلى أراضيه عشرات الآلاف من اللاجئين الأفارقة، وينتشر فيه السلاح أكثر من الخبز، ويسوده منطق القبيلة الذي تغذيه وأحيانا تتلاعب به دول إقليمية مختلفة، إن بلدا هذه بعض مواصفاته لا يمكن له أن يتحمل المزيد من التعثر السياسي وانعدام الأمن المحبط لأي جهد تنموي كبر أو صغر. الأكيد هنا أن لا أحد يمكن أن يساعد اليمنيين إذا لم يبدوا هم الحد الأدنى من الجدية على بداية السعي لمساعدة أنفسهم.