أرشيف الرأي

تهافت على السلطة في وطن ينزف مذبوحاً

مخطئ من يدعي بأن رياح التغيير التي اجتاحت بلدان ماعُرف بدول الربيع العربي بأنها ‏مجرد تقليد وأزمة فحسب، بل إنها أتت على تراكم أجيال من الحكم الاستبدادي ومغامرة ‏العسكر الذين أتوا بما سمى في مطلع الخمسينيات بالشرعية الثورية والتي أدت من فوهة ‏البندقية وعلى ظهر الدبابة، وقد فشلت تلك الثورات في محطات عديدة ولو بنسب مُتفاوتة لان ‏بعض النخب ركبت موجة الثورات. والبعض من سارقي السلطة يدعي انه جاء بطريقة ‏ديمقراطية، والأحرى تسميتها بديمقراطية القوة والنفوذ، ولعل المشتركي بين ثورات الربيع ‏العربي هو الالتقاء في جزئية استحواذ السلطة بنزعات اقصائية وتجاهل حق شعوبهم في ‏العيش الكريم.‏

من ضمن المفارقات في الحالة اليمنية هو التقاء النزعات الجهوية في جنوبه بالمذهبية في ‏شماله، وكل منهما يريد تقرير مصيره، كل ذلك جرّاء غياب الديمقراطية الحقيقية، والدولة ‏المدنية وفي الحوار كان مفترضا ان تكون الألوية والأهداف هو التركيز على ذلك وليست ‏مشكلة اليمن الفدرالية فتمحور السلطة وتمركزها في عاصمة واحدة والتي ساعدت على ‏استحواذها، لها حلولا اخرى باللامركزية من دون الهرولة نحو فخ الفدرالية .‏

لقد تعثرت الديمقراطية ليس في اليمن فحسب بل وكل البلدان العربية سوى تلك التي ‏اجتاحتها رياح التغيير أو غيرها، فمنذ نحو قرن مضى والعرب في متاهة البحث عن هوية، ‏وكان منتصف القرن الماضي علامة فارقة في بداية تحولات عنيفة عندما تسلق ثُلة من ‏العسكر المغامرون تحت ذريعة ما أسموه بالشرعية الثورية الذي تزامن مع المدّ القومي وكل ‏التجارب باتت بالفشل والإخفاق وذلك ببساطة لسياسة القهر والأحزاب بالشمولية وغياب قيم ‏الديمقراطية التي غدت مجرد نصوص نظرية يجملها منظري السلطان وتبين بمرور الزمن ‏خطأ ذلك المسار، وعندما تعاملت الأنظمة العربية مع الديمقراطية كانت مكبلة بجيل مسخ ‏تأثر بثقافة «العسكرتارية» والأنظمة المسيطرة على مفاصل الحياة، ومشبعة بهوس السلطة ‏وهو ما تبين جليا بعد ثورات الربيع العربي حيث وأدت تلك القيم الديمقراطية لأسباب متباينة ‏منها الصراع والخلاف الفكري الذي يرتكز على تيارين، تيار علماني مختلف المشارب وتيار ‏ما يعرف بالإسلام السياسي. فانقسمت المجتمعات في تلك البلدان والأخطر من ذلك هو أن ‏الاختلاف شمل المحسوبين على التيار الإسلامي والمنقسمين فيما بينهم مذهبيا الأمر الذي زاد ‏من تداخل الدين (المذهبي) بالسياسي وبات سمة المشهد السياسي الحالي في أغلب بلدان الربيع ‏العربي

من إفرازات المرحلة تنامي فكرة الفدراليات في بلدان الربيع العربي، لقد اعتقد البعض بأن ‏عملية الإصلاح والنهوض والتطلع نحو الحرية حتماً من بوابة الفدرالية مع ان إشكالات تلك ‏البلدان تكمن في غياب الدولة المدنية اللامركزية التي يتساوي فيها المواطن في الحقوق ‏والواجبات دون تهميش أو إقصاء، دولة يسودها الإنصاف والقانون فالعدل أساس الحكم، وبسط ‏نفوذ الدولة، اليمنيون للأسف ضيعوا بوصلة الاتجاه الصحيح فلم يكتشفوا الداء فما بالك ‏بالدواء!‏

عجبي لأمة تتنازع فيما بينها من اجل وطن ينزف ويتهاوى ويتأكل يوما بعد يوم، فبعد حوار ‏طويل يتمخض لبوادر انفصال ناعم، يتحايلون على الجغرافيا في غفلة من التاريخ ليعاقبوا ‏الأرض بالتقسيم بسكاكين دهاقنة السياسة فقط لإرضاء حفنة من الطامحين للسلطة في دول ‏الطوائف المتناحرة حيث يستجرون الماضي القريب والبعيد، و إلى متى يضل البعض يهوى ‏جلد الذات، لم يتعلم اليمنيون والعرب تأريخهم ويستلهمون دروسا لها دلالاتها فممالك الطوائف ‏في الأندلس تمحور أسبابة في هوس السلطة والملك فتقلص نفوذ الوجود العربي الإسلامي أمام ‏تماسك قوات الفرنجة الصاعدة والذين انقضوا على تلك الممالك واحدة بعد اخرى ولم تصمد ‏سوى مملكة غرناطة الصغيرة وانتهت هى الأخرى بسقوط مدوي، فلم تعد السلطة مغرية في ‏وطن متهالك منهك متناحر فبئس الكرسي الذليل!‏

زر الذهاب إلى الأعلى