من الأرشيف

الاتحاد هو الوهم!

في المرة الماضية، قلت: إن الاتحاد بين دول الخليج هو الحل، وأكرر إيماني الكامل والمطلق بأنه لا مخرج لحالتنا الشاذة سوى بالوحدة، أعني المخرج من المخاوف الأمنية والتبعية المطلقة للأجنبي، وكما تبدو الوحدة حلا واضحا لا يمكن تجاوزه، فإنها مجرد وهم ننادي به نحن جمهور المواطنين الضعفاء الذين لا حول ولا قوة لهم في بلادهم، وهي أبعد ما تكون عن الواقعية في ظل الظروف القائمة، ولهذا أسباب عدة، أخصص الحديث هنا للتفصيل فيها قدر الإمكان.

الاتحاد، أي اتحاد بين مكونات مختلفة، مهما كانت درجة اختلافها، لا يأتي في الظروف الاعتيادية، إنه أشبه بحالة اضطرار تجبر كافة الأطراف على القيام بهذه الخطوة المؤلمة، وكما ينتج عن عملية الوحدة من فوائد، فإن لها أضرارا مؤكدة على الوحدات المكونة للاتحاد، هناك خسائر وأثمان لا بد من دفعها، وما يجري عادة، قبول الثمن نتيجة الفائدة المرجوة والمنتظرة، وهو الأمر غير المتوفر في الحالة الخليجية، لأسباب كثيرة، منها عدم وجود نموذج جاذب يؤدي إلى التحفيز على الوحدة، لا يوجد دولة من بين دول المجلس تستطيع أن تقدم نفسها على أنها الأفضل والأقوى والأكثر قابلية للاقتداء والتقارب معها، الأمن الوطني على سبيل المثال يوفره الأجنبي للجميع، وبالتساوي، وبالتالي لا فرق بين كبير صغير في هذه الحال، والكل يملك المال اللازم لدفع تكاليف الحراسة، إذا لا أحد سيغامر في مسألة تغير هذه الأوضاع مهما كانت خطورتها المستقبلية على الجميع.

اقتصاديا، لا يوجد ما يستوجب الوحدة، الوحدات التي يتكون منها الاتحاد المفترض، تملك أكثر من حاجتها من المال، قطر والكويت والإمارات يمتلك كل منها ما يكفي نصف قارة وليس دولة واحدة لا يتجاوز سكانها المليون مواطن! البحرين وعمان يمتلكان ما يفيض عن حاجة كل منهما، رغم كونهما الأقل في المنظومة الخليجية، والسعودية حدث ولا حرج، تصدر المملكة حالية قرابة 11 مليون برميل من النفط بشكل يومي، ويباع في السوق الدولية بأعلى الأسعار، لذلك لا يوجد سبب اقتصادي يضطر هذه الدول للاقتراب من بعضها البعض، وفقا لنظرية أن الوحدة اضطرار وليست خيارا، وقطعا سيتحسن كل اقتصاد على حدة في إطار الوحدة، لكن لا شيء يدفع الآن وفي ظل هذه الظروف للتقارب والاندماج، والكل يملك هذه الفوائض المالية من النفط والغاز.

من يفرط في السيادة؟ ولماذا؟ هنا مكمن الخلل الرئيس في حال الدول الخليجية، فهذه الدول، يملك كل منها منفردا، سلطة مطلقة ولا نهائية في إدارة شؤونه الداخلية، دون محاسبة أو رقابة أو ضغط، ونتحدث هنا عن أسر حاكمة تملك صكا مفتوحا في الحكم والإدارة، ثم يأتي من يطالب بتقييد هذا الأمر لصالح سلطة مطلقة أخرى على سبيل المثال! من الواضح أن هذا الأمر مستحيل الحدوث، ولا يمكن لعاقل أن يتصور إقدام أي طرف على مثل هذه الخطوة.

إن الاتحاد مجرد وهم في مثل أحوالنا، وعقباته واضحة ومحددة، السلطة المطلقة التي تتمتع بها الأنظمة الحاكمة في كل دولة خليجية، والبحبوحة الاقتصادية «المؤقتة» التي تنعم بها كل دولة، وقدرة كل منها على التصرف بهذه الأموال وإدارة شؤونها بعيدا عن الآخرين، توفر شركات الحراسة الدولية «العظمى» والتي تغني كل واحد عن حاجته للآخر، وانعدام الرؤية والتخطيط للمستقبل، نحن أمام رهان كل شيء مقابل لا شيء، وهو أخطر الرهانات التي يمكن أن تقاد بها الشعوب، ولا يمكن أن يتغير هذا الحال إلا بعملية إصلاح سياسي جذرية تضرب في عمق بلادنا الخليجية، ساعتها، يمكن الحديث بشكل جدي وواقعي عن الاتحاد والتقارب.

زر الذهاب إلى الأعلى