لا تستهينوا بحريق الحرب المذهبية الذي دشّنه الحوثي بالحصار والهجوم على «دماج» ، وأكمل جملته حلف النصرة في كتاف ، وتلقفه ووسعه الاستقطاب القائم في عمران ، ولاح شبحه المخيف على صنعاء باغتيال عبد الكريم جدبان.
اغتيال جدبان كان مؤشراً مرعباً على إصرار حثيث وغامض يتحرك في الزوايا المظلمة بهدف توسيع الحرب الأهلية المذهبية ومدّها بأعواد الثقاب المدروسة والمختارة بعناية ، إشعال جغرافيا الشمال بحريق الحرب المذهبية تفكيك ما تبقى من دولة بموقف عاجز يتفرج ببرود على أخطر تحدٍ تعيشه اليمن «الحرب المذهبية الطائفية» ، ودفع الجنوب نحو وهم « النجاة» من مراكز القوى والاقتتال المذهبي.
هذا الحريق وهذه الحالة السائلة في البلد وهذا البرود والوجوم من قبل السلطة الانتقالية وهذه الدوخة البادية على الأحزاب والفعاليات المجتمعية كل ذلك يستدعي ماهو أكثر من القلق والريبة.
دوّخوا بنا في حالة استزاف منظمة طوال عامين ، لنصل إلى مثل هكذا وضع مخيف ينفتح على كل الاحتمالات السيئة..
كل الحروب الماضية تهون أمام فصل الجحيم الذي افتتحه الحوثي في دماج.. الحروب الماضية كانت بين الدولة وميليشيات الحوثي المسلحة ولم تكن بين طرفين مذهبيين.
لو كانت الثورة الشعبية في 2011 أدت إلى حرب يتجاوز ضحاياها المئة ألف قتيل لهان الأمر مقابل ما يحدث الآن من انقسام على أساس ديني مذهبي ينذر بحرب طائفية مذهبية لا تُبقي ولا تذر.
في 2011 كان الانقسام بين نظام مستبد وشعب ثائر ، وهو فرز يعيد للنسيج المجتمعي تماسكه ويبعث فيه روح الشعب. وأية تضحيات تحت ذاك العنوان «الثورة» وذاك الفرز «نظام مستبد وشعب ثائر» سيمتصها المجتمع بما تتضمنه من هدف وطني عام وما ترمز اليه من قيم ومعانٍ يتوخى الحدث الجمعي الكبير بعثها في المجتمع وتوحيده بها بعد أن أوغلت فيه يد النظام المستبد بتشظيات وانقسامات عديدة ومؤلمة.
الآن يقفز أحد أهم مبررات المتوافقين إلى السطح. حينها قالوا للشعب اليمني: إن اتفاق التسوية السياسية يجنب اليمن الحرب الأهلية. وما تبدى لنا الآن أن شرر الحرب الأهلية يقدح من دماج صعدة وكتافها وعمران. فالحرب الأهلية تتم عندما يكتمل الانقسام ذو الطابع المذهبي أو الطائفي أو القبلي أو الجهوي.
لقد أدى غياب الحكومة وشللها المفتعل إلى فراغ كبير تملأه الجماعات المسلحة والاستقطابات الخارجية والمشاريع التقسيمية والمذهبية.
الدولة ليست ضعيفة ولكن إرادة القائمين عليها خائرة ورؤيتها غائمة وبلا عزيمة. هذه الحكومة القائمة الآن بعِلّاتها تستطيع أن تضع حداً لشرر الحرب المتصاعد من «دماج» وأن تعيد للحوثي «رشده» وأن تعيد السلفيين المحتشدين في كتاف إلى بيوتهم. هذا الجيش اليمني المتوفر الآن على ضعفه وتشتته وعِلّاتِه يستطيع أن يكون الضامن الكبير لتماسك اليمن ووحدتها وأمنها واستقرارها لو توفرت الأهداف الوطنية والقرار الحازم والرؤية الواضحة والعزيمة القوية في القيادة السياسية التي تتولى شؤون البلاد في هذه اللحظة الفاصلة.
ترك صعدة لتغول الحوثي خطأ فادح لن تسلم منه محافظة في اليمن. وتنصل الدولة عن دورها في دماج يترك فراغاً سيملأه السلفيون وأنصارهم وسيحول اليمن كلها إلى فراغ تملأه المليشيات المذهبية والانفصالية والقبلية.
ليْ ذراع «الشمال » بالحروب المذهبية ليس الوصفة المثلى لنجاة «الجنوب» وإنما خطوة باتجاه انهيار الدولة وتفكيك اليمن من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ؛انهيار وتفكيك لن ينجو من مخاطرهما أحد ، لا الأشطار ، ولا الجهات ، ولا غيرها ، وسيدفع ثمنه كل يمني أينما وُجد.
***
عندما يتحول المذهب إلى هوية سياسية لجماعة في بلد متعدد المذاهب يغدو ذلك سبباً أساسياً لتحويل التنوع المذهبي إلى انقسام عمودي وكراهيات متبادلة وحروب أهلية.