أرشيف الرأي

عندما يرتهن الداخل للخارج

وأنا أتابع أعياد اليمن تبين لي أن لكل فصيل عيد يفرح به كيفما ‏شاء وعلى طريقته التي يشاء ، ففي يوم أمس وأنا أتابع مجريات الاحتفال بـ30 نوفمبر للعيد ‏‏46 لاستقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني ، وجدت أن أبناء اليمن مرتهنون للخارج كلاً ‏بطريقته، وكلاً يطبق فرحة العيد بطريقته الخاصة ففي ساحة العروض بعدن احتفل الحراك ‏رافعاً أعلام اليمن الجنوبي قبل الوحدة وفي صنعاء يحتفل ابن الجنوب (هادي) بعلم الوحدة و‏توكل وشباب الثورة يحتفلون بطريقتهم وكلاً يدعي الوطنية وحب الوطن ، ولا ندري من الذي ‏يساوم على حب الوطن هذا..‏

وعندما تبحث تجد أن كل هؤلاء يعمل لتحقيق أجندة خارجية مقيتة تريد أن تجر البلاد إلى ‏مربع العنف وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي ، وما يحدث اليوم في مؤتمر ‏الحوار يبرهن للجميع مدى ارتهان بعض القوى التقليدية المترهلة للخارج ، وكيف أنها تسعى ‏بكل قواها أن تمرر مشروعها التي رسم لها من قبل الخارج بأي حال من الأحوال حتى ولو ‏كان على حساب تمزيق اليمن إلى أشلاء هذا لا يهمهم بقدر ما يهمهم تحقيق كامل الأجندة ‏المرسومة ، ولذا يسعى الحوثي لتحقيق الأجندة الإيرانية كما يسعى مثيله من الفصيل الحراكي ‏المتحوث بزعامة علي محمد أحمد الذي يصرح بأنه لن يعود إلى مؤتمر الحوار إلى تحت سقف ‏تقرير المصير لأبناء الجنوب آخذا تعليماته من الحاخام المتواجد في بيروت الذي كان له ‏السبب في وصلوا شركاء الوحدة إلى مبتغاهم من تخريب مضمون الوحدة الحقيقية التي كان ‏ينشدها أبناء اليمن ككل ، ولذا إذا تجردنا من الارتهان الخارجي فسوف يكون وطننا بخير ‏ومعافا من المشاكل التي يعاني منها وبغيره سيستمر المرض على الوطن ما بقيت الأجندة ‏الداخلية تعمل للخارجية.‏

وخطورة هذا الوصف لأزمة اليمن خطيرة متفجّرة في منطقة الشرق العربي ، إن فيه تسليماً ‏من الأطراف المحلية بارتهان أوطانهم وقضاياهم ومصيرهم لصراعات خارجية، وبأنّ دور ‏هذه الأطراف هو دور المراقب أو المنفّذ لقرارات وإرادات من هم في عواصم دول أخرى، ‏لكن هل كان من الممكن لواشنطن أو إيران و غيرها من عواصم فاعلة في أزمات المنطقة ‏الآن أن تصادر دور الإرادات الوطنية لو كان هناك حدّ أدنى من الهوية الوطنية والرؤية ‏اليمنية المشتركة بين أطراف العمل السياسي لصياغة الحلول المنشودة لهذه الأزمات؟

وكما يقول بعض المحللين إنّ الإرادة الوطنية الحرّة هي الأساس لاستقلالية القرار الوطني. ‏والقرار الوطني المستقل هو الذي يجلي صورة المصالح الوطنية ويجعلها هي المعيار في ‏المواقف لا المصالح الفئوية لحكم أو فصيل أو حزب.‏

إنّ استقلالية القرار الوطني في أي بلدٍ عربي هي متأثّرة حكماً بمدى استقلالية القرار العربي ‏عموماً. وهناك الآن مزيجٌ من الضغوط الأجنبية تمارَس لمنع حدوث الأمرين معاً. أي أن لا ‏تكون هناك إرادة وطنية مشتركة تعبّر عن قرار وطني مستقل، فضلاً عن دفع الأطراف ‏المحلية أيضاً إلى مزيدٍ من الارتهان السياسي والأمني الذي يعطّل فاعلية أي قرار وطني ‏مستقل، وما يحدث اليوم في مؤتمر الحوار شاهداً على ذلك من السعي لتعطيل مخرجات ‏الحوار .‏

فغياب المرجعية اليمنية الفاعلة هو المسؤول الأول عن تحوّل أطراف محلّية إلى وكلاء ‏الإرادات الخارجية ، وعلى ما أظن أن المرجعية موجودة وهم علماء اليمن وأهل الاختصاص ‏هذا إن أردنا أن نحل مشاكلنا ونبني وطنا .. قال تع إلى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ‏أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ* وَلَوْلَا ‏فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)...‏
فنسأل الله أن يجعل كل ما اختلفا فيه مرجعه إلى الله ورسوله وإلى أولي الأمر وهم العلماء ‏وأهل الاختصاص .‏

زر الذهاب إلى الأعلى